اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

ليس أمرا جديد أن يتآمر العرب على فلسطين، وليست المرة الأولى التي يتفرج فيها العرب على المجازر التي تُرتكب بحق الفلسطينيين، فتاريخهم حافل بخِذلاننا وذاكرتنا ذاكرة سمك.

لن أعود الى أصل الحكاية التي بدأت مع الملك فيصل الذي كان يفتش عن مُلك بمملكة يأتيه على صينية من ذهب من بريطانيا العُظمى، وليس مهما ان تكون فلسطين ضمن هذه المملكة أولا تكون، وليس مهما بالنسبة اليه لمن ستكون فلسطين، مع العلم أنه مضطلع على وعد بلفور وعلى سايكس بيكو وعلى مجريات مؤتمر بال.

ولكن ما لفت نظري هو حديث الدكتور محمد علي الفرا لبرنامج عين على القدس في التلفزيون الأردني الذي قال فيه: أن جيش الإنقاذ طلب من المقاتلين الفلسطينيين تسليم أسلحتهم لمغافر جيش الإنقاذ، وببراءة المؤمنين سلّم قسم كبير من المقاتلين سلاحهم الى جيش الإنقاذ وأصبحوا دون سلاح.

خاض العرب الحرب وانهزموا وأطلقوا على المعركة اسم النكبة وصار لليهود الصهاينة في فلسطين دولة معترف بها من الأمم المتحدة.

ويومها صدق أنطون سعادة عندما اعتبر أن مهمة جيش الإنقاذ تسليم فلسطين لليهود الصهاينة.

ولم تكن بريئة دعاية ان الفلسطينيين باعوا أرضهم التي انتشرت في أنحاء سوريه والعالم العربي، والتي لم يحاول أحد من الحكام العرب تصحيحها وإعلان حقيقة ما حصل بغاية واضحة هي تشريع الوجود اليهودي في فلسطين.

لم ننتصر في كل الحروب التي خاضتها الامة بالاشتراك مع الأنطمة العربية ولم تنجح المشاريع التي صاغتها الدول العربية وبشمسية أقليمية ودولية مع العدو من إحراز نصر على العدو بل جميعها كانت تصب في مصلحة الكيان الغاصب من كامب دايفيد الى وادي عربة مرورا بأوسلو ومدريد.

لسنا بحاجة لنذكر مفاعيل هذه الاتفاقات فما يحدث في غزة اليوم هو دليل قوي على نتائجها.

كسرت اتفاقية كامب دايفيد حاجز العداء بيننا وبين المحتلين، ومهدت لنشوء خيوط علاقات تحت الطاولة وفوقها، بعضها انكشف وبعضها بقي تحت الطاولة، وقد تطورت هذه العلاقة من التطبيع الفردي الذي بدأ مع أصحاب رؤوس الأموال من حكام العرب وغيرهم الى التطبيع بين الأنظمة العربية ودولة العدو وأصبحت علاقة الدول المطبعة مع العدو أقوى من علاقاتها مع بعضها، فعلاقة قطر مع دولة "إسرائيل" أقوى من علاقاتها مع السعودية وأصبحت دمشق هي عدو حقيقي لجميع العرب دون استثناء، وأصبح هاجسهم تحقيق مصلحة العدو المتماهية مع مصلحة الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

ان عروبة الجامعة العربية ليست عروبة العرب، بل هي عروبة الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية وأكدت اليوم أنها عروبة عبرية، وهي العروبة المزيفة التي كتب عنها أنطون سعادة.

لقد حاول العرب والعالم كله إلباس القضية الفلسطينية ثيابا عديدة سعيا منهم لإبعادها عن ثوبها الحقيقي الذي يجعلها قضية من قضايا الأمة السورية، ونجحوا في انفلاشها لتكون قضية العرب التي تفتح لهم شبكة علاقات مع دول المنطقة ودول العالم، وراق لهم كثيرا التعامل معهم على أساس انهم من يقرر بمصيرها، وفي تقلّصها لتصبح قضية الفلسطينيين فقط وأسيرة طموح أصحاب النزعة الفردية، لذلك ساهموا مساهمة غير مباركة في إطلاق مفهوم القرار الفلسطيني المستقل، وأوكلوا مهمة تحقيق هذا الهدف لياسر عرفات وأمنوا له كل متطلبات انشاء حركة التحرر الوطني الفلسطيني"فتح "ومن ثم أمنوا الدعم اللازم لانشاء منظمة التحرير الفلسطينية وبدأوا يتعاملون معها على انها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني علنا، ويملون على ياسر عرفات ما يريدون علنا أحيانا وسرا أحيانا أخرى، وقادت فكرة ان المنظمة هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني الى اتفاقيات مدريد وأوسلو وقيام السلطة الفلسطينية التي كانت عبارة عن إدارة تديرها دولة العدو سياسيا وماليا وإداريا وهي لا تملك من السلطة سوى الاسم، وبذلك استطاعت دولة العدو حرف مسار الانتفاضات المهدِّدة بخراب الكيان الى القبول بقيام السلطة الفلسطينية.

