اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

 

الدكتور العميد علي عواد(*)

السادة ،

الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش

مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية السيد كريم خان

المفوض السامي لحقوق الانسان السيد فولكر تورك

رئيس مجلس حقوق الانسان السيد فاكلاك باليك

 

بعد التحية ،

التقيناكم في مؤتمرات وندوات دولية حول مواضيع الحوار والقانون الدولي الانساني في مواجهة الأزمات والنزاعات من أجل العدالة وبناء السلام.

أنتم تعلمون جيدا أننا تحدثنا في تلك النشاطات انطلاقا من خلفية علمية موضوعية محايدة مستقلة ، والآن نكتب لكم من الخلفية  ذاتها التي نحتاج اليها اليوم في سبيل تحقيق العدالة والسلام والأمن الدولي.

منذ بداية النزاع المسلح الاسرائيلي - الفلسطيني في 7 أكتوبر 2023 ورؤساء دول وحكومات العالم والمنظمات الإنسانية الدولية ومنظمات الأمم المتحدة والخبراء القانونيون يدعون إلى احترام القانون الدولي الإنساني. وبالتالي، نحيطكم علما بهذه المذكرة القانونية العلمية البيانية التي تحدد انتهاكات أحكام هذا القانون في العمليات العسكرية إبان النزاع بهدف تحقيق العدالة لجميع الأطراف من أجل السلام.

أولاً ـ  في إدارة العمليات:

"ليس للمتحاربين حق مطلق في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو".

تصدّرت هذه القاعدة مقدمة قواعد العمليات العدائية([1]). إن تقييد حق طرف النزاع في اختيار الوسائل العسكرية لتدمير العدو هو مبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي الإنساني. يتزاوج هذا التوصيف مع مبدأ التناسب ليشكلا تحديداً قانونيا للعمليات العسكرية.

في النزاع المسلح الاسرائيلي - الفلسطيني تم استخدام كافة وسائل التدمير المنهجي دون احترام مبدأ التناسب، المبدأ الأساسي في القانون الدولي الإنساني. ولقد تبيَّن من عمليات القصف الجوي والبحري والبري على أهدافٍ مدنية أن الوسائل العسكرية لم تحترم هذا المبدأ، وثبت أن تلك العمليات انتهكت حقوق الإنسان التي ضمنتها المواثيق والاتفاقيات الدولية.

قرأنا ورأينا في وسائل الاعلام والتواصل ان وسائل التدمير الهائلة دون أي قيود تؤكد استعمال القوة المفرطة الهادفة إلى تدمير البنى التحتية التي تحمل توصيف الأعيان المدنية.

1 ـ  قيود استخدام وسائل إلحاق الضرر بالعدو:

نص قانون النزاعات المسلحة على المحظورات التي تقيد حق طرف النزاع في استعمال وسائل ووسائط عسكرية للإضرار بالعدو. وشدد هذا القانون على منع تدمير ممتلكات العدو إلا إذا كانت ضرورات الحرب تقتضي حتماً هذا التدمير.

قرأنا ورأينا في وسائل الاعلام والتواصل انه تم تدمير ممتلكات خاصة وبنى تحتية عامة دون أي ضرورة عسكرية، ومبدأ الضرورة العسكرية هو ركن أساسي من أركان هذا القانون. فهل كان استهداف المنشآت المدنية متعمدا؟ وهل الهجمات كانت عشوائية وغير متكافئة وتمثل جرائم حرب؟

(*) الدكتور العميد علي عواد، رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والاعلام. أستاذ جامعي.عميد ركن سابق.

   -[email protected]   -www.icesi.org - fb: Geneva Declaration Dialogue 2015  -X: @DrAliAwwad11

 

لقد غابت صدقية التأكيدات بأن أضرار عمليات التدمير كانت جانبية أو عرضية لأن الكثير من الأهداف تقع في مناطق لا تتمتع بأي أهمية استراتيجية للمجهود الحربي ولم يتم استخدامها لأجله.

