اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يعيش المسيحيون حاليا في لبنان، واحدة من ادق واصعب المراحل التي مرت عليهم. ففيما تشهد المنطقة مخاضا عسيرا يهدد بتغيير وجهها بالكامل، تجد القوى المسيحية الوقت مناسبا لمواصلة سياسة النكايات التي لطالما شكلت اساسا للعلاقة في ما بينها، ما ادى لاضمحلال الدور المسيحي في البلد، بالتوازي مع تسليم مواقع اساسية لطوائف اخرى على طبق من فضة، مواقع لا يمكن الحسم بأن تعود لهم، في ظل التغيرات الكبرى التي قد تنتج عن احتدام الصراع في المنطقة.

ولم يأت كلام  البطريرك بشارة الراعي مؤخرا ليدعم طرح التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون من عدم ، حيث وصف السعي لاسقاطه بالمعيب. فبحسب المعلومات فان بكركي مستاءة جدا من طريقة تعاطي رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل مع ملف العماد عون، باعتباره رأس حربة في مواجهته وفي السعي لمنع تمديد ولايته. وهي تعتبر ان عدم التمديد له من دون تعيين بديل، وبالتالي تسليم الموقع لرئيس اركان مثلا، سيعني التخلي عن آخر المواقع الاساسية في الدولة، بعد تسليم رئاسة الجمهورية للفراغ وحاكمية مصرف لبنان لشخصية شيعية.

وتقول مصادر معنية بالملف انه "صحيح ان مارونيا تسلم مؤخرا المديرية العامة للامن العام، لكن ذلك لا يعوض ولو قليلا الازمة التي يعيشها المسيحيون داخل المؤسسات.. فالوضع لم يعد مرتبطا بلبنان وبالقوى اللبنانية، بل بات متشعبا اقليميا ودوليا، في ظل ما يحصل في غزة وقرار حزب الله المشاركة فيه".  وتضيف المصادر "الحرب اليوم لا تزال محصورة، ولكن ماذا لو توسعت وشملت كل لبنان وكل المنطقة؟ مَن يضمن الا تأتي اي تسويات مقبلة ضد مصلحة المسيحيين، طالما اصلا المواقع التي هي لهم ليست معهم في المرحلة الراهنة، اي تشهد فراغا"؟

وتشدد المصادر على ان "الوضع اخطر بكثير مما يعتقده البعض، ويحتاج للكثير من الترفع عن المصالح الشخصية. فالاطاحة بالعماد عون اليوم، وبالتحديد من قبل باسيل نتيجة غايات سياسية ضيقة وباطار نكايات شخصية، سيجعله يتحمل مسؤولية اي تبعات غير محسوبة داخل المؤسسة العسكرية، كما على صعيد الدفع بالمسيحيين الى الهاوية".

وتعتبر المصادر انه "وان كان باسيل يتحمل مسؤولية كبيرة في هذا المجال، لذلك سارع للعب دور معين مؤخرا لتفادي انخراط لبنان كليا بحرب غزة، كذلك فان القوى المسيحية الاخرى تتحمل ايضا مسؤوليات، سواء لجهة اكتفائها ببيع المسيحيين مواقف وشعارات لم ترتق يوما بها لمستوى التنفيذ، او لجهة تسليمها في المرحلة الراهنة بالامر الواقع وبعدم قدرتها الى تغييره.. فاذا بها تصطف الى جانب الجماهير لمشاهدة العروض بدل المبادرة في اي اتجاه".

وكما بات معلوما غادر قسم كبير من المسيحيين البلد مع انفجار مرفأ بيروت، لا بل بالاصح غادر كل المسيحيين الذين كانت لديهم القدرة وبخاصة المادية على المغادرة.. واليوم ومع تدهور الاوضاع عسكريا واصل مَن تبقى منهم المغادرة، ما يجعل واقعهم الديموغرافي اكثر من خطير، وهو ما قد تتكىء عليه قوى في الداخل والخارج في اي تسوية مقبلة، تؤدي لتغييرات كبيرة كانت او صغيرة بالنظام القائم.

وبالرغم من اعتبار كثيرين ان مقاربة الموضوع من منظار طائفي لا يصح، باعتبار ان ما يعيشه المسيحيون في هذا البلد تعيش فيه كل الطوائف والمذاهب الاخرى، الا ان العامل الديموغرافي يبقى هو المؤثر من منطلق ان مغادرة اعداد كبيرة من الشيعة او السنة، والذي هو كذلك امر واقع نتيجة الازمات الشتى التي يعيشها البلد منذ العام 2019، ليس مؤثرا كما مغادرة المسيحيين الذين باتت اعدادهم محدودة جدا.

بالمحصلة، هي وقفة ضمير يجب ان يقفها القادة المسيحيون اليوم، فاما يتداركون أخطاءهم وخطورة المرحلة ويتلاقون للحد من الخسائر، او سيكتب التاريخ انهم قادوا المسيحيين الى الانكفاء والهجرة والمجهول.


الأكثر قراءة

ماذا يجري في سجن رومية؟ تصفيات إسلاميّة ــ إسلاميّة أم أحداث فرديّة وصدف؟ معراب في دار الفتوى والبياضة في الديمان... شخصيّة لبنانيّة على خط واشنطن وطهران