اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

خرج الخلاف الأميركي- "الإسرائيلي" الى العلن، بعد سبعة وستين يوماً من عدوانهما على قطاع غزة، والذي كان طيلة هذه الفترة خفياً الى حد ما، أو ظهرت ملامحه بأكثر من محطة، بحيث يمكن تقسيم سبب الخلاف من البداية الى قسميْن:

- الأول: حول طريقة العمل "الإسرائيلية" خلال الحرب، بحيث من البداية حَصَر الأميركي المعركة في غزة، وقال "للإسرائيلي" أن يترك له باقي جبهات المحور.

- الثاني: حول استراتيجية ما بعد الحرب، بحيث بدأ الأميركي بالحديث عنها باكراً، أي من البداية، في وقت كان كل التركيز "الإسرائيلي" في الإنتقام من حماس.

أما الخلاف الذي استُجِد فيما بعد، والذي سَبَّب إحراجاً للأميركيين أمام الرأي العام العالمي، فهو المجازر الصهيونية بحق أهالي غزة بسلاح أميركي، والذي بات بايدن يُسميه القصف العشوائي.

عادة في كل الحروب يَضع الأميركي استراتيجية الخروج منها مِن البداية، وهذا ما ناقشه جو بايدن خلال زيارته الى الكيان في بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، لكن وقتها لم يكن "الإسرائيلي" مستعداً للنقاش، لأنه كان في حالة غضب وجنون ويريد الإنتقام فقط، وعندما وضع أهدافه ورّط نفسه بأهداف عالية السقف على مستوى القيادة، أما على مستوى الخبراء الإستراتيجيين الذين قرأوا المشهد بعقلية هادئة، فقد قالوا إن على "الإسرائيليين" أن لا يقعوا بالوهم، بحيث لا يمكن القضاء على القدرة العسكرية للمقاومة، وحتى الحديث عن محاولة تفكيكها، تكلفتها صعبة جداً على الجيش الصهيوني.

فالمقاومة لديها قدرات عسكرية متطورة ومجتمع منسجم، لا يُمكن للعدو الدخول ضمن البيئة الإجتماعية لها، كما لا يمكنه ضرب البنية العسكرية لها، فهذه المرحلة هي مرحلة صعود المقاومة الفلسطينية، وتراجع التطور الصهيوني.

من الواضح أن المشكلة ليست في عقلية "القيادة الإسرائيلية" الحالية ونتنياهو تحديداً، بل في عقلية المجتمع الصهيوني بشكل عام، الذي يريد من قيادته تحقيق أهداف فَشِلت في تحقيقها سابقاً ولا زال مقتنعاً بها، فمشكلته الحالية هي حالة "إنكار الواقع" التي يعيشها، والتي تدفعه لرفع السقف، وهذا من الطبيعي أن يؤدي الى الفشل.

تَعلَم القيادة الصهيونية أنها لا تستطيع القتال على أكثر من جبهة، لكنها تُخبِر مستوطنيها العكس، مما جعلها مُحاصرة بين الداخل والخارج، بحيث باتت مُطالَبة داخلياً وخارجياً بتحقيق إنجازات،  لكن الفرق أن الأميركي رغم دعمه المفتوح "للإسرائيلي" بالسلاح وتبرير الجرائم، لم ينسحب ذلك على الوقت الذي ضاق لناحية الإستحقاقات المقبلة، ولناحية ضغط الرأي العام العالمي الذي انقلب عليهما،  ولم يكن الأميركي يَحسب له حساباً على ما يبدو...

بكل تأكيد، لم يتذكّر بايدن فجأة المدنيين الفلسطينيين بعد ٦٧ يوماً من العدوان الإسرائيلي عليهم، والذي هو شريك أساسي فيه، إن لم نقل هو مَن يخوض الحرب بسلاحه وبيد "إسرائيلية"، لكن من الواضح أنه فعل كل ذلك: مِن دعم، لزيارة أول رئيس أميركي للكيان خلال الحرب، للكلام عن صهينته، لأهمية وجود "إسرائيل" في المنطقة بالنسبة لأميركا، بهدف الحصول على مُقابِل مِن نتنياهو، بمعنى "أنا سلّفته وجاء الوقت أن يُسلّفني"، وعلى ما يبدو أن الأخير لم يَقبل، لذا خرج الخلاف الى العلن بهذه الطريقة.

ما دفع بايدن للتحدّث بهذه اللهجة علنياً للضغط على نتنياهو، هو وصول الخطر الى المصالح الجوهرية الأساسية لأميركا الذي سبّبته الجبهة اليمنية، التي منعت كل السفن أن ترسو في الموانىء الصهيونية، فبسيطرتها على البحريْن الأحمر والعربي تستهدف صميم الإستراتيجية الأميركية، بحيث أن الموضوع ينسحب أيضاً على المصلحة الأميركية المرتبطة بالمواجهة مع الصين، وهذا ما يُميِّز المساهَمة اليمنية التي تُكبِّل أميركا، نظراً لامتلاكها أوراقاً كثيرة من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن كل خيارات الرد الأميركي مُجرَّبة، فهي لها آثار عالمية وأُولى نتائجها مشهد الخلاف الأميركي- "الإسرائيلي" غير المسبوق عادة في الحروب.