2 ـ  القصف والحصار والإبقاء على الحياة:

يحظر القانون الدولي الإنساني "قصف المدن والقرى والمساكن والمباني أياً كانت الوسيلة المستعملة. على القائد ألا يأمر بعدم إبقاء أحد على قيد الحياة، أو تهديد الخصم بذلك. أو إدارة العمليات على هذا الأساس"([2]).

قرأنا ورأينا في وسائل الاعلام والتواصل أنه تم قصف المساكن غير المستخدمة لأغراضٍ عسكرية قصفاً تدميرياً، كذلك قصف وتدمير مساجد ومستشفيات مع التهديد بعدم إبقاء السكان على قيد الحياة ولو وجدوا في أماكن سكنهم . كذلك تعمد استهداف المدارس وقوافل سيارات الاسعاف (آخرها في جنوب لبنان) وأعمال الإغاثة والانقاذ والمستشفيات ومواقع ووسائط الخدمات الطبية ومرافق الخدمات العامة كاحد الأهداف غير المشروعة للحرب . يجب التحقيق والتأكد من استخدام المدنيين كدروع بشرية أو استخدام المنشآت المدنية لأغراض المجهود الحربي من أجل المحاسبة والعقاب.

3 ـ  الحماية من آثار القتال:

خصص البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف للعام 1949 والصادر في العام 1977 والذي يعنى بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية إحدى وعشرين مادة من مواد الـ 102 لتأمين "الحماية العامة للفئات والمواقع المدنية من آثار القتال"،  وفرض على أطراف النزاع "التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية وتوجيه عملياتـها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها وذلك من أجل تأمين وحماية السـكان المدنيين والأعيان المدنية" .

قرأنا ورأينا في وسائل الاعلام والتواصل أنه تم تنفيذ غارات جوية وقامت القوات البحرية بعمليات حربية وأطلقت قطع المدفعية البعيدة المدى عدداً هائلاً من القذائف على مواقع محمية بموجب القانون الدولي الانساني. وقد دفع هذا الوضع الأمين العام للأمم المتحدة ومدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كما المنظمات القانونية والانسانية الدولية إلى التذكير بالالتزام القانوني في توخي احترام مبدأ التناسب في كافة العمليات العسكرية لتفادي إنزال الأضرار والتدمير الكامل بالسكان المدنيين .

4 ـ  المدنيون:

يتمتع المدنيون بحق الحماية القانونية الدولية العامة ضد الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية وفق التحديدات والقواعد الدولية الاتية:

- "لا يجوز أن يكون السكان المدنيون محلا للهجوم وتحظر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساساً إلى بث الذعر بين السكان المدنيين".

- "يتمتع الأشخاص المدنيون بالحماية ما لم يقوموا بدور مباشر في الأعمال العدائية".

   بالمقابل :  قرأنا ورأينا في وسائل الاعلام والتواصل أن السكان المدنيين في غزة كانوا محلاً لأعمال عنف ترمي إلى بث الذعر بينهم، وقرأنا كذلك أنه تم قتل عدد كبير من المدنيين كانوا في حفل موسيقي في احدى مناطق غلاف غزة رغم تمتعهم بالحماية القانونية كونهم لم يقوموا بدور مباشر في الأعمال العدائية. والذعر هذا دفع السكان الى النزوح إلى مناطق كانت هي أيضا مهدَّدة بأعمال العنف. يمكنكم التأكد مما اذا كان قد تم استخدام المدنيين في بعض الأماكن كدروع بشرية.

- الحماية القانونية للصحفيين : تنص ‏المــادة 79 من البروتوكول الاضافي الأول١٩٧٧ على أنه "يُعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصاً مدنيين ويجب حمايتهم شريطة ألا يقوموا بعمل حربي" ، ان استهداف الصحفيين وهم يحملون شارة الحماية PRESS  هو جريمة حرب ، خصوصاً بعد ثبوت عدم انطلاق أي "مجهود حربي" من بقعة سقوط القذيفة التي أصابت الصحفيين الضحايا. بلغ عدد الضحايا الصحفيين حتى 8 تشرين الثاني 2023 تسعة وأربعين صحفيا.

