اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

ما زالت حكومة الكيان الصهيوني رغم كل ما قامت به ترغي وتزبد، وتهدد وتتوعد الفلسطينيين في غزة باجتياح قطاعهم، وتدمير بنيانهم، وتخريب أرضهم، وتعطيل مرافقهم وتغيير معالم مناطقهم، ثأراً وانتقاماً من حركة حماس، التي باغتتهم ونالت منهم، وصدمتهم وروعتهم، وألحقت بهم خسائر ما كانوا يتوقعون يوماً دفعها، أو التعرض لها في حياتهم أبداً، إذ اعتبروا أن زمن الهزائم قد ولى، وحروب المفاجئات قد انتهت، والجيوش التي كانت تهددهم قد ضعفت وتفككت، وعقيدتها القومية قد تلاشت، وبات قادتها أصدقاءً لهم وحلفاءً معهم، ولا يوجد بعدهم من يتجرأ عليهم أو يعتدي عليهم ويهدد أمنهم، فاطمأنوا إلى قوتهم واستعلوا، وركنوا إلى سلام المطبعين معهم وبطشوا، واستفردوا بالفلسطينيين وقصفوا، ظانين أنه ضعيفٌ وحده، وعاجزٌ بمفرده، وأنها مسألة أيامٍ ويسقط ويذعن.

إلا أن المقاومة الفلسطينية كذبتهم والمواجهة فضحتهم، ووجدوا أنفسهم في رحى معركةٍ لا ترحم، وبين رجالٍ لا يهابون مواجهتهم ولا يترددون في قتالهم، ولا ينتظرون هجومهم بل باغتوهم بالهجوم عليهم، وانقضوا عليهم في بلداتهم ومستوطناتهم، واقتحموا قواعدهم ومقراتهم العسكرية ومعسكرات تدريب جنودهم ومستودعات أسلحتهم، وخاضوا معركةً على مساحةٍ من الأرض هي ضعف مساحة قطاع غزة، على طول خمسين كيلومتراً وعمق ثمانين، قتلت فيها مئات الجنود والضباط، وساقت العشرات منهم أسرى إلى قطاع غزة، وأظهرت للعدو أنه وجنوده أضعف ما يكونون عند المواجهة، وأجبن ما يظهرون عندما يتقابلون وجهاً لوجه، بعيداً عن الطائرات التي تساندهم، والجدران التي تحميهم، والدبابات التي تقويهم.

لم يستفق العدو الصهيوني من هول الصدمة، ولم يتمكن من امتصاص حجم الضربة، ووقف مذهولاً صامتاً عاجزاً عن فعل شيءٍ أمام المقاومة، فلجأ بعد ساعاتٍ طويلةٍ بعد المعركة الى  قصف أهداف مدنية سكنية وشعبية في القطاع، ودمرت حمم صواريخه مدارس ومساجد وبيوت وأسواق، في قصفٍ أعمى أهوج وحشي، نفذته طائرات هجومية وبوارج حربية، تساندها مدافع الميدان والدبابات التي أحاطت بالحدود الشرقية لقطاع غزة فيما يشبه السور الحديدي، وأحدث القصف المتواصل المجنون ليلاً ونهاراً دماراً كبيراً في أرجاء القطاع، وتسبب حتى الساعات الأولى من اليوم الخامس على انطلاق معركة "طوفان الأقصى"، في استشهاد أكثر من 1000 فلسطيني، وإصابة أكثر من 5500، وما زال القصف مستمراً، تدميراً للمباني ومسحاً لبعضها من الوجود، ونقباً للأرض وحرثاً للشوارع والطرقات.

