اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

أصدر الكاتب عادل بشارة كتابه "سعادة في ذهن الغرب تحقيق في فنّ القوالب النمطيّة" عن (دار أبعاد، 2023، في 400 صفحة من القطع الوسط، مع مراجع عربية وإنكليزية، وفهرس أعلام وبرفعه إلى اعتدال صادق)، يردُّ الاعتبار إلى أنطون سعادة، مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي ومشرّع دستوره، ويضعه في مكانته اللائقة به على خارطة الفكر الحديث في بلاد الشّام، فيعقدُ د. بشارة فصولَ فصولَ كتابه على التشويه الذي تتعرّض له صورة سعادة في الغرب، إذ تمّ تحريف آراء سعادة أو بعضها من خلال الاقتباس الانتقائي أو الخاطىء في أدبيّات الغرب السياسية، ما عرّض آراء الزعيم لظلمٍ فادح.

يقرّ د. بشارة أنه على الرغم من تزوير أفكار سعادة في وطنه من قبل معارضيه – وهو أمرٌ بغيض بحدّ ذاته، إلّا أنّ ملاحظة التعريف الخادع، وحتى العنيف، لرسالته في الغرب وتحويلها إلى سلاح في وجه المعتقدات التي كان يحملها، لهي أكثر مأسوية.

يشير د. بشارة إلى أنه بعد سنوات من البحث والتدقيق تكوّن لديه الاعتقاد بأنّ معظم الغربيين لا يعرفون من هو سعادة، وقام فيهم من صوّره شخصيةً كاريكاتورية، فأصبح سعادة لديهم مجموعة اقتباسات مُبسترة، فإذا صورته وهمية وملفّقة، وتحريف لأفكاره واستنتاج تاريخي ضارٌ بكل ما يؤمن به سعادة، فيلحّ د. بشارة على أن سعادة كان زعيماً مقداماً ومحارباً بالوعي والمعرفة ضدّ الجهل والرجعيّة، وما ينتجُ منهما من ظلم وعبوديّة، فإضافة إلى النضال من أجل المساواة السياسية والاجتماعية، كان سعادة مقاتلاً قتالاً لا هوادة فيه ضدّ الأنانية واللانعزالية اللتين كانتا متفشيتين في بلاده، إلى أن المؤلّف يقرّ بأنّ الرسائل والأطروحات الأكاديمية التي تناولت سعادة وفكره منذ 1946 وحتّى اليوم حقّقتْ وظيفة مهمّة في سدّ بعض الفجوات المعرفية وصياغة أشكال جديدة ومُبتكرة، إذ رفع مؤلّفوها رؤيتهم المتعمّقة في قراءة فكر سعادة إلى مستوى أعلى على جدول البحث الفكري، وأطلقوا اهتماماً جديداً بمؤلّفات سعادة وتراثه.

يرى د. بشارة أنّ عوامل مختلفة ساهمت في خلق تصوّرات مسبقة ونمطيّة عن سعادة باعتباره نازيّاً أو فاشيّاً، ذلك أن التشديد على الانضباط والتنظيم عنده، وأسلوب قيادته الصارمة، واللقب الذي اتخذه لنفسه، الزعيم، ورمز الزوبعة الذي اتّخذه لحزبه، زوّدت صُنّاع الصُّور في الغرب مقارنته بهتلر وموسوليني، إضافة إلى تصوير سعادة نموذجاً للأورثوذكسيّة، أي ما يتعارض تماماً مع انفتاحه الفكري الراسخ وعلمانيّته المتّقدة. أمّا نعوت سعادة بأنّه نصير سورية الكبرى وعميل بريطاني وبرجوازي صغير ومعادٍ للساميّة فهي أوصاف سقطت وإلى الأبد في وجه حركيّة فكر سعادة المتوهّج على مدى تسعين عاماً منذ تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وتجذّره في نفسيّة أهالي بلاد الشام، في الوطن والمهجر.

يُفرد د. بشارة في كتابه تسعة ملاحق تحتلّ مئة صفحة منه، تتناول صفحات مضيئة لفكر سعادة أتى عليها الصحافي الإنكليزي نيڤيل بربور عام 1938 والباحث الأميركي ستيڤن ليروي هايلاند عام 2011 والأميركي آشر كوفمان عام 2009 والأميركية دلبلة كلارك عام 2018 والألماني إبال زيستر عام 2007 والأميركي روبن كريسويل عام 2012 والأميركي ألبيون روس عام 1949 والفلسطينية غادة هاشم تلحمي عام 2001 والإنجليزي غوتز نوردبروخ عام 2009، وهذه الملاحق التسعة شهادة ساطعة على تنوير فكر الزعيم وسعة أُفقه، نظرية وممارسة.

كتاب د. عادل بشارة إضاءة جديدة على فكر سعادته ومكانته في إرساء النهضة القومية الاجتماعية، ومساهمة أساسية مُضافة إلى مؤلفات د. بشارة بالعربية والإنكليزية عن سعادة وترجمته لمحاضرات سعادة العشر، وكتابيه الرجعيين بالإنكليزية عن فايز صايغ وإنعام رعد، فبُورِك عطاؤه.


الأكثر قراءة

ماذا يجري في سجن رومية؟ تصفيات إسلاميّة ــ إسلاميّة أم أحداث فرديّة وصدف؟ معراب في دار الفتوى والبياضة في الديمان... شخصيّة لبنانيّة على خط واشنطن وطهران