5 ـ  الهجمات العشوائية:

    "تحظر الهجمات العشوائية،  وتعتبر هجمات عشوائية :

- تلك التي لا توجه إلى هدف عسكري محدد (أغلبية الأهداف كانت غير عسكرية).

- "الهجوم قصفاً بالقنابل الذي يعالج عدداً من الأهداف العسكرية الواضحة التباعد والتمييز بعضها عن البعض الآخرعلى أنها هدف عسكري واحد" .  ولكن رأينا في وسائل الاعلام والتواصل أنه تم استهداف أحياء عديدة في غزة كأنها هدف عسكري واحد.

- "الهجوم الذي يمكن أن يتوقع منه أن يسبب خسارة في أرواح المدنيين أو أضراراً بالأعيان المدنية، أو أن يحدث خلطاً من هذه الخسائر والأضرار، يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة" .  ولكن قرأنا ورأينا أن مجازر المستشفيات والمربعات والمناطق السكنية والمساجد والكنائس هي تعبير صارخ عن الإفراط في هذا التجاوز.

يسقط الادعاء بأن دولة ما ترتكز في حربها على مبدأ حق الدفاع عن النفس المكرس بمضمون المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة اذا كانت الهجمات وأعمال القصف التي تقوم بها هائلة وتستهدف بشكل منظم المنشآت والبنى التحتية والمدنيين - خصوصا الأطفال والنساء - الذين لم يساهموا بالمجهود الحربي ، وخصوصا عند عدم الأخذ بعين الاعتبار مبدأ "التناسب"، وكذلك يسقط هذا الادعاء عند ثبوت عدم استخدام تلك المنشآت لأغراض عسكرية، وبالتالي يفرض مبدأ المحاسبة نفسه. ان ثلث ضحايا غزة هم من الأطفال، وآخر قصف قبل اعداد هذه المذكرة ذهب ضحيته ثلاثة أطفال وجدّتهم في جنوب لبنان.

6 ـ  هجمات الردع:

   "تحظر هجمات الردع ضد السكان المدنيين أو الأشخاص المدنيين" :

    قرأنا ورأينا في وسائل الاعلام والتواصل أن أغلبية الأعمال العدائية  كانت هجمات ردع ضد السكان المدنيين.

7 ـ  الأعيان المدنية:

الأعيان هي المنشآت المدنية والممتلكات الثقافية والمواد التي لا غنى عنها لاستمرار الحضارة وحياة وبقاء السكان المدنيين (آثار، أماكن عبادة، مكتبات عامة كبرى، ثروات فنية تراثية، تراث روحي، مناطق ومحاصيل زراعية، شبكات وسدود الري ومياه الشرب، ماشية الخ...).

   لقد كفل القانون الدولي الإنساني الحماية الدولية لهذه الأعيان وفق القواعد والتحديدات الاتية:

أ‌- الحماية العامة للأعيان:

"لا تكون الأعيان المدنية محلاً للهجوم أو لهجمات الردع" .

      قرأنا ورأينا في وسائل الاعلام والتواصل أن الأعيان المدنية كانت محلاً للقصف الجوي والبحري والبري، والجسور وخزانات المياه وأماكن العبادة والحقول الزراعية أيضا. وقرأنا أن التدمير الواسع لتلك الأعيان كان متعمداً. يمكن لأجهزة التحقيق لديكم أن تؤكد أو تنفي ذلك لدى الطرفين المتنازعين.

ب‌- مساهمة الأعيان في العمل العسكري:

      "تنحصر الأهداف العسكرية في ما يتعلق بالأعيان على تلك التي تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواء كان ذلك بطبيعتها أم بموقعها أم بغايتها أم باستخدامها، والتي يحقق تدميرها التام أم الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها في الظروف السائدة حينذاك ميزة عسكرية أكيدة".

     قرأنا أنه لم يثبت قط أن المقاتلين الفلسطينيين في غزة استخدموا أيا من الأعيان -التي استهدفتها إسرائيل- في العمل العسكري، ولكن اذا ثبت استخدامها لأغراض عسكرية يجب محاسبة المستخدم أيضا.

