اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

كتبت راوية المصري عبر حسابها: 

“إن الغنى لا يكفي للسعادة، وإن الفقر لا يمنع من الطموح”، بهذه الكلمات كان يبدأ الجار الحكيم حديثه مع والدي حسان، الذي كان يعيش في معاناة دائمة رغم كل ما يملكه من ثروة .

فحسان كان ابنهما الوحيد، وكانوا يحبونه بجنون، وكانوا يريدون أن يجعلوه خليفتهم في تسيير متجرهم الضخم، الذي يضم كل ما تحلم به العيون من سلع وبضائع. ولكن حسان كان لا يشاركهم هذا الحلم، بل كان يشعر بالملل والضجر من حياته الرتيبة، والتي لا تقدم له شيئًا سوى المال والرفاهية. وكان يتمنى أن يكون له هدف وغاية في الحياة، وأن يكون له عمل يحبه ويفخر به، وأن يكون له راتب يستحقه بجهده وعرقه، وليس بمجرد كونه ابن صاحب المتجر.

ولهذا كان كل صباح يحدث نفس المشهد المؤلم، حيث تحاول والدته أن توقظه من نومه العميق، وتطلب منه أن ينهض ويذهب مع والده إلى المتجر، ولكنه يرد عليها بالعصيان والعناد، ويقول لها أنه لا يريد أن يعمل في متجر مجانا...

، ولا يريد أن يكمل تعليمه في مدرسة لا تعنيه. وتسمع الجيران صوت صراخهما وخلافهما، ويتعاطفون معهما، ويحزنون على حال حسان، الذي يضيع عمره في اللهو واللعب، ولا يستغل فرصته في الاستفادة من ما أعطاه الله من نعمة .

وكان أحد الجيران، الذي كان يعرف حسان جيدًا، ويحبه كابن له، يحاول أن ينصح والديه بطريقة حكيمة ورزينة، ويقول لهما: “لماذا لا تجربون أن تعاملوا حسان كموظف في متجركم، وتحددوا له ساعات العمل والراحة، وتعطوه راتبًا شهريًا يشجعه على العمل والجد؟”

فكان والد حسان ينفجر غضبًا، ويقول: “كيف أدفع لابني راتبًا، وهو سيمتلك كل شيء بعد وفاتي؟ أليس هذا تبذيرًا وإسرافًا؟”

فكان الجار الحكيم يرد عليه بهدوء وصبر، ويقول: “لا تنظر إلى الراتب كمال، بل انظر إليه كوسيلة لتحقيق غاية، وهي أن تجعل ابنك يشعر بالقيمة والمسؤولية، وأن تعلمه أن العمل شرف وفضيلة، وأن الحياة لا تقف عند المال والمتعة. وليس هذا تجربة جديدة، بل هو ما فعله كثير من الأثرياء والملوك مع أبنائهم، فجعلوهم يتعلمون الحرف والصناعات، ويشاركون في الأعمال الخيرية والاجتماعية، ويتعرفون على حياة الناس ومشاكلهم، ويتذوقون مرارة الفقر وحلاوة العطاء. وهذا ما جعلهم ينمون بشكل سليم ومتوازن، ويصبحون قادة ومؤثرين في مجتمعاتهم”.

ولكن والد حسان لم يقتنع بكلام الجار ، بل كان يصر على رأيه، ويعتقد أنه يفعل الخير لابنه. وفي أحد الأيام، عندما علم أن حسان قد تقدم للعمل في أحد المحال الصغيرة براتب زهيد، لم يستطع أن يتحمل الصدمة، واندفع إلى غرفته، ووجه له عتابًا شديدًا، وقال: “أنا ماذا نقصت عليك؟

أليس لك سيارة فخمة وحساب بنكي وكل شيء تحت أمرك؟

ما الذي دفعك إلى الذل والهوان، والبحث عن عمل براتب يسير عند الغرباء؟”

فنظر إليه حسان بعينين دامعتين، وقال: "أنا أحبك جدًا يا أبي، وأقدر كل ما تفعله من أجلي، وأعرف أن كل شيء سيكون ملكي بعد عمر طويل، ولكن هذا لا يكفيني، فأنا أريد أن أعيش حياتي بنفسي، وأن أكون لي شخصية وهوية، وأن أكون لي عمل أحبه وأتقنه، وأن أكون لي راتب أستحقه بمجهودي وإبداعي، وليس بمجرد كوني ابنك. فأنا أحسد العمال الذين يعملون من الفجر إلى الغروب، ويأخذون أجرهم بيد

ويفرحون به، وينفقون منه على أنفسهم وعائلاتهم. فهؤلاء هم الذين يعرفون قيمة الحياة، ويحترمون عملهم، ويتمتعون بالاستقلالية والكرامة. وأنا أريد أن أكون مثلهم، وليس مثلك يا أبي، الذي تعيش في عالمك الخاص، وتظن أن المال هو كل شيء، وتنسى أن هناك أشياء أهم وأجمل من المال".

فسكت الأب، ولم يجد ما يقوله، وخرج من الغرفة وهو محتار ومضطرب. وبقي حسان في غرفته، وهو ينظر إلى السماء من نافذته، ويتمنى أن يجد طريقه في هذه الحياة، وأن يحقق أحلامه، وأن يرضي والديه. وكان يسأل نفسه: “هل أنا مخطئ في ما أريده؟ هل أنا جاحد لنعمة الله علي؟ هل أنا عاق لوالدي؟ أم أنني محق في مطالبتي بحقي في العيش كما أشاء؟”

وهكذا كانت حياة حسان، مليئة بالتساؤلات والتحديات والصراعات، ولم يجد من يفهمه أو يساعده، إلا الجار الحكيم، الذي كان يزوره بين الحين والآخر، ويحاوره بلطف ، وينصحه بعقل وحكمة، ويشجعه على العمل والتعلم والتطور.

لكم التعليق؟؟؟؟

الكلمات الدالة

الأكثر قراءة

بطة عرجاء لتسوية عرجاء