اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

... ثم جاء دور لويد أوستن ليقول "ان الوقت الراهن يمثّل لحظة خطيرة في الشرق الأوسط"، كما لو أن الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي بيدها مفاتيح جهنم، تشرّع أبوابها، وتقفل أبوابها، أنّى شاءت وكيفما شاءت، وان كان ما حدث في هيروشيما يجعلنا نستشعر الهلع من الكيفية التي بقفل بها الأميركيون أبواب جهنم...

لا نحتاج الى كمية اضافية من السذاجة لنعلم كيف يفكر ذئاب اليمين في اسرائيل "لا بقاء لنا الا بازالة سائر أعدائنا من البحر المتوسط الى البحر الأحمر، ثم الى بحر قزوين، بهيروشيما أخرى، أو بأكثر بكثير من هيروشيما. لا تستدعي المسألة سوى قراءة التوراة، بالأحرى التلمود، لندرك أي قنبلة زرعت في ظهورنا.

هذه المرة، نحتاج الى كمية اضافية من السذاجة، لندرك لماذا غياب روسيا والصين عما يحدث في ديارنا، الا اذا كانت الدولتان "الصديقتان" تنتظران أن يصيبنا، ويصيب الأميركيين، ما أصاب سدوم وعمورة، لكي تحلاّ محل الله في وراثة هذه الأرض.

دانيال بايبس، المؤرخ والكاتب اليهودي، الذي سخر من "الحلف الاستراتيجي" بين كل من موسكو وبكين، من جهة، وطهران من جهة أخرى، رأى في العلاقة الحالية بين روسيا والصين علاقة نصف الشيطان بالنصف الآخر. يدعونا أن ننتظر كيف تكون نهاية الشيطان...

لا ندري لماذا توقف المفكر الروسي ألكسندر دوغين، وكان يعتبر الدماغ الشوكي لفلاديمير بوتين، عن الظهور وهو الذي كان يتابع، بدقة، المسار الجيوستراتيجي، وحتى المسار الفلسفي، للولايات المتحدة، ليتحدث عن "أمبراطورية على خيط العنكبوت". اذ توجد عند كل مفترق على امتداد الكرة الأرضية التي، كما التاريخ، في حال الدوران الأبدي، لا بد من أن تفاجأ بساعة السقوط. في نظره، هذا مآل كل أمبراطورية تحاول أن تنتزع، ولو عنوة، صلاحيات القضاء والقدر!

في رأي العديد من المحللين أن الشرق الأوسط أمام طريقين: اما الانفجار الذي يستتبع اعادة تشكيل الخرائط، والدول (فضلاً عن المجتمعات)، هذا اذا بقي شيء ما فوق الركام، أو وضع حد نهائي للصراع العربي ـ الاسرائيلي (هل ثمة من صراع حقاً ؟)، بازالة كل العوامل التي تفضي الى الحروب.

ولكن من يقرأ ما في العقل الاسبارطي، منذ دافيد بن غوريون وحتى مناحيم بيغن، يعرف أن الاسرائيليين، ككوكتيل بشري يرى نفسه فوق التاريخ، وفوق العالم، يجدون في السلام مسألة تكتيكية تتيح لهم تقويض البني السوسيولوجية، والبنى التاريخية، والبنى الثقافية، وحتى البنى الوجودية، للعرب.

من برنارد لويس في أميركا الى برنار هنري ليفي في أوروبا، هؤلاء هم العرب "ما تبقى من حثالة في ذلك التاريخ". العرب فقط دون سائر الأمم الأخرى، كما لو أن آباء هؤلاء لم ينقلوا الى أوروبا (وأميركا ابنة أوروبا) الفلسفات، والعلوم، الاغريقية التي شقت أمام القارة العجوز الطريق الى عصر الأنوار أو عصر التنوير.

حقاً، لا ندري لماذا نمضي، هكذا، في التقهقر، لنقبع على تخوم الغيب، أي على تخوم العدم. لا مؤشر على القيامة. من الآن بدأ التفكير في كيفية ازالة أحداث غزة من الذاكرة. برامج لاعادة الاعمار كيلا يبقى من أثر يذكر للخراب. ولكن، متى كان لناطحات السحاب، أن تحلّ، في اللاوعي العام، محل القبور؟

طريقان أمام الشرق الأوسط. لكن صديقنا الفرنسي (اليهودي) ايمانويل تود لا يجد "خلاصاً ذاتياً" للشرق الأوسط الا في الطريق الثالث، أي بناء "ثالوث القوة" من تركيا وايران والسعودية. استبعد مصر لأنها اختارت البقاء بعيداً عما يعتبرها قادتها "استراتيجية الضجيج" التي لا يمكن أن توصل الا الى التوزيع المبرمج للحرائق.

لبنانياً، ما يحدث فوق الأرض، وتحت الأرض، أخطر بكثير من صراعاتنا التافهة (صراعات الديكة على الشاشات). رهاننا العبثي على الخماسية الدولية التي نتعامل معها كفرقة فولكلورية للرقص الديبلوماسي، دون أن ندري أن البلدان الخمسة لا ترى فينا أكثر من تفصيل هامشي (لولا الوضع عبر الخط الأزرق)، وأن أي تسوية لأزماتنا تأتي في سياق تسوية الأزمات الأخرى.

نستعير الاسطورة الأوروبية التي تقول أن الكرة الأرضية تقف على قرن ثور، لنقول ان الشرق الأوسط هو الذي يقف على قرن ثور (في ذروة الهياج). هكذا قال وزير دفاع أعظم أمبراطورية في التاريخ، وان كتب ول ديورانت "ان الأمبراطوريات الأكثر عظمة غالباً ما تكون الأكثر غباء". واقع الحال...


الأكثر قراءة

احتمالات التهدئة والحرب متساوية وواشنطن تضغط لهدنة مؤقتة! «مسوّدة» رسمية حول «اليوم التالي».. والجيش يتحضر لوجستيا ردود اسرائيلية «يائسة» على «الهدد 3» وتهويل بمواجهة وشيكة