   ج- حماية الأعيان الثقافية وأماكن العبادة:

   يحظر القانون الدولي الانساني ودون الإخلال بأحكام اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في النزاع المسلح -14مايو 1954 (ا ل ح م ث 1954) وأحكام المواثيق الدولية الخاصة بالموضوع القيام بما يأتي:

- ارتكاب أي من الأعمال العدائية الموجهة ضد الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية أو أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب.

- استخدام مثل هذه الأعيان في دعم المجهود الحربي.

- اتخاذ مثل هذه الأعيان محلاً لهجمات الردع([3]).

      لم يثبت حتى اليوم  - 8 تشرين الثاني 2023 -  استخدام الأعيان الثقافية في دعم المجهود الحربي، ورغم ذلك أصيبت اصابات مباشرة. واذا ثبت هذا الاستخدام في عمليات عسكرية يجب المحاسبة.

د ـ  حماية البيئة الطبيعية ومنع هجمات الردع:

إبان القتال ، تفرض قواعد القانون الدولي الإنساني "حماية البيئة الطبيعية من الأضرار البالغة واسعة الانتشار وطويلة الأمد. تتضمن هذه الحماية حظر استخدام أساليب أو وسائل القتال التي يقصد بها أو يتوقع منها أن تسبب مثل هذه الأضرار بالبيئة الطبيعية ومن ثم تضر بصحة أو بقاء السكان.

كما تحظر هجمات الردع التي تشن ضد البيئة الطبيعية" ([4]).

   قرأنا ورأينا في وسائل الاعلام والتواصل أن استخدام القنابل الحارقة وقصف محطات المحروقات ومخازن النفط الخاصة باستهلاك السكان وحقول أشجار الزيتون سبب تلوث البيئة والأرض الزراعية([5]).

ثانياً ـ  في وسائل القتال:

"ليس لأطراف النزاع المتقاتلة حق مطلق في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو"([6]).

    عند اقتران هذا التحديد مع مبدأ التناسب الذي يقضي بتفادي ما لا تستلزمه الضرورة العسكرية من معاناة وضرر، نستنتج حينذاك مسؤولية القادة  في استخدام وسائل إلحاق خسائر أو أضرار  بالمدنيين والأعيان المدنية والفئات المحمية. إن مسؤولية هؤلاء القادة تتركز في التقييدات الآتية :

"إن حق أطراف أي نزاع مسلح في اختيار أساليب ووسائل القتل ليس حقاً لا تقيده قيود" :

قرأنا ورأينا في وسائل الاعلام والتواصل انه تم استخدام كل أساليب إثارة الذعر وترويع المدنيين وضرب البنى التحتية التي لا تساهم في العمل العسكري.

"يحظر استخدام الأسلحة ووسائل القتال التي من شأنها إحداث إصابات أو آلام لا مبرر لها" :

قرأنا أن أطنانا من المتفجرات والقنابل الزلزالية  والعنقودية والانشطارية والفوسفورية (تعادل قنبلتين نوويتين من حجم قنبلة هيروشيما وفق ما قرأنا في وسائل الاعلام) تم استخدامها الى جانب كمّ هائل من أسلحة التدمير المتطورة وبعضها تحظره الاتفاقيات الدولية ([7]).يمكنكم التحقق من صحة القراءات والأرقام.

ثالثاً ـ  العمليات العسكرية:

1 ـ  إحتياطات القائد أثناء القصف:

   يلتزم القائد قبل وخلال العملية العسكرية تحقيق الضبط اللازم للقتال واستخدام وسائل التدمير بوضع القيود على مرؤوسيه لجهة إحداث أضرار بالعدو.

   كما يبذل القائد العسكري جهداً في إدارة العملية العسكرية من اجل تفادي السكان المدنيين والأعيان المدنية وفق التحديدات والمعايير الاتية:

    11 ـ  قرار القصف :

      يجب على القائد العسكري الذي يخطط للقصف أو يتخذ قراراً بشأنه :

      111 ـ  أن يبذل ما في طاقته عملياً للتحقق من أن الأهداف المقرر مهاجمتها ليست  أشخاصاً مدنيين أو أعياناً مدنية وأنها غير مشمولة بحماية خاصة، ولكنها أهداف عسكرية([8])  ومن أنه غير محظور مهاجمتها.

