اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

من الواضح أن جبهة الشمال بالنسبة للعدو الصهيوني لها حسابات خاصة ودقيقة بعيداً عن حساباته في غزة، رغم ربط المقاومة الإسلامية جبهتها بها في هذه الحرب، نظراً لعوامل عدة مرتبطة بـ "الإسرائيلي" بحُكم تجربته معها، والهزائم التي ألحقتها به، والتي كانت بدايتها عام ٢٠٠٠ وتكرّست عام ٢٠٠٦، إلا أنه رغم نياته العدوانية الدائمة تجاه جنوب لبنان، يتعامل مع المقاومة بحذر شديد، ورغم إشاعته أجواء توسعة الحرب معها، يمكن رؤية التشكيك بالقدرة ومدى جدوى العملية داخل الكيان قبل أي مكان آخر، مع عدم نفي فكرة أن المعركة تتعقّد أكثر، بحيث يحاول العدو فرض قواعد جديدة، خاصة بعد ارتكابه مجزرة في النبطية، إلا أن المقاومة سريعاً فهمت مِن المجزرتين في النبطية والصوانة أن العدو تعمّد ارتكاب هذه الجريمة، وقررت التعامل معها كجريمة متعمَّدة، وهذا ما قاله أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، حيث انه مَنع بكلامه "تكريس المعادلة "الإسرائيلية" من أجل تكريس معادلة الدم بالدم"، معادلة تُظهِر الأيام المقبلة مدى ترسيخها...

في جنوب لبنان، مَن يراقب مسار المعركة يدرك تطوّرها التصعيدي ميدانياً، والتي كان آخرها التمادي باستهداف المدنيين، فبعد أن كان "الإسرائيلي" الى حد ما يُحيِّد المدنيين باستهدافه للمقاومين، ارتكب مجزرة النبطية التي شكَّلت رعباً بالنسبة له مِن ردة فعل المقاومة، فبَعثَ برسائل تقول بمضمونها إنه عمل غير مقصود، إلا أن السيد نصرالله كان واضحا عندما قال إن العملية كانت متعمَّدة، وأطلق معادلة الدم بالدم وعطّل على "الإسرائيلي" إرساء معادلات جديدة في الحرب.

يحاول العدو الإسرائيلي إشاعة أجواء مقلِقة ومخيفة في إطار حربه النفسية على المقاومة وبيئتها من خلال استهدافه للمدنيين من جهة، ومن جهة أخرى من خلال الضغط الديبلوماسي والسياسي عبر الموفدين الدوليين من أجل إيقاف الجبهة الجنوبية، وإن كان يوجد تزاحم بين الأوروبي والأميركي لتقديم خدمات "لإسرائيل"، مع التأكيد أن الدور الأساسي هو للأميركي، بينما الأوروبي والفرنسي تحديداً يبحثان عن دور لهم. ومع تنوّع الوفود فالجواب واضح في لبنان إن كان من قِبل المقاومة أم من قِبل الموقف الرسمي، الذي يقول بدل الحديث عن إيقاف جبهة الجنوب أوقفوا العدوان على غزة أولاً وبذلك ستتوقف العمليات كما حصل أيام الهدنة.

أما الحديث عن تطبيق القرار ١٧٠١ الذي يَطرحه الموفدون من جهة لبنان فقط، فأيضاً كان له جواب من رئيس مجلس النواب نبيه بري واضح أمام الموفد الأميركي، أن تطبيق ١٧٠١ شروطه مختلفة عما يُطرح، فمَن يريد تطبيقه فعلاً عليه إلزام الطرفين به، أي المقاومة وكيان العدو وليس لبنان فقط، بمعنى أدق مَن يطالِب بمنطقة عازلة في الجنوب عليه أن يقابلها بمنطقة عازلة في الشمال أي الجهة المقابلة للحدود، بالإضافة الى وقف الطيران "الإسرائيلي "استباحة الأجواء اللبنانية، ومنع البوارج الحربية من الدخول الى المياه الإقليمية اللبنانية، كما على "الإسرائيلي" الانسحاب من النقاط المتنازَع عليها، أي التحرير الكامل، بهذا المنطق تم الحديث عن كيفية تطبيق ١٧٠١.

أما ميدانياً، فالمعركة في الجنوب تسير في مسار تصاعدي، فالاشتباك الحاصل من الطبيعي أن يتطوّر مع احتمالية التدحرج في معركة دخلت شهرها الخامس بأُفق مفتوحة في صراع وجودي، فـ "الإسرائيلي" يريد من تصعيده التدريجي أن يقول إنه قادر، والمقاومة من تصعيدها التدريجي تريد أن تقول إنها قادرة أيضاً، وبهذه الرسائل المتبَادلة في الميدان تُستكمَل المعركة، حيث أن التدحرج الحاصل حتى الآن مضبوط ويَخدم بانضباطه المقاومة لجهة تحقيق هدفها المشترك مع كل جبهات محور المقاومة باستنزاف العدو،. فرغم أنها جبهة إسناد لغزة إلا أن حسابات العدو معها منفصلة عن حساباته في معركته الأساسية في هذه الحرب، باعتبارها أوسع وأشمل وتكاليفها كبيرة، نظراً لقدرات المقاومة في لبنان وقوّتها المضاعَفة التي دفعته بتجربته معها أن يرى جبهتها تشكِّل خطراً عليه، بعد أن كانت أرضاً محتمَلة لضمّها اليه بمشروعه التاريخي.

يُشيع العدو أنه يستعد لحرب مع المقاومة في لبنان، لكن شاء أم أبى قراره مرتبط بأميركا مباشرة، لذا يجب طرح سؤال عمّا إذا أراد الأميركي أن يدعمه؟ وعن مدى استعداده لإمداده بالسلاح في جبهتي الجنوب والشمال بشكل متزامن؟ وهل إمكاناته التسليحية تسمح له بالاستمرار بمد "إسرائيل" بالأسلحة بهذا الزخم؟ باعتبار أن المدة طالت وأنه يُرسل السلاح الى أوكرانيا أيضاً، وهذا ما يستنزفه واقعاً.

وواقعاً، نجحت المقاومة في حرب الاستنزاف بمختلف جبهاتها، في اليمن استنزفت القوات البحرية بشكل كبير، كذلك الضربات العراقية للقواعد الأميركية، أما في جبهة جنوب لبنان فاستُنزفت "إسرائيل" وأميركا معاً، إلا أن إطالة أمد الحرب يحمل الكثير من المخاطر، إحداها أن يتخذ الأميركي قراراً بتغيير مسار الحرب أي نحو الخيار الأسوأ، باعتبار أنه حتى اللحظة لا يريد وقف إطلاق نار لأن الأهداف لم تتحقق بعد، لذا من الممكن أن يُغيِّر الأميركي تكتيكاته بشكل مختلف عن تلك التي بدأ بها الحرب على غزة.

وأمام هذا العرض الذي يشرح الواقع الأميركي و "الإسرائيلي"، وما يخططان له ويَحملانه من نيات عدوانية حيال حزب الله ومدى إمكانية تنفيذها، تؤكد المقاومة الإسلامية في لبنان جهوزيتها لأي سيناريو محتمَل، وهذا ما أرسله السيد نصرالله للأميركي و "الإسرائيلي" في أكