اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

موقف السعوديّة محوري في زيادة المعروض والسيطرة على الأسعار


دخلت المواجهات العسكرية بين الفلسطينيين والعدو الاسرائيلي أسبوعها الثاني من دون أي مؤشرات على احتمال التوصّل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار. الردّ “الإسرائيلي” العنيف الذي استهدف أبرياء عُزّل من أطفال ونساء ومُسنّين، أدّى إلى خسائر بشرية كبيرة بين الفلسطينيين، ودفع بالمجتمع الدولي (وحتى الغربي المناصر “لإسرائيل”) إلى الطلب من المسؤولين الإسرائيليين وقف المجازر ضد الفلسطينيين، وعدم التهجير القسري لأكثر من مليون غزّاوي من القطاع، وفك الحصار الكامل المفروض على قطاع غزّة لإدخال المساعدات الإنسانية للسكان، دون أن يكون هناك استجابة من قبل “إسرائيل”. هذه المأساة ستبقى في التاريخ إثباتًا على عجز المُجتمع الدولي عن وقف الكارثة الإنسانية المستمرة في غزّة.

على كلٍ، تُشكّل هذه المواجهة العسكرية الخطر الجيوسياسي الأكبر على أسواق النفط وأسواق الطاقة عامّة، منذ الاجتياح الروسي لاوكرانيا. وإذا كانت فلسطين لا تُنتج الطاقة، و إنتاج “إسرائيل” محدود نسبة إلى السوق العالمي، إلا أن المخاوف تبقى من أن يمتدّ الصراع إلى بلدان تُعتبر أساسية في إنتاج النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط. ففي حال أخذ الصراع العسكري منحًى سلبيًا وامتدّ ليشمل دولًا أخرى، هناك مخاوف جدّية من أن تكون التداعيات على المعروض كبيرة، مما سيسبّب ارتفاعًا في أسعار النفط عالميًا مع ما لذلك من تداعيات كارثية على الاقتصاد العالمي.

الولايات المتحدة الأميركية ، التي كانت قدّ هادنت إيران من خلال اتفاق تبادل الأسرى الحديث، والذي حمل شقًا سريًا بحسب وكالة “بلومبرغ”، ينصّ على غض نظر الولايات المُتحدة الأميركية عن صادرات إيران من النفط إلى الدول الآسيوية، بهدف لجم تداعيات الخفض الطوعي لكل من المملكة العربية السعودية وروسيا لإنتاجها والبالغ 1.3 مليون برميل يوميًا، قد تصبح ملزمة (أي الولايات المتحدة الأميركية) تشديد العقوبات من جديد، في حال ثبت اشتراك إيران في الصراع القائم (سواء كان مباشرة أو غير مباشرة). وهنا قد تكون ردّة الفعل الإيرانية عبر مضيق هرمز الذي يمرّ عبره 40% من النقل البحري للنفط في العالم.

أيضًا، قد يؤثرّ الصراع القائم في المسعى الذي تقوم به واشنطن بين المملكة العربية السعودية و “إسرائيل” بهدف إقامة علاقات ديبلوماسية بينهما وهو ما بدأت تظهر ملامحه، خصوصًا بعد لقاء وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلنكن بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي خرج من اللقاء ووجهه عابس. هذا يعني أن المملكة العربية السعودية غير راضية عن التصرف الإسرائيلي تجاه قطاع غزّة، وسيؤدي بالتالي إلى تقويض المسعى الأميركي بزيادة المملكة إنتاجها من النفط.

من ناحية أسعار النفط في الأسواق العالمية، قفز سعر البرميل أكثر من خمسة دولارات ليتجاوز 90 دولارًا لبرميل البرنت، و87 دولارًا لبرميل الخام الأميركي، مقارنة بسعر البرميل قبل هجوم حركة حماس على المستوطنات الإسرائيلية الأسبوع الماضي. وإذا كانت مخاوف المستثمرين خلال الأسبوع الذي سبق بدء العمليات العسكرية من تراجع الاقتصاد الكلي، بسبب خفض الإنتاج في كلٍ من روسيا والمملكة العربية السعودية قد أدّت (أي المخاوف) إلى خفض أسعار النفط في الأسواق، فإن المخاوف من أن يؤدّي النقص في المعروض قسريًا (وليس طوعيًا) له تداعيات كارثية على الاقتصاد العالمي.

ورجّح خبراء طاقة في الأسواق المالية أن الأساسيات ستظل المحرك الأكبر للأسعار في الأسواق حاليًا، إلا أن تداعيات الصراع قد تؤدّي إلى ارتفاع كبير في الأسعار، في حال تمّ تعطيل مضيق هرمز أهم منفذ بحري للنفط في العالم. وبالتالي أي تشديد للعقوبات على إيران من جانب الغرب، سيؤدّي حكمًا إلى تهديد إمدادات النفط الخام ويدفع أسعار الطاقة الى الارتفاع عالميًا ، خصوصًا في الولايات المتحدة الأميركية التي يحرص رئيسها على خفض أسعار المحروقات فيها قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل.

الجدير ذكره، أن صادرات إيران إقتربت من مستواياتها في العام 2018 ، وهو ما قد يُعقّد الاتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران حول التساهل في تطبيق العقوبات الأميركية على النفط الإيراني. وهنا تتضارب الآراء بين مَن يعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد تملك خيارات أخرى سوى تشديد العقوبات على إيران، خصوصًا إذا ثبت تورّطها في عملية حماس ضد النظام العبري، وبين مَن يرى أن الولايات المتحدة الأميركية لن تخاطر بضرب الإمدادات من النفط، خصوصًا أن التشديد يفرض أن تقوم دولة منتجة أخرى بتعويض النقص في السوق. وهنا يكمن هدف زيارة وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تشير المعطيات إلى عدم نجاح المحادثات حتى الساعة.

ماذا عن إنتاج المملكة العربية السعودية؟ مصادر مُّلعة قالت لصحيفة الـ “وول ستريت جورنال” الأسبوع الماضي ان المملكة العربية السعودية مستعدة لزيادة إنتاج النفط بدءًا من أوائل العام المقبل، مقابل صفقة دفاعية مع واشنطن، وفي الوقت نفسه التوصل إلى علاقات ديبلوماسية بين المملكة العربية السعودية و “إسرائيل”. إلا أن الأحداث الأخيرة دفعت بالمملكة غير الراضية عن التصرّف الإسرائيلي في قطاع غزّة، إلى تجميد المحادثات مع واشنطن، وهو ما يقفل المخرج الوحيد أمام الولايات المتحدة الأميركية.

إذًا الأمور متعلّقة بموقف المملكة العربية السعودية وموقفها من زيادة الإنتاج من عدمه، إذ ان زيادة الإنتاج تنقذ الاقتصاد العالمي من التدهور. في حين أن الإبقاء عليه كما هو، مع تطورات سلبية بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران سيرفع الأسعار إلى مستويات مئة دولار أقلّه للبرميل. إذا تجد الولايات المتحدة الأميركية نفسها بين خيارين: إما الاستمرار في سياسة التساهل في العقوبات على إيران، أو التوصّل إلى اتفاق مع المملكة العربية السعودية.

الأكثر قراءة

سيجورنيه يُحذر: من دون رئيس لا مكان للبنان على طاولة المفاوضات الورقة الفرنسيّة لـ«اليوم التالي» قيد الإعداد حماس تؤكد: لا اتفاق من دون وقف نهائي لإطلاق النار!