   

قرأنا ورأينا في وسائل الاعلام والتواصل أنه تم الهجوم على أحياء آهلة بالسكان بهدف تدميرها.

112 ـ أن يتخذ جميع الاحتياطات المستطاعة عند تخير وسائل وأساليب الهجوم من اجل تجنب إحداث خسائر في أرواح المدنيين، أو إلحاق الإصابة بهم أو الأضرار بالأعيان المدنية وذلك بصفة عرضية، وحصر ذلك في أضيق نطاق .

قرأنا أنه لم يتم اتخاذ أي احتياطات، بل كان هناك تعمد لقصف المدنيين بحيث بلغ عدد ضحاياهم أضعاف عدد العسكريين المقاتلين بنسبة مرعبة لم تكن في أي حرب سابقة.

113- أن يتحقق من أن المنشآت الطبية تقع بمنأى عن الهجمات الحربية (مستند ب إ 1/ م8).

قرأنا ورأينا في وسائل الاعلام والتواصل التدمير الكامل المتعمد للمستشفيات.

إن النظرة إلى مضمون المادة الثالثة من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان بأن «لكلِّ فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه»، وإلى مضمون المادة الخامسة بأنه «يحرَّم تعريض أي إنسان للتعذيب أو للمعاملة الوحشية أو القاسية أو الحاطة من كرامته الإنسانية»، وإلى ما كرَّسته اتفاقية جنيف الرابعة 1949 المتعلقة بحماية المدنيين في زمن الحرب :  إن النظرة إلى كل ذلك تظهر انتهاك العمليات العسكرية حقوق الإنسان، لأنها استهدفت بشكل أساسي المواقع المدنية التي لم تساهم في المجهود الحربي.

    قرأنا أن بعض القادة العسكريين تعمدوا اختيار الهدف الذي يتوقع أن يسفر قصفه إحداث أكبر قدر من الأخطار على أرواح المدنيين والأعيان المدنية.

رابعاً -  في قرارات القائد للعمليات:

    "إن القرار الذي يتخذه القائد هو القرار الذي يسبب أقل قدر ممكن من الأضرار والأخطار والآلام التي لا مبرر لها على الفئات والمواقع المعنية" :

ولكن يستنتج مراقب هذا النزاع المسلح أن القائد العسكري لم يتقيّد بهذه القواعد، بل تعمد انتهاكها في أغلب الأحيان. وبالتالي، لم يعِرْ أهميةً لاتخاذ التدابير الفورية لتعديل مسار الأعمال العسكرية المدِّمرة.

 قرأنا عن انتهاكات حول قصف الكثيف والمركز على المدنيين ذهب ضحيته حتى اليوم  - 8 تشرين الثاني 2023 -  ما يفوق 12600 مدني خلال النزاع، وترهيب السكان وإنذارهم بمغادرة منازلهم، ومطاردة النازحين، وقصف أولئك الثابتين في أرضهم ومنع وصول الأغذية والأدوية إليهم لمزيد من التهجير القسري، كل هذه الانتهاكات من شأنها أن تثبت توافر نية الإبادة الجماعية بمفهوم أركان هذه الجريمة في نصوص ميثاق المحكمة الجنائية الدولية.

