اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

على مدى سنوات، غارات، وتفجيرات، واغتيالات، ليتنهي ذلك بييان رث حول الرد في الوقت المناسب. النتيجة عاصفة من السخرية، وتذكير بمسرحية صمويل بيكيت، كاتب اللامعقول، "بانتظار غودو".

لا أتحدث عن الايرانيين الذين ردوا في باكستان، والعراق، وسوريا، وانما ـ كعربي ـ عن سوريا التي بحاجة (أجل بحاجة) الى من يقول الحقيقة ـ الحقيقة المرّة ـ باسمها، دون التغاضي، بأي حال عن الاختلال الذي أحدثه التمدد الأخطبوطي لشبكات الفساد حتى داخل السلطة.

لأن سوريا تعنيني، كلبناني، خارج ثقافة الفساد، وخارج ثقافة التبعيةً، ليقفلوا الباب في وجهي ان شاؤوا. واذا كان الرئيس حافظ الأسد يهتم بمقالاتي، وبي، شخصياً، كما دافع الرئيس بشار الأسد عني في وجه بعض الرؤوس الخشبية، فان الصعوبات التي أواجهها تجعلني أشعر أن اجتياز جبال البيرينيه سيرًاً على الأقدام أسهل عليّ من عبور الحدود اللبنانية ـ السورية.

سوريا، كفسيفساء حضارية (وسوسيولوجية)، بقدر ما هي على مستوى عال من التنوع، على مستوى عال من التفاعل، دون اغفال الحساسية المناطقية، لا الحساسية الطائفية ولا الحساسية الاثنية. لكنها، منذ أن نالت الاستقلال، وهي هدف استراتيجي للأقربين وللبعيدين، ما يفترض وجود ذلك المايسترو، بالدماغ الرؤيوي، وباليد الحديدية. المشكلة أن من أنيطت بهم عملية التنفيذ بالغوا، وعلى نحو رهيب، في أداء مهمتهم. لنتصور أن افتتاح صالون للحلاقة، وهو ليس بمختبر للفيزياء النووية، كان يحتاج الى الموافقة الأمنية، والى الابتزاز الأمني.

هذا الوضع أسهم في احداث ثُغر داخل البنى الاجتماعية والسيكولوجية، ليقع الآلاف في اغواء المال، وفي الاثارة الغرائزية، لنرى ـ أثناء الأزمة ـ ذلك المهرّب الذي أرخى لحيته، وراح يدعو، على طريقة بيديل بوكاسا (أكل الأطفال) الى الديموقراطية، وساثق الشاحنة الذي تحول، فجأة، الى فقيه بفتي بدولة اسلامية بشكل تورا بورا.

سوريا، كمنارة للعروبة، تعرضت لسلسلة من الانقلابات التي كانت تعدّها السفارات (خصوصاً في بيروت) ما أدى الى انهاكها، الى أن أنهيت هذه المهزلة لتبدأ مرحلة من الاستقرار، دون أن توقف التهديدات الخارجية، لنتذكر أن الانكليز أنشأوا، عام 1955، "حلف بغداد" ضد سوريا، وضد مصر البعيدة، نسبياً، عن تأثير جلال عدنان مندريس في تركيا، ونوري السعيد في العراق، ناهيك بمحمد رضا بهلوي في ايران.

هذا ما استدعى بناء جيش ضخم، اضافة الى أجهزة أمنية، بتكلفة باهظة، في بلد يمتلك الثروات، ولكن بحاجة الى مشاريع تنموية هائلة. دور الأيدي القذرة كان واضحاً أنها ضد أن تتحول سوريا، وكما وصفتها صحيفة "الاكونوميست" الى"نمر غرب آسيا".

لا شك أن القوة العسكرية كانت، ولا تزال، تعاني من التفاوت التكنولوجي بينها وبين "اسرائيل" التي تتدفق عليها أحدث الأسلحة الأميركية (مع امتلاك مئات الرؤوس النووية)، وبين تركيا، العضو في الأطلسي والتي تستضيف 50 قنبلة نووية أميركية على أراضيها.

دفاع الحد الأدنى في دولة الخطر الأقصى. الفاقة قاتلة، ولا مجال البتة للمقارنة بين وضع الجندي السوري، ووضع الجندي الاسرائيلي أو التركي. هذا ما كانت تعاني منه الأجهزة الأمنية، ليلجأ العديد من أفرادها الى "التشبيح". بطبيعة الحال، من يسمح بتهريب بندقية مقابل مائة دولار، يسمح بتهريب دبابة لقاء ألف دولار.

في هذه الحال، ما وقع مليارات الدولارات التي نثرت على الرؤوس، دون حساب. قطعاً، لا يمكن أن نصف النظام بالمقدس، لكنه، على الأقل،  نظام علماني لاطائفي ويرفض أن يطوف (أو يتسكع) حول الهيكل. هل كان للبنان اجتثاث الاحتلال لولا المؤازرة السورية؟

بالصوت العالي، سوريا الجريحة، وسوريا الضحية، لا تسسنطيع الرد. روسيا ليست أميركا التي لولاها لما تمكنت اسرائيل من الصمود لأكثر من شهر في وجه أبطال غزة. الجيش السوري موزع على مئات الجبهات، وبامكانات مالية، وتقنية، ضئيلة مقارنة مع الأخرين.

الحصار ليس جديداً. أخبرني أحد الوزراء، من سنوات طويلة، أن الحصول، وبطرق متعرجة، على عجلة لطائرة "بوينغ" استغرق 8 أشهر. ولكن هل يكون الرد على الغارات ببيان لا مبرر له على الاطلاق؟

أيها السوريون، قولوا الحقيقة. هل أتوقع أن تقفل الأبواب، التي لم تقفل قط، في وجهي؟!


الأكثر قراءة

احتمالات التهدئة والحرب متساوية وواشنطن تضغط لهدنة مؤقتة! «مسوّدة» رسمية حول «اليوم التالي».. والجيش يتحضر لوجستيا ردود اسرائيلية «يائسة» على «الهدد 3» وتهويل بمواجهة وشيكة