اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لا شك أن بداية التحوّل في العالم بدأ يظهر منذ سنوات، أي عندما بدأت الولايات المتحدة الأميركية تضع أهدافاً لا تستطيع تحقيقها، ولعلّ الحرب على سوريا كانت نقطة تحوّل بمسار عالمي طويل كانت تُسيطر عليه أميركا وحدها وتُفصِّل خطواته، الى أن وصلت الى هناك وبقيَ الجرح مفتوحاً.

بدأ الحديث عن كسر الأحادية الأميركية في العالم، بعدما تفاقم الصراع وازداد التنافس مع الصيني والروسي من الحرب الإقتصادية مع الصين، الى الحرب الروسية - الأميركية في أوكرانيا، للوهلة الأولى وبعد أن باتت أولويات أميركا خارج منطقة الشرق الأوسط بحربها الجديدة، كان التصوّر أنّ تغيّر المشهد العالمي سيبدأ من هناك، الى أن جاءت عملية طوفان الأقصى وأعادت الأميركي بكل قوّته إليها، وباتت غزة لها دور في صناعة التحوّل في العالم بشكل أساسي.

بعد أن دخلت المعركة شهرها الرابع باتت تستحق التقييم، خاصة وأن الكثير من أبعادها المباشرة باتت واضحة، وأحد نتائجها أنها أنتجت حالة غير مسبوقة بالأدبيات الكلاسيكية للحروب، بحيث أن تاريخياً كان الأميركي يشن حروباً ويسير العالم خلفه وفقاً لأولوياته، يرسم الهدف ويجد الصيغة ليُثبِّت الإنجاز، أما اليوم فبات عاجزاً عن تحقيق أهدافه ويحتاج لإخراج خططه البديلة علّها تستطيع فعل ما لم تفعله خططه الأساسية.

ما يحصل في غزة، يُمكن توصيفه أنه يُمثِّل الإنتقام التاريخي للمُستضعفين، فهي التعبير العميق عن هذا الإنتقام التاريخي، خاصة بعد أن ثبتت حقيقة أن العالم اليوم ليس فيه مُهيمن في كل شيء، فالقوة الأميركية المطلقة سقطت، وبالتالي يُمكن للأميركي أن يفتح ملفاً ولا يستطيع إغلاقه، ولا حتى إقناع حلفائه بمساندته، وخير دليل على ذلك غزة واليمن..

هذه المعركة أكثر من حرب استنزاف، وتختلف عن المعركة بين الحروب الكبرى، وحتى تختلف عن الحروب الكبرى، وبالتالي لا تُشبه الحروب التي حصلت تاريخياً بسبب الوضعية الدولية والإقليمية والقوى المتصارعة، حيث أن قوى المقاومة بغالبيتها لا دولاتية تتواجه مع "كيان" تعتبره لا دولاتي ويعتبره العالم دولاتي، وما بينهما يكمن جوهر الصراع، فأمام هذه الحالة غير المسبوقة ليس بمقدور أحد من الطرفين أن يرسم مسارها بدقة، رغم أن لكل منهما تصوّراً لنتيجة المعركة.

محور المقاومة يرى في الأفق انتصاراً، ويريد أن يُعزِّز هذا الإنتصار ويُثبِّته مع مرور الوقت بغض النظر عن الأثمان، أما المحور الأميركي- "الإسرائيلي" يعلم أنه بحفرة يحاول عدم توسعتها وبشكل أوضح يحاول التقليل من خسائره، فعملياً لا يستطيع أحد أن يضع مساراً كيف تسير الأمور بمعركة حقيقية مؤلمة تشترك فيها كل الساحات على امتدادها بعمقها وخطورتها، حتى أنها تفتقد للتناغم الكامل في الرؤى وفي التكتيك داخل المحور الواحد، وتحديداً بين الأميركي و"الإسرائيلي"، بينما تجد في المحور المقابل العمل يتم بانسجام وعمليات عميقة ومدروسة وخطيرة..

لم تستطع أميركا هذه المرة السير في الحرب بخطة واحدة تضعها في البداية وتسعى لتنفيذها في النهاية، بحيث أنها اعتقدت في البداية أن بإغراق "إسرائيل" بالسلاح يمكن أن يتحقق الهدف فكانت مقاربتها عسكرية مسلّحة، إلا أنها بعد أكثر من مئة يوم لم تحقق أي نتيجة، بل أكثر من ذلك أتت بنتيجة عكسية وأصبحت هيبتها وحضورها على المحك، فانتقلت الى معركة استعادة الصورة أو الهيبة، من هنا أتت خلفية العدوان على اليمن الذي ضرب هيبة الأميركي في البحر الأحمر أمام العالم.

إستراتيجية الهيبة لم تنجح أيضاً مع الأميركي، حيث أنها قابلتها جرأة يمنية أحرجت واشنطن أكثر، وهددت بخرق خطها الأحمر بعدم توسعة الحرب بغير توقيتها، فأصابت هيبتها وأثبتت أن العالم في مرحلة تحوّل وأن غزة هي مركز صناعة الوعي الجديد..

إذاً.. نحن أمام مشهد تؤكد فيه المقاومة على استمرارها بالمواجهة، ما يعني أنها تقول للمحور الأميركي- "الإسرائيلي" إن كل ما يقوم به من عمليات وقصف وتعديل بشكل استخدام النار وتغيير بأساليب الإجرام، بقصد إيجاد جسر لإعادة تموضع الأهداف لاستثمارها في المسار السياسي، لا يمكن الإستفادة منه ولن يستطيع إستثماره في السياسة والبناء عليه في المرحلة القادمة، فحتى عدم إيقاف الحرب من قبل أميركا يعود الى سببين يؤديان الى النتيجة نفسها: الأول: يعني إعلان الهزيمة، والثاني: أن الأميركي لم يجد حتى اللحظة خطة يلتف من خلالها على خسارته بأي شكل من الأشكال.. لعلّه واقع يُفسّر جيداً أين كانت أميركا وأين أصبحت!!!

الأكثر قراءة

سيجورنيه يُحذر: من دون رئيس لا مكان للبنان على طاولة المفاوضات الورقة الفرنسيّة لـ«اليوم التالي» قيد الإعداد حماس تؤكد: لا اتفاق من دون وقف نهائي لإطلاق النار!