خامساً- في واجبات القادة ومسؤولياتهم:

     أ- التأكد من فهم المرؤوسين التزاماتهم: "يجب على أطراف النزاع أن يتطلبوا من القادة ـ كل حسب مستواه من المسؤولية ـ التأكد من أن أفراد القوات المسلحة، الذين يعملون تحت أمرتهم على بينة من التزاماتهم كما تنص عليها مواد اتفاقيات جنيف  1949 والبروتوكول الأول 1977 وذلك بغية منع وقمع الانتهاكات"  :

    هل طلبت قيادات أطراف النزاع من القادة العسكريين التزام تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني؟

    ب - إجراءات منع الخرق والمعاقبة: "يجب على أطراف النزاع أن يتطلبوا من كل قائد يكون على بينة من أن بعض مرؤوسيه أو أي أشخاص آخرين خاضعين لسلطته على وشك أن يقترفوا أو اقترفوا انتهاكات لاتفاقيات جنيف أو البروتوكول الإضافي الأول، أن يطبق الإجراءات اللازمة ليمنع هذا الخرق، وأن يتخذ إجراءات تأديبية أو جنائية ضد مرتكبي هذه الانتهاكات([9])" :

استمر النزاع المسلح شهرا كاملا وما يزال ، هل اتخذ أي مسؤول حكومي سياسي أو أي قائد عسكري الإجراءات اللازمة لمنع الخروقات الهائلة المتراكمة؟ هل تم اتخاذ اجراءات تأديبية حيال المرتكبين؟

 كان القانون الدولي الإنساني - على مدى شهر كامل -  حبرا على ورق في ظل عجز دولي واضح، ومن واجبكم اليوم ترجمة هذا الحبر العلمي الانساني الى واقع السلام والأمن الدولي، والا هو الى زوال.

ج- إجراءات قمع الانتهاك والتقصير:

يفرض القانون الدولي الإنساني على الأطراف المتعاقدة وأطراف النزاع المسلح قمع الإنتهاكات الجسيمة لاتفاقيـات جنيف (1949) وبرتوكولها الإضافي (1977) التي تعتبر جرائم الحرب([10]).  كما على تلك الأطراف العمل على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع كافة الانتهاكات الأخرى التي تنجم عن التقصير في أداء عمل ٍ واجب الأداء وفق مضمون القانون([11]).

لم نقرأ أو نسمع في أي وسيلة اعلامية أنه تم اتخاذ أي إجراء من هذا القبيل خلال شهر من القتال رغم نداءات أمين عام الأمم المتحدة ومدعي عام المحكمة الجنائية الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر وقادة العالم والمنظمات الإنسانية، ورغم نداءاتنا ومواقفنا العلمية المحايدة نحن الخبراء الاعلاميين والقانونيين.

د- مسؤولية الرئيس (المدني أو القائد العسكري) الجنائية أو التأديبية:

 يعفي قيام أي مرؤوس بانتهاك اتفاقيات جنيف أو البروتوكول الإضافي الأول رؤساءه من المسؤولية الجنائية أو التأديبية. حسب الأحوال، إذا علموا أو كانت لديهم معلومات تتيح لهم في تلك الظروف، أن يخلصوا إلى أنه كان يرتكب، أو أنه في سبيله لارتكاب مثل هذا الانتهاك، ولم يتخذوا كل ما في وسعهم من اجراءات مستطاعة لمنع أو قمع هذا الانتهاك([12]).

إن تكرار الانتهاكات على مدى شهر كامل دون إجراءات منعها  أو قمعها  يؤكد مسؤولية الرئيس المدني السياسي إلى جانب مسؤولية القائد العسكري في ارتكاب المخالفات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني.

بالمقارنة قرأنا وسمعنا ورأينا: كان هناك «القتل ـ الإبادة» العمد، والمعاملة اللاإنسانية، وتعمد إحداث الآلام بالأطفال، وتدمير منهجي لمواقع مدنية، وتهجير قسري للسكان.

        السادة المحترمون،

   

      * يكون اثر النزاعات المسلحة في العالم أكثر خطورة عند انتهاك القانون الدولي الإنساني. ان تفاقم ظواهر العنف المفرط في العالم يفرض على المجتمع الدولي أن يبذل جهوداً تضمن ما يأتي :

             أ- تطبيق القانون من قبل الرئيس المدني أو القائد العسكري وفق مضمون المادة 87 من البروتوكول الإضافي الاول 1977 لاتفاقيات جنيف 1949.

             ب- احترام حقوق الإنسان .  

             ج- كشف الانتهاكات وتحقيق العدالة الجنائية الدولية.

