اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

أكثر من لبنان في لبنان، وإلا كيف لنا التكيف وإلى حد التماهي مع هذه الكوميديا السوداء. قامات سياسية وحزبية بأدمغة الدجاج وبخيال الدجاج، تملأ الشاشات بالنظريات والآراء، كما لو أنها ليست الدمى الراقصة بين لعبة الأمم ولعبة القبائل...

أبعد ما يكونون عن الوعي بالتداعيات البنيوية الخطيرة للزلزال العسكري، أو للزلزال الديبلوماسي الذي ينتظر المنطقة. ها أن "المستشار الفلسفي" لرئيس أحد الأحزاب يبدي تفاؤله لأن القيادات السياسية والعسكرية في "اسرائيل" تستعد لغزو لبنان، واحداث تغيير دراماتيكي في الوضع السياسي، وحتى في الوضع الدستوري للبلاد...

المستشار واثق من أن رئيس حزبه سيكون رجل المرحلة، فاما الاتجاه الى الفديرالية بالمعايير التي وضعها على الورق، أو اقامة "دولة لبنان الصغير". لكن الحرب لا بد أن تستجر الفوضى الدموية (المؤقتة)، ما يعني أن رؤوساً كثيرة وكبيرة ستسقط بالصواريخ، أو بأي وسيلة أخرى. في هذه الحال، على رئيس الحزب، كقديس مطوّب، الانتقال الآني الى باريس.

واذا كانت "دولة لبنان الكبير" قد ولدت في قصر فرساي وأعلنها الجنرال غورو من قصر الصنوبر، يمكن أن تولد وتعلن "دولة لبنان الصغير" من مقهى Le jardin du petit palais في الشانزليزيه.

لكن الخبراء العسكريين على ضفتي الأطلسي، وحتى في "اسرائيل"، يعتبرون أن الحرب في غزة، والتي أظهر فيها المقاتلون الفلسطينيين مقاومة اسطورية من داخل الزنزانة وبامكانات محدودة، أدت الى انهاك "القوة التي لا تقهر" عملانياُ وسيكولوجياً، حتى أن ناحوم برنيع يبدي خشيته من أن يصاب "الجيش الاسرائيلي" بـ"متلازمة غزة" Ghaza syndrome مثلما أصيب الجيش الأميركي بـ"متلازمة فيتنام" .Vietnam syndrome

الثابت أن الائتلاف الراهن في "اسرائيل" يراهن على استجرار الولايات المتحدة الى الميدان، خصوصاً وأن توسيع الحرب يعني أن أطرافاً أخرى ستشارك حتما الى جانب حزب الله بترسانته الصاروخية الهائلة، ما يعني امتداد الحرائق الى سائر أرجاء المنطقة، والى حد تقويض المصالح الاستراتيجية الأميركية في الاقليم.

حتى اللحظة، يسعى بايدن، وهو يمشي على رؤوس أصابعه، لوقف الحرب عند حدود معينة. هذا جانب من الذهنية الفلسفية للولايات المتحدة بابقاء الأزمات عالقة، كي تتسنى لها ادارة المسارات الاستراتيجية في المنطقة، وان كانت اشياء كثيرة تتغير فوق الأرض وتحت الأرض.

أياً تكن نتائج الحرب في غزة، لا بد من وقوع هزات ارتدادية. اللافت أن هناك احدى الجهات السياسية وضعت أمام مرجعية روحية تقريراً (لم نعرف مصدره) يتوقع حصول مفاجأة كبرى بانتقال جماعة "الاخوان المسلمين" من الكنف التركي الى الكنف الايراني، ما ستكون له تداعيات خطيرة على المشهد اللبناني.

حين سألنا من يعنيهم الأمر، قيل لنا أن هذه المسألة لم تخطر قطعاً في بال القيادة الايرانية، التي تابعت عن كثب محاولة رجب طيب اردوغان استعمال تلك الجماعة كنيوانكشارية في خدمة النيوعثمانية، و"لسنا مستعدين للغرق في الوحول".

بطبيعة الحال، لبنان ما بعد غزة لن يكون لبنان ما قبل غزة. تفاعلات كثيرة حدثت على الأرض، ولا بد أن تكون لها انعكاساتها السياسية. لا رهان البتة على اللجنة الخماسية التي أنشئت بالحاح فرنسي، لا برغبة أميركية ولا برغبة سعودية. الحديث عن المواصفات والمعايير، حديث كاريكاتوري، حتى أن مرجعية سياسية علقت ساخرة "هل نحن أمام انتخاب "مس ليبانون"، بمقاييس الصدر والساقين والردفين؟ أم أمام انتخاب رئيس للدولة تعرف مواصفاته منذ بدء تنفيذ دستور الطائف وحتى الآن"؟

كلام في الظل عن مبادرة لقوة داخلية فاعلة تزيل أي هواجس، سواء كانت حقيقية أم مصطنعة، وتؤسس لدولة قابلة للحياة، لا الدولة التي مهمتها انتاج الأزمات.

في باريس، سمعنا من ديغولي قديم اعتراضه على الصلاحيات التي أناطها دستور الجمهورية الثالثة (بعد جمهورية الانتداب وجمهورية الاستقلال) برئيس الدولة، الذي يبدو في القصر "شاهد ما شافش حاجة".

قال برئيس "جبار" بصلاحيات "جبارة". ما علينا سوى انتظار رجل يهبط علينا من الفضاء الخارجي...

الأكثر قراءة

احتمالات التهدئة والحرب متساوية وواشنطن تضغط لهدنة مؤقتة! «مسوّدة» رسمية حول «اليوم التالي».. والجيش يتحضر لوجستيا ردود اسرائيلية «يائسة» على «الهدد 3» وتهويل بمواجهة وشيكة