لم يكن في خطاب بايدن أي حديث عن إيقاف الحرب، باعتباره أن هناك تهديداً وجودياً فعلياً "لإسرائيل"، وأن هناك إتفاقاً على توجيه ضربة قاصمة لحماس، ويجب الإستمرار للوصول الى هذا الهدف، لكن إتهامه لنتنياهو بالقصف العشوائي في غزة جاء ليضغط عليه، فهو لا يعترض على النوايا، وإنما يعترض على الطريقة التي أحرجت أميركا عالمياً، لذا برأيه أن على "إسرائيل" تخفيف الوتيرة، وعليها أن تُركِّز في المنطقة العسكرية. هذه المصلحة الأميركية ليست المصلحة "الإسرائيلية"، لأنه في حال أوقفت "تل أبيب" القصف سيَنفضح أمرها ويَظهر ضعفها، خاصة وأن أخبار الميدان بدأت تنتشر، ولا بدّ أن تؤثر التكلفة على معنويات "المجتمع الإسرائيلي" بداية،  قبل أن تؤثر على الخارج لناحية صورة "إسرائيل".

فبالنسبة للرأي العام الدولي، تُعتبر "إسرائيل" الآن  بأسوأ حالاتها، بحيث إذا تم مقارنة بسيطة بين بداية العدوان واليوم، نجد أن مشاريع القرارات التي تقدّمت في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار بدأت بفيتو أميركي- بريطاني- فرنسي، ومرّت بفيتو أميركي- بريطاني، ووصلت الى فيتو أميركي فقط، مع ارتفاع عدد الدول التي تؤيد وقف العدوان على غزة، ما يعني كلّما طال أمد الحرب ستَزيد الأصوات التي تُطالب بوقفها.

بايدن تحدّث أمام تيار صهيوني منضوي في الحزب الديموقراطي يَعتبر أن نتنياهو بتصرفه مع حلفائه سيأخذ "إسرائيل" الى المهوار، فهذا الإعتقاد تكوَّن قبل الحرب بحيث أنه اعتبر أن نتنياهو تجاوز الخطوط الحمراء في اللعبة السياسية الداخلية وجعل الكيان طرفاً في الإنقسام السياسي الحاد في أميركا، اعتقاد تَثبَّت خلال الحرب، مما دفعه الى الضغط عليه للإنصياع للخطة الأميركية بعد الحرب أو التنحي.، فالرئيس الأميركي يبحث على ما يبدو من خلال كلامه على شماعة ليعلّق عليها الفشل في الحرب حيث تَحدَّث عن بن غفير ونتنياهو، مع العِلم أن الثاني من الصعب جداً تخليه عن الأول أو عن حلفائه اليمينيين داخل الحكومة التي هي من الأساس لن تستطيع مُجاراة الولايات المتحدة بما تُريد وتحديداً "حل الدولتين" الذي يُعتبر الخلاف الأكبر اليوم بين أميركا و"إسرائيل" بمرحلة ما بعد الحرب...

أما عن تأثير هذا الخلاف على مجريات المعركة ونهايتها، فذلك مرتبط بمدى جدية الموقف الأميركي، وهذا ما أكده أكثر من مسؤول أميركي بعد بايدن، ما يُثبِت جدية الخلاف حول المَخرَج من الحرب، وما يزيد من هذا الإحتمال ردة فعل نتنياهو الذي قام بحملة مضادة ليقول من خلالها إنه الشخصية الوحيدة في الكيان التي لا يُمكن أن يَبتزها أي طرف خارجي حتى لو كان أميركا، فالعملية العسكرية ستُستكمَل بدعم واشنطن أو بعدم دعمها، وبهذا الكلام يريد رئيس وزراء العدو أن يستعيد اليمين المتطرف المتحمس لهذا النوع من الخطابات، إلا أن الجميع يعلم في الداخل والخارج أن مِن دون الضوء الأخضر الأميركي والموافقة الأميركية لا تستطيع "إسرائيل" الإستمرار في الحرب، فالسياسة الإسرائيلية وخاصة الإستراتيجية منها لا يمكن أن تَخرج عن الخطوط التي تضعها الولايات المتحدة.


الأكثر قراءة

العثور على 6 جثث لأسرى لدى حماس مقتولين يُحدث زلزالاً في «إسرائيل» الشارع يتحرّك ضدّ حكومة نتانياهو... ونقابة العمّال تعلن الإضراب الشامل