             د- ردع مرتكبي جرائم الحرب وضد الانسانية والابادة الجماعية -لدى الطرفين المتنازعين- وفق اختصاصات مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية التي نشأت من أجل الحفاظ على الامن والسلم الدوليين. يجب عدم الافلات من القصاص.

    * ان بقاء مرتكبي انتهاكات القانون الدولي الانساني دون مساءلة وعقاب هو أمر غير أخلاقي بل مخزٍ ومدمر، وعلى المجتمع الدولي أن يواجه هذا الأمر بمحاكمات عادلة. ونؤكد لكم أنه لن ننجح في وضع حد للعنف ولظاهرة الافلات من القصاص وصولا الى السلام الانساني إلا في تطبيق ثلاث :

    1- العدالة الجنائية الدولية  

    2- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ١٩٤٨

    3- إعلان جنيف الدولي لثقافة الحوار الانساني 2015

    * بعيداً عن السياسة وأجنداتها المتصارعة نقول لكم بصورة علمية قانونية موضوعية محايدة في "مذكرة العدالة" ان هذه الانتهاكات - غير المسبوقة في التاريخ - هي أفظع من انتهاكٍ جسيم للقانون الدولي الإنساني ؛ وسيكون لها تداعيات مدمّرة على الأمن والسلم الدوليين اذا بقيت دون محاسبة ، اذ إن "حتى الحرب لها حدود"  كما كتبنا وقلنا لكل العالم منذ عقود.

   

  * ان القانون الدولي الانساني هو أهم عولمة إنسانية بعد الأديان السماوية، هو روحٌ قبل أن يكون مضموناً مادياً قضائيا جنائيا دوليا ، إن عدم محاسبة المرتكبين ستسقط هذه الروح في العالم كله وليس في فلسطين أو جنوب لبنان فقط، عندئذ تكمن الخطورة بأن العالم سيسير إلى دمار إنساني شامل.  190 دولة وقّعت على الاتفاقيات والبروتوكولات المكونة للقانون الدولي الانساني، فإذا لم تتم المحاكمة والمحاسبة نؤكد لكم أننا - نحن وكثيرين من الخبراء - سنقوم باهمال مؤلّفاتنا حول هذا القانون وتعليق تدريسه في الجامعات والمعاهد العسكرية والأمنية،لأن العنف المفرط سيعمّ النزاعات الدولية المقبلة وستسير الانسانية الى انهيار شامل.

      في الخلاصة:

إن كل تلك المخالفات الجسيمة كانت موضع إدانة من قبل المجتمع الدولي ومنظماته الانسانية. ان استهداف الفئات المحمية بصورة متعمدة ينتهك قواعد القانون الدولي الإنساني في جرائم يعاقب عليها القانون الدولي الجزائي. لكن كان هذا القانون بقي حبراً على ورق تحت عيون الشرعية الدولية.

نحن نعتقد أن الأجهزة الادارية في مؤسساتكم : الأمم المتحدة ، المحكمة الجنائية الدولية ، المفوضية السامية لحقوق الانسان، مجلس حقوق الانسان ، قد قامت بجمع الأدلة والمضامين الاعلامية والتسجيلات التصويرية الضرورية وما شابهها خلال هذا النزاع - وهذا واجبها وفق الأصول - والتي ستشكل اخبارات قانونية طبيعية لبدء المحاكمة والمحاسبة والقصاص والردع لدى الطرفين المتنازعين، وعلى القاضي أن يكون عادلا يكيل بمكيال واحد لدى أطراف النزاع الأساسية أو المساندة.

      واذ نرفع "مذكرة العدالة" اليكم ، مذكرة علمية حقوقية موضوعية مستقلة محايدة تتوخى العدالة لجميع أطراف النزاع دون استثناء من أجل السلام :

أ-  نطالب بإحقاق العدالة الدولية مما سيثبت أنها ليست رهينة المصالح والكيل بمكيالين ، وخصوصا" أن الجدل الكبير اليوم يحتدم حول جدوى القانون الدولي وأبرز آلياته أجهزة الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ، وحول مدى عدالة النظام القانوني العالمي لمصلحة تطبيق العدالة الجنائية الدولية وحماية حقوق الإنسان، مع ما يحمله ذلك من ضرورة معالجة التحديات حول مدى توافر الضمانات اللازمة لاستقلالية الأجهزة القضائية الدولية وحيادها وبعدها عن التأثيرات والتسييس .

