اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

بعد ايام على "عملية طوفان الاقصى" التي بدأتها حركة حماس من غزة، وجدت الحكومات العربية نفسها في مأزق. ارتفع دعم القضية الفلسطينية من جديد، تراجع اكيد في مسار اتفاقيات ابراهام للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي وتدمير لمسار وسياسة خارجية اعتمدها الرئيس الاميركي ترامب خلال فترة حكمه.

الاكيد ان الرئيس بايدن كان الاسرع في توظيف ما يحدث لاستكمال حصار رؤية الوطنيين الاميركيين وانصار ترامب بعد ان حاصره قضائياً واعلامياً وشعبياً.

امام هذا المشهد الذي يتحرك فيه اللاعبون الاقليميون لرسم خارطة جديدة للمنطقة بعد انتهاء مفاعيل اتفاقية سايكس بيكو، وهذه المشهدية بكسر الحواجز بين الساحات والدول، بدأتها طلائع الدولة الاسلامية في الشام والعراق، لتستكملها القوى الكردية التي تقاتل على اكثر من جبهة في سورية وتركيا والعراق وايران، فهل تختتمها حركة حماس برؤية وحدة ساحات تختلف عن الرؤية الايرانية او انها تستكمل الرؤية بساحات وبتقاطع وتوزيع ادوار ومصالح؟

اسئلة كثيرة وافكار عديدة تطرحها اشكالية " عملية طوفان الاقصى" والاهم ان المملكة الاردنية الهاشمية والتي ساهمت لفترة طويلة في استقرار الداخل الفلسطيني كما الاسرائيلي، نراها اليوم تتخوف من تغييرات ديموغرافية وهواجس سياسية قد تعيدنا بالذاكرة الى ما قبل مرحلة ايلول الاسود في العام 1970.

بين القضاء على حماس ومستقبل استقرار مصر

اما جمهورية مصر العربية فإن ما جرى خلال السنوات الماضية من استهدافات للجيش المصري واستهداف السياحة فيها والامن القومي المصري عبر تنظيمات ومسميات مختلفة واخرها "اجناد بيت المقدس" ليست الا مقدمات لما تقوم به "اسرائيل" اليوم من مخطط معد مسبقاً لتفكيك وحدة قطاع غزة وتخفيف التماس بين التجمعات السكانية الاكثر كثافة في العالم مع اكثر من 28 مستوطنة اصبحت بعد "عملية طوفان الاقصى" اكثر من ضروري تنفيذ الخطة الامنية بنقل اكثر من مليون فلسطيني باتجاه مستوطنة كانت تحتلها "اسرائيل" في شبه جزيرة سيناء مما يؤكد ان رد الفعل الاسرائيلي والحشد الغربي، ليس الا بدايات لعدوان ثلاثي جديد، كما جرى العام 1956 على مصر ، فإن مصر محاصرة بمشروع تفكيك وتفتيت من الجهات الاربع، في السودان الفوضى تستمر رغم عدم التغطية الاعلامية ووحدة ليبيا اصبحت مهددة والاستقرار فيها من المستحيل تحقيقه في السنوات العشر المقبلة، اما الشعب الفلسطيني فإنه يشهد اليوم ثاني اكبر ترانسفير سكاني يحصل بعد التهجير الاول في العام 1948.

مع استمرار الاشباكات الميدانية المتقطعة داخل غلاف غزة واستمرار القصف اليومي المتبادل وتوسعه لساعات وامام التأجيل الرابع لبدء "عملية برية " او حتى "مناورة برية"، تستمر الولايات المتحدة بنقل الذخائر والامدادات العسكرية المطلوبة لجيش الكيان حيث وصلت يوم الخميس الماضي الى اكثر من 1000 طن ذخائر وعتاد عسكري.

السعودية في هذا الواقع تعمل على تحقيق توازن والحفاظ على دورها القيادي في العالم العربي والاسلامي، بعد نجاح التقارب السعودي – الايراني برعاية صينية ورغم تعثر التفاوض السابق بين "اسرائيل" والسعودية لتطبيع العلاقات برعاية اميركية فإن اشكالية " العملية" في غزة تعطي مشروعية لمطالب المملكة السعودية بخصوص الحقوق الفلسطينية، وهذا ما اصبح شبه اكيد، بعد تقاطع مصالح نتنياهو الشخصية والرؤية الاميركية لبناء الشرق الاوسط الجديد بعد القضاء على الحالة المسلحة، وهذا ما دفع الاميركي الى تشكيل مجلس حرب في "اسرائيل" واعطى الاشارة بعودته للمنطقة من البوابة الاسرائيلية.

