اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

"بعد أن سطا لصّ على منزل أحد الأشخاص وقتل بعض سكان المنزل، اعترفت المحكمة بأدلّة إدانته،  لكنّها طالبته بالاعتناء ببقية الأفراد وتوفير الرعاية لهم".

قصّة قد تبدو "غريبة" بعض الشيء، فكيف "يوكل" المجرم "حارسا" على ضحيّته؟

في الواقع، هذا ما قامت به محكمة العدل الدولية، والتي أقرّت، في السادس والعشرين من الشَّهر الحالي، بأنّ "الأدلّة الّتي قدّمتها جنوب افريقيا والّتي تؤكّد ارتكاب "اسرائيل" إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، متماسكة قانونيّا ومعقولة منطقيّا"؛ إلّا أنّها لم تطالب "اسرائيل" بوقف إطلاق النار، أو تُصدر أيّ إدانة قضائيّة رسميّة ضدها؛ بل اكتفت بالإيعاز لـ اسرائيل" باتّخاذ إجراءات وقائيَّة لتلافي وقوع المزيد من أعمال الإبادة، وتوفير الحاجات الإنسانيّة الملحّة في القطاع، كما أوكلتها مهمّة التقدّم بتقرير للإفصاحِ عن الإجراءات المُتَّخذة في مهلة شهر.

لا شكّ أنّ هناك نقطة ايجابية و "بصيص أمل"، في قرار المحكمة. فهذا القرار يشكّل ضربةً معنويَّةً للكيان الإسرائيلي من أعلى المراجِعِ الدَّوليَّة، وخلخلة للرواية الرّسمية الصهيونية، والّتي مفادها "أنّ الاسرائيليين يمثّلون حالة استثنائيّة، ويتمتّعون بحصانة لا يمكن لأحد أن يفكّر في أن يتخطّاها"؛ وهذا بحدّ ذاته انتصار كبير.

فلطالما كان السّلاح مصلتا على رقبة كلّ من يوجّه أيّ اتّهام "لاسرائيل"؛ أمّا اليوم فإنّ أعلى محكمة دولية في العالم تعترف بجرائم الإبادة الّتي ارتكبها هذا الكيان المجرم؛ وهذا بحدّ ذاته تحوّل جذري في جوهر وصلب الرواية الّتي كانت "اسرائيل" تفرضها نفسيّا وذهنيّا وعقليّا على العالم…

لكن ما النّفع ان أكّدت محكمة العدل الدولية الرواية الفلسطينية،  من دون أنْ تفعل ما يكفي لتحقيق العدالة؟

المؤسف في هذا القرار، أنّ رئيسة المحكمة "جوان دونوغو" الاميركية قد ذكرت أنّ حركة حماس وكتائب القسام هم الذين بدؤوا بالقتال في غزة في 7 أكتوبر، من دون الإشارة إلى أن "إسرائيل" ارتكبت وما زالت ترتكب جرائم مروّعة في فلسطين منذ أكثر من 75 عامًا. وكأنّها عنت بذلك أنّ "إسرائيل" كانت في "حالة دفاع عن النفس" بعد أنْ هاجمتها غزّة. كما ذكرت "دونوغو" أنّ الفلسطينيين أسروا 250 إسرائيليًا، لكنّها أغفلت ذكر آلاف الفلسطينيين المحتجزين في السّجون الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة.

 فلماذا لا تعود مرجعيّة الدعوى إلى ما قبل 7 اكتوبر، وربما الى بداية الاجرام الصهيوني منذ عام 1948؟

‏لماذا لم يُطلب من جهة محايدة أو طرف ثالث متابعة تنفيذ قرارات المحكمة وتقديم "التقرير"، بدلا من التوجّه بهذا الطلب إلى "اسرائيل" التي بالطبع ستقدم تقريرا يجنبها الإدانة، ويحتوي على ما يروقها من مبرّرات قد تكون بعيدة عن الحقائق؟ ‏وكيف للمحكمة أن تمنح مدّة شهر لتقديم التقرير، وهي مدّة طويلة، في حين أن الضحايا يتساقطون يوميا بالمئات، والقضية مغزاها انساني عاجل وملحّ، ولا يتحمّل مزيدًا من ضياع الوقت؟

نحن نرى أنّه كان من الأجدى أن تاتي المحكمة بقرار ينظر بعين الانصاف والعدالة والرحمة لما يتعرّض له الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية، وحصار، وتمييز، وتتخذ حكما أكثر جرأة وقوّة بشأن ايقاف العدوان الصهيوني على أقل تقدير، وإدانة "اسرائيل".

نحن نعلم أنّ قرارات المحكمة هي قرارات غير ملزمة، ولا يمكن تنفيذها إلّا عبر مجلس الأمن الّذي من المتوقّع أنْ يفشل في وضع هذه القرارات موضع التَّنفيذ بموجب الفصل السَّابع، نتيجة استعمال إحدى الدُّول الدائمة العضويَّة فيه لحق النَّقض "الفيتو".

كما نعلم أنّ "اسرائيل"، وفي حال تمّ فرض عقوبة عليها، لن تستجيب لحكم المحكمة، ولن تطبّق أيّ قرار.

إلّا أنّه كان من الأولى على المحكمة،  وحفاظا على "ماء وجهها" وهيبتها،  ومكانتها، وصدقيّتها ومناقبيتها، لو أنّها أصدرت إدانة وعقوبة رسميّة بشأن "اسرائيل" التي مارست أفظع الجرائم ضدّ الانسانيّة، وجرائم الإبادة في المستشفيات والمدارس ودور العبادة،  على مرأى ومسمع العالم كله، مستهدفة المدنييّن بشكل عام والنّساء والأطفال بشكل خاص، ومنتهكة كلّ الأعراف والأصول والضّوابط الاخلاقية والانسانية...

 * أيّ أمم متحدّة هذه؟

أليست هي الّتي قرّرت تقسيم فلسطين عام 1948، منفّذة وعد بلفور لليهود، وأعطتهم 58% من مساحة الأراضي الفلسطينية، والّتي تخطّاها الاسرائيليون فيما بعد ليأخذوا حوالى 77% منها؟

* مَن الّذي أنشأ محكمة العدل الدولية؟ أليس هو نفسه الّذي أنشأ "اسرائيل"؟

*كيف لفلسطين أن ترجو العدالة من "جلّادها"؟ وكيف لقانون أن يُطبَّق مع جهة ترى نفسها أقوى من القانون؟

إنّ القضية الماثلة أمام محكمة العدل الدولية هي أكبر من حدث في فلسطين؛ إنّها قضية كلّ من يدافع عن الحقوق والعدالة الانسانيّة… قضية الشّعوب المستضعفة والمنتهكة حقوقها في العالم بأسره، والتي أثبتت وما زالت تثبت أن المؤسّسات الدوليّة ليست إلّا "سلطة بيد الدّول" الّتي أنشأتها.

ففي عالم الغاب، "القوة" وحدها هي القانون.


الأكثر قراءة

احتمالات التهدئة والحرب متساوية وواشنطن تضغط لهدنة مؤقتة! «مسوّدة» رسمية حول «اليوم التالي».. والجيش يتحضر لوجستيا ردود اسرائيلية «يائسة» على «الهدد 3» وتهويل بمواجهة وشيكة