ب- أنظروا الى video  لطفل جريح يرتجف جسده من رأسه حتى قدميه والغبار الأسود يغطي جراحه، فاذا دمعت عيونكم نقترح تنفيذ "مذكرة العدالة"، واذا لم تدمع نأمل ايداعها أمانة السر وتعميمها على الرأي العام.

      مع التأكيد والتكرار مجددا على ما قلناه وسمعتموه منا في المؤتمرات والندوات الدولية :

      ليس من رؤية هادفة دون فكر انساني مستنير، واذا أردتم أن تنجح مؤسساتكم في عملها وتحقق أهدافها وألا نرى ضعفها اليوم موتا نهائيا ، نقترح أن تكون رؤيتكم الاستراتيجية مبنية على ثلاث :

1- العنف هو الملجأ الوحيد للعقل القاصر، والعقول دون ثقافة حوار تبقى قاصرة وملجأها العنف الظالم : لذلك يجب تطبيق "اعلان جنيف الدولي لثقافة الحوار الانساني 2015" ،  فالسلام يبدأ من العقول ، وفي العقول فقط يبدأ السلام .

2- العدالة هي طريق السلام، وفي العدالة فقط يبدأ السلام : يجب تطبيق ميثاق الأمم المتحدة قبل احتضاره، وتطبيق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قبل موته.

3- العالم يسير نحو دمار انساني شامل، يجب تطبيق القانون الدولي الانساني قبل أن يتم استبداله بقوة العنف المفرط.

الدكتور العميد (م) علي نجيب عواد

رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والاعلام - بيروت

ملحق مصطلحات القانون الدولي الإنساني

-------------

إ ج 1= إتفاقية جنيف الأولى للعام 1949 لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان.

إ ج 2= إتفاقية جنيف الثانية للعام 1949 لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار.

إ ج 3= إتفاقية جنيف الثالثة للعام 1949 بشأن معاملة أسرى الحرب.

إ ج 4= إتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب.

ب إ1= البروتوكول الإضافي الأول إلى اتفاقيات جنيف للعام 1949 المتعلقة بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية (1977).

ب إ2= البروتوكول الإضافي الثاني إلى اتفاقيات جنيف للعام 1949 المتعلقة بحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية (1977).

ا ل ح م ث 1954 : اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح 1954

ل-4-ل= اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية (لاهاي 1907).

نهاية المذكرة-8 صفحات

وضعها :

(*) الدكتور العميد علي عواد، رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والاعلام. أستاذ جامعي.عميد ركن سابق.

-www.icesri.org  -[email protected]   -fb: Geneva Declaration Dialogue 2015    -X: @DrAliAwwad11

______



(1) مستند ل- 4- ل/ م22 .

([2]) مستند ب إ 1/ م 40.

([3]) مستند ب إ 1/م 53.

(2)  مستند ب إ 1/م55.

(3) التلوث الهوائي نتيجة احتراق المادة النفطية، والتلوث الزراعي.

(4)  مستند ل ـ 4 ـ ل/م22 (مبدأ التقييد أو التحديدات).

([7])  مستند ب إ 1/م 35.

(6) مستند ب إ 1/ م 52/ (الفقرة الثانية).

([9]) مستند ب إ 1/ م87.

(1) مستند ب إ 1/ م85.

(2) مستند ب إ 1/ م86

(3) مستند ب إ 1/ م86

الأكثر قراءة

ماذا يجري في سجن رومية؟ تصفيات إسلاميّة ــ إسلاميّة أم أحداث فرديّة وصدف؟ معراب في دار الفتوى والبياضة في الديمان... شخصيّة لبنانيّة على خط واشنطن وطهران