لم تختلف الكيانية الفلسطينية عن الكيانية في جميع كيانات الأمة السورية، بحيث غلّبت هذه الكيانات مصالح الأنطمة على مصالحها، فأسست لتناقض غير شرعي وغير مبرر فيما بينها جعلها طريدة يريد اصطيادها الجار القريب قبل العدو البعيد، جعلها كيانات ضعيقة غنية وفقيرة، غنية بموارها الطبيعية فقيرة بالإدارة الوطنية والقومية مما جعلها تحت سيطرة القوى الغربية، ولم تكن الكيانية الفلسطينية خارج هذه الصفقة التي أبرمها العرب مع الغرب.

الملفت للنظر هو ان الكيانية قامت على الطائفية، فكل كيان يقوم على خصائص طائفية معينة من لبنان الذي يقوم على تقاسم السلطة والمصالح بين الطوائف الى دمشق وبغداد اللتين لعبت بهما فكرة حكم الأقلية، الى الأردن المحكوم من ملكية تقوم على أساس طائفي يعود الى قريش والرسول، الى فلسطين التي بدأت حركة تحريرها بشعارات وأفكار وطنية وقومية وانقبضت بعد سيطرة عرفات وانتهى الامر لتكون أسيرة حركة حماس الجناح العسكري لتنظيم الإخوان المسلمين الذي يضم تركيا التي زودت العدو بكل ما يحتاجه حتى وصلت بواخر الدعم الى أكثر من 400 باخرة، بينما لم تدعم المقاومة سوى بالكلام، وقطر الدولة التي تستضيف قيادات حماس السياسية والتي تقيم افضل العلاقات مع دولة العدو ولم تأخذ خطوة دعم واحدة للمقاومة، وأدانت طوفان الأقصى وهي تساوي بين دولة العدو والمقاومة.

ليس مستغربا موقف العرب من مصر الى السعودية والإمارات العربية وتونس والمغرب وغيرهم من حرب الإبادة على غزة، فهم لا يريدون مقاومة تهزم العدو، لا بل لا يريدون مقاومة تهدد اليهود الصهاينة يريدون نموذج السلطة الخاضعة لإدارة الدولة الصهيونية اليهودية، ولا يريدون رجالا أمثال السِنوار والضيف بل يريدون رجالا أمثال محمود عباس وسلام فياض وعزمي بشارة ومحمد دحلان.

لا بد لنا من التمييز بين إرادة شعبنا المتولدة من علاقته مع الأرض ودورة الحياة الواحدة الشاملة جميع الكيانات السورية التي تتمظهر بالبطولة المؤيدة بصحة الانتماء الى الوطن والأمة ومشاريع التنظيمات والأحزاب السياسية.

نحن لا ننكأ الجراح، ولا نحاول التشويش على صمود المقاومة بوجه حرب عالمية عليها، ونحن اعتدنا عليها منذ ألحرب التي شنها العالم على فلسطين عام 1948 وعلى لبنان عام 1982 وعام 2006 وحربه على العراق وحربه على الشام، واليوم حربه على فلسطين التي لا مثيل لها في العصر الحديث.

ما نريده هو تحميل الذاكرة حقائق تفضي بعد الحرب الى نتائج، وأن نتخلص من ذاكرة السمك ولا نكرر التجارب ألتي أوقعتنا في خسارات فادحة.

معركة غزة ليست الأخيرة وعلى شعبنا التحضير للمعارك القادمة بعيدا عن العروبة المزيفة والكيانية القاصرة.


الأكثر قراءة

واشنطن تريد رئيسا بين تموز وايلول وكلمة السر بين بري وهوكشتاين جلسة «النازحين»: العبرة بالتنفيذ وتجاهل الهبة وتوصية من 9 نقاط مفاوضات القاهرة فشلت والمقاومة تدك القواعد العسكرية بعشرات الصواريخ