لا يبدو أن العدو سيتوقف عن قصفه، أو سيتراجع عن غيه، فهو ما زال تحت هول الصدمة مشدوهاً ومذهولاً، فاقداً عقله وغير مدركٍ لما يجري حوله، بعد أن أفقده طوفان الأقصى رشده وسلبه وعيه، فغدا كالثور الهائج يبحث عن هدف، ويتطلع إلى كسب، مدفوعاً بمشاعر الحقد وغرائز الانتقام الأسود، مما يرجح أنه سيمضي قدماً في عملياته الوحشية التي بدأ بها، متسلحاً بالولايات المتحدة الأميركية التي تؤيده وتشجعه، وبدول أوروبا الغربية المريضة نفسياً التي تتفهمه وتبرر جريمته، ومستفيداً من صمت الدول العربية وعجزها، التي لا تمارس دورها وكأن ما يحدث في غزة لا يعنيها وليس من شأنها.

لكن العدو يخطئ كثيراً أنه بهذا القصف المجنون المؤيد بالصمت الدولي المخزي، والتأييد الأميركي المعيب، يستطيع أن يجبر الشعب الفلسطيني الذي ذاق مرارة الحروب السابقة، وعاش ويلاتها، واكتوى بنيرانها، وتعرض لما يتعرض له اليوم، وأن يدفعه الى الخضوع والخنوع، والتسليم والاستسلام، والتخلي عن المقاومة، فهذا حلمٌ بعيد المنال، وغايةٌ مستحيلةٌ لن يدركها، فالفلسطينيون قد عرفوا عزة المقاومة، وشرف القتال، وذاقوا حلاوة النصر وكرامة القوة. 


موقف روسيا الرسمي إزاء الحرب الإسرائيلية الوحشية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة مقبولٌ، وهو أفضل بكثير من مواقف العديد من الدول العربية والإسلامية، فقد دانت الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة واستنكرتها، واعتبرتها عدواناً صارخاً وتهديداً للسلم والأمن في المنطقة، وحذرت من اتساع نطاق الصراع وأنه سيؤدي إلى عواقب وخيمة على المنطقة كلها، ودعت الكيان الصهيوني إلى التوقف عن العدوان على قطاع غزة فوراً.

وكان موقفها قد جاء على لسان رئيسها فلاديمير بوتين، رغم همومها ومشاكلها، وأزماتها والتحديات التي تواجهها في حربها ضد أوكرانيا، فهي لا تحاربها وحدها فقط، وإن كانت المعارك تدور على أرضها وفي أجوائها، إلا أنها تقاتل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية وكندا واستراليا، الذين يمدون أوكرانيا بالمال والعتاد وبكل أنواع السلاح، ويساندونها في موقفها ضد روسيا.

لا يخفى على القيادة الروسية أن الفلسطينيين قد وقفوا إلى جانبها، وأيدوها في حربها ضد أوكرانيا، ولم يترددوا في الاصطفاف معها ومساندتها بالقدر الذي يستطيعون، فهم يعلمون أنها تقاتل الولايات المتحدة الأميركية ونحن ضدها، ونعتقد أنها سبب أزمتنا، والسند الرئيس للكيان الصهيوني الذي يقاتلنا بها، ويفتك بنا بسلاحها، ويستقوي علينا بقوتها.

ويعلم الرئيس الروسي أننا لم نكن مع القيادة الأوكرانية التي أعلنت قبل حربها ضدكم وأثناءها تأييدها للكيان الصهيوني ضدنا، وأنها تتفهم دواعي خوفه وحاجاته، وتشعر بالمخاطر التي يتعرض لها والتهديدات التي تواجهه من الفلسطينيين، وما علمت القيادة الأوكرانية أن فلسطين لنا ونحن أصحابها وأهلها، وأننا سكانها منذ كانت وسنبقى فيها إلى أن تزول الأرض والسماوات وما فيهما.

وربما استشعر الرئيس الروسي الخطر على الأمن القومي لبلاده نتيجة رسو المدمرات الأميريكية في شرق المتوسط، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن تحركها قبالة الشواطئ الفلسطينية، رغم أنها جاءت لدعم العدوان الإسرائيلي وتشجيعه على المزيد، ولإسناده وتزويده بالذخائر والمعدات، وتعويضه عن النقص وتلبية الحاجات، إلا أن الرئيس الروسي حذر من أن حاملات الطائرات الأميركية لم تأتِ إلى المنطقة لقصف المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، أو لقصف حزب الله في لبنان، بل جاءت لإرهاب وتخويف كل الأطراف الأخرى التي من الممكن أن تشترك في الحرب ضد الكيان الصهيوني.

ليعلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن انتصار المقاومة الفلسطينية انتصارٌ لبلاده، واستقرارٌ للمنطقة، وضمانة لمصالحه، وتأمينٌ لخطوط غازه، ونهاية للتفرد الأمييكي والهيمنة الغربية المتوحشة، وهو أيضاً نجاة له من المؤامرات الأميركية والغربية التي تآمرت عليه واجتمعت ضده، وهي تحصينٌ لمواقفه، وتحسين لظروفه وشروطه في حربه ضد أوكرانيا، ولعله يعلم أن الحكومة الإسرائيلية قد دعمت الحكومة الأوكرانية ضد بلاده، وزودتها بأسلحة فتاكة وصواريخ مدمرة وقنابل ذكية ومضادات ومسيرات ومعدات عسكرية كثيرة، وأنها ما زالت ترفدها بالخبراء والفنيين الذين يشاركون في وضع الخطط لإضعاف روسيا وإلحاق الهزيمة بها.

استناداً إلى ما سبق وبناءً عليه فإننا نحن الفلسطينيين في الوطن والشتات، وباسم أهلنا في قطاع غزة ندعوك وبلادك للوقوف معنا ومساندتنا، ونطلب منكم التدخل لحماية شعبنا ومنع إبادته بالآلة العسكرية الأميركية المدمرة، ولتكونوا شركاء معنا في هذا الانتصار، فنحن أقسمنا أن ننتصر، وها هي بشائر النصر تتراءى من قريبٍ لا من بعيدٍ، ولتعلم أن تدخلك شرف، ووقوفك إلى جانبنا رفعة لبلادك، وتمكينٌ لها في الشرق، وانتصارٌ لها ضد أميركا والغرب، فنحن وإياكم أهل الشرق الأصيل، وأصحاب الأرض وشركاء التاريخ، فعجل بقرارك، ولَوِّح بسلاحك، وهدد بقوتك واضرب بقبضتك، واستذكر مجد من سبقك.

لم تكن تصريحات وزيرة الخارجية الألمانية حول الحرب الوحشية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة مفاجئةً لنا، أو صادمةً لمشاعرنا، أو مخالفةً لتوقعاتنا، فألمانيا لم تتوقف منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم عن دعم الكيان الصهيوني، وتزويده بمختلف أنواع الأسلحة والمعدات، والطائرات والمسيرات، والغواصات والآليات، حتى أنها تزود الجيش الإسرائيلي بكلاب ضارية مفترسة مدربة، كتلك التي يستخدمها جنوده في ترويع الفلسطينيين والاعتداء عليهم، وتمزيق ملابس الفلسطينيات ونهش أجسادهن والإساءة إليهن، وقد وثقت وسائل الإعلام الأجنبية هذه المشاهد المخزية.

نعم ... لم تكن التصريحات الألمانية مفاجئةً لنا أبداً، إذ نعرف تاريخياً استخذاءها الدائم وضعفها المستمر أمام الكيان الصهيوني، الذي ما زال يستغلها ويستنزفها، ويلزمها بدفع تعويضاتٍ مرهقة للحكومة والمواطنين الألمان، تكفيراً عن "المحرقة" التي كان اليهود أنفسهم سبباً فيها، وشركاء في ارتكابها تمهيداً للهجرة إلى فلسطين والاستيطان فيها، وما زالت الحكومات الألمانية على اختلافها تخضع للابتزاز الإسرائيلي لا تقاومه ولا تدفعه، ولا تحاول البراءة من المسؤولية والتخلي عنها، ونجدها فضلاً عن التعويضات المالية التي تقدمها لهه بسخاء، تدافع عنه في الأروقة والهيئات الدولية، وتتفهم مواقفه وتجيز سياساته وتدعم قراراته.

