اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لم يتعلم هؤلاء الأغبياء أننا من الخيمة نرسم وطنا، وأن الخيمة محطة على طريق العودة وليس على طريق المقبرة. هم أجهل من أن يعرفوا معنى أن نعيش في خيمة نجعل منها قصرا لأحلامنا، ونجعلها الرحم الذي يولد منه وطنا.

هم لا يعلمون أن خيمة الأمم المتحدة في المخيم أصبحت دارا بغرف ولكل غرفة وظيفة وأن كل غرفة هي مركز عمليات لتحقيق غاية واحدة هي العودة إلى الوطن وتحرير الأرض والانسان.

موجع أن نشاهد الخيمة مرة جديدة منصوبة في الطرف الجنوبي لقطاع غزة، لتخبرك أننا أمام رحلة جديدة، أننا ما زلنا نعيش خطر الرحيل الى ديار جديدة، وأن منزلنا في فلسطين ليس لنا، وأن الزيتون والليمون ومساكب النعنع والبصل والبقدونس الأخضر لم تعد لنا، وأن التراب وحنفية الماء وشجرة الصفصاف التي تجمعنا كل صباح على فنجان القهوة دمرها القصف. موجع أن ترى الحي الذي ولدنا فيه وتعلمنا في مدرسته ولعبنا الغُميضة مع أترابنا في شوارعه أصبح ركاما، وأنت أصبحت في خيمة.

لكن ما يعينك أنك لن تموت وإلى هناك ستعود.

عاهر هذا العالم الذي قرر أن يكون الجلاد وأن نكون الضحية، أن يكون الرصاصة وأن نكون الهدف، أن يكون القذيفة والصاروخ وأن نكون هذا الخراب، وهذا الدمار، وهذه الأطلال التي نقف عليها، ونحن نعلم أننا على مسافة تكة من الموت.

موجع أن تذهب الى الخيمة وأنت ما عرفتها منذ ما قبل التاريخ، أنت الذي حفرت في الصخور منزلا، ومن التراب صنعت الطوب وبنيت في السهول بيتا، أنت الذي بنيت السور حين كان العالم يعيش في العراء، انت الذي نطقت حين كان العالم لا يجيد لغة الإشارة.

المرارة،  أن ترى إنسانيتك الراقية تُقصف بتطورهم الهمجي، أن ترى نارهم تحرق خضار مواسمك التي تهدي العالم القيم والمناقب الأخلاقية والإنسانية.

المرارة، أنهم يعلنون حرب الإبادة علينا، وذوي القُربى يهدونهم اللبن والعسل وأكسير الحياة وما يطيب لهم من الملذات، و أن بعض العرب يرسلون اليهم برقيات الدعم والتأييد ويستقبلونهم في قصورهم على الرحب والسعة.

المرارة، أن ذوي القُربى يشاركونهم الحصار ويهدوننا الخِيم، ويحرموننا من ضروريات الحياة، وهم يتشاركون مع العدو بغاية قتلنا وليس تهجيرنا كي تُشق لهم طرقات التطبيع وتُفتح لهم أبواب العلاقات مع العدو على مصاريعها.

لا فرق بين العدو وبعض العرب، فهم كما قالوا أولاد عم، ويرددون بفخر واعتزاز أن العرق دسّاس.

يظن العدو بألوانه وتعداده أن الخيمة هي المحطة الأخيرة في رحلتنا، أما نحن فنقول له: تذكر أن خيمة النكبة أصبحت بناية المخيم، ومن المخيم إنطلقت شرارة العودة.

يا سادة، نحن لسنا أصدقاء مع الأمكنة، لأننا نحن الأمكنة والأمكنة نحن، وما همنا أن كانت خيمة أو غرفة من طوب أو قصر من حجر، فنحن من نعطي الأمكنة قيمتها.

نحِنُّ الى الأمكنة التي نستمد منها قوتنا كحنين جذع الشجرة الى القشرة، كحنين الأوراق الى الأغصان.

تذكروا يا بعض العرب، أن الخيمة بعد النصر ليست كخيمة بعد النكبة والنكسة.

تذكروا يا بعض العرب أن هزيمة العدو في حرب الإبادة معجزة القرن الواحد والعشرين.

تذكروا يا بعض العرب، أن من يبقى لن يرضى الخيمة في المخيم، سيعود ليسكن على الأطلال وينشد قصيدة الانتصار.

 


الأكثر قراءة

واشنطن تريد رئيسا بين تموز وايلول وكلمة السر بين بري وهوكشتاين جلسة «النازحين»: العبرة بالتنفيذ وتجاهل الهبة وتوصية من 9 نقاط مفاوضات القاهرة فشلت والمقاومة تدك القواعد العسكرية بعشرات الصواريخ