امام هذه المؤشرات، والواضح ان مسارها طويل ومعقد وربما سنشهد معارك جانبية لن تبلغ مرحلة الحرب الواسعة، فإن الاتجاه لقيام دولة فلسطينية تستكمل رؤية 2030 السعودية للتنمية والاعمار في المنطقة.

هذه رؤية حكومة الحرب في الكيان الاسرائيلي... استعدوا

"عملية طوفان الاقصى" بدأتها حركة حماس، لكن "اسرائيل" من سيوقفها، لكن متى؟

للاجابة عن هذا السؤال علينا فهم رؤية حكومة الحرب المصغرة في الكيان، وماذا تريد؟... ما هي الاهداف التي تسعى الى تحقيقها على المستويين العسكري والسياسي؟

مع تحليل التصريحات والمواقف للمؤثرين في صناعة القرار في الكيان نستنتج الاتي:

1- اسقاط حكم حركة حماس والقضاء على قدرتها الصاروخية اولا والانفاق ثانيا وثالثا قتل او اعتقال المسؤولين عن عملية طوفان الاقصى.

2- الوصول الى اماكن احتجاز الاسرى لتحريرهم ومنع حركة حماس من استخدام ورقة الاسرى للتبادل والضغط السياسي.

3- اخراج قطاع غزة من معادلة الردع التي تعتبر الركن الاول في رؤية وحدة الساحات وغرفة العمليات المشتركة والتي تشكلت بفعل المواجهات منذ العام 2009.

هذه الاهداف بقدر ما تحتاج الى امداد ولوجستية بقدر ما تحتاج الى وقت لتنفيذها، والاخطر في العملية تدحرج الصراع في غزة ليشمل تحريك جبهة الضفة الغربية التي تضم وفق المعلومات اكثر من 200 نقطة اشتباك يمكنها ارباك الجبهة الداخلية في الكيان.

والاخطر في الرؤية العسكرية والامنية الاسرائيلية تبقى جبهة جنوب لبنان، فقد تم حشد 3 فرق عسكرية اضافية ولتحقيق توازن في القوى، تحركت الديبلوماسية الاميركية فكانت زيارة وزير الخارجية الاميركي اليهودي في الايام الاولى والتي افتتحها بمشهدية زيارات لرؤساء حكومات ودول ، واعطت الاشارة للمتحالفين مع الرؤية الاميريكة كما للمعادين لها ان الحلف الاطلسي اصبح من جديد على الجبهة الجنوبية لمحور المقاومة... ووحدة الساحات له تبدأ من اوكرانيا الى ارمينيا ولن تتوقف في "اسرائيل".. فإين ستكون الخطوة التالية للحضور الاطلسي في اطار تطويق الانكفاء الروسي والصيني الحاصل.

غزة ترسم خرائط غرب اسيا المقبلة

في الخلاصة، الضوء الاخضر لتغيير سياسات وتوجهات كبرى اعطي، العملية الخاصة في اوكرانيا انطلقت كذلك في 22 شباط من العام 2022 لتتحول الى صراع دولي تنفق فيه مئات مليارات الدولارات وتستنزف ميزانيات حكومات ومقدرات شعوب.

اليوم في محور قطاع غزة، كم ستستغرق العملية المضادة وهل بدأت فعلا المرحلة الاولى منها؟ ام اننا وبعد اسبوعين من "عملية طوفان الاقصى" ما تزال الفرق العسكرية الاسرائيلية تستكمل انتشارها وتستعيد عافيتها والاهم معنوياتها، بينما المخابرات العسكرية ترمم جراحها وتقيّم فشلها وربما اختراقها بعملاء مزدوجين، كما معظم المؤسسات الحكومية الاسرائيلية... وهل تتجه "اسرائيل" الى حرب اهلية تفكك مكوناتها لترسم الربيع العبري المقبل؟

باحث في الشؤون الامنية