لكننا كنا نظن أن لدى الحكومة الألمانية بعض الحس الإنساني، وقليل من الأدب واللباقة، والأخلاق واللياقة، فتتجنب الكلمات الخشنة والأوصاف السيئة، وتكون منصفةً في مواقفها، عادلةً في تقديراتها، ولا تشارك في الحرب الهمجية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني كله، إلا أنها بإعلانها التوقف عن مساعدة الفلسطينيين، وقطع الاتصال بهم والتعاون معهم حتى يقوموا بإعادة "الرهائن" الأسرى المحتجزين لديهم، وتتوقف مقاومتهم عن قصف المدن والبلدات والمستوطنات الإسرائيلية.

وأضافت الحكومة الألمانية ما يسيء إليها أكثر ويفضح سياستها ويعري عنصريتها، سماحها لجيش الاحتلال الإسرائيلي باستخدام مسيراٍتٍ ألمانيةٍ حربيةٍ متطورةٍ في العمليات الحربية التي يشنها على الفلسطينيين، واستعدادها تزويد الجيش الإسرائيلي بذخائر ومعدات خاصة بالسفن البحرية، وإعلان جاهزية بلادها الدائمة تزويده بما يلزمه خلال الأيام العصيبة التي يعيشها "شعب إسرائيل"، نتيجة "عدوان" حركة حماس عليها.

وفي الوقت نفسه قامت السلطات الألمانية بمنع الفلسطينيين والعرب والمسلمين المقيمين في ألمانيا من التظاهر تنديداً بالعدوان الإسرائيلي، واستنكاراً للصمت الدولي المعيب، وبدلاً من السماح لمواطنين ألمانٍ من أصولٍ فلسطينية وعربية وإسلامية، بالتعبير عن مشاعرهم الإنسانية والقومية، وهذا هو أبسط حقوقهم المكفولة بالقانون والدستور، قامت برفع الأعلام الإسرائيلية وأضاءت بها أكثر من مكانٍ ورمزٍ في الدولة الألمانية، وأظهرت مشاعرها التضامنية مع الإسرائيليين، متمنيةً لهم السلامة وعاجل الإفراج عن الرهائن المحتجزين.

يبدو أن الحكومة الألمانية التي لها العديد من المؤسسات العاملة في قطاع غزة، فضلاً عن سفارتها وقنصليتها في الأرض المحتلة، لا ترى ما يحدث من عدوانٍ إسرائيلي صارخٍ منافٍ لكل القيم والمعايير الدولية والإنسانية، ولا تسمع أن سلطات الاحتلال تحاصر الآن جواً وبراً وبحراً أكثر من مليوني فلسطيني، وتحرمهم من الغذاء والدواء والماء والكهرباء، في أبشع جريمة دولية ترتكبها باسم الدول الأوروبية المتحضرة، وبالسلاح الأميركي والأوروبي الشريك في العدوان، في أوضح مشهدٍ لمحرقة العصر المروعة التي يرتكبها مدَّعوا المظلومية.

إننا نحن العرب والفلسطينيين والمسلمين، نستنكر المواقف الألمانية، ونعتبرها شكلاً من أشكال العنصرية البغيضة والكراهية المنبوذة، ونتهمها بأنها تساند الاحتلال الإسرائيلي وتقف إلى جانبه، وأنها تؤيده في عدوانه علينا وتساعده أيضاً، فهي شريكة معه في هذا العدوان، وتتحمل كامل المسؤولية الأخلاقية والإنسانية والقانونية الدولية، ونطالبها بسرعة التراجع عن مواقفها، ومراجعة سياساتها المنحازة التي تشجع إسرائيل على استمرار جرائمها، مستفيدةً من الغطاء الدولي لها والصمت العربي عنها.

الأكثر قراءة

مفوضية اللاجئين لن تسلم «داتا» النازحين واجتماع في بكركي وتحركات شعبية الورقة الفرنسية كتبت «بالإنكليزية» وتجاهلت «الرئاسة» و14 ملاحظة لبنانية صواريخ بركان تلاحق غالانت وعمليات نوعية للمقاومة و30 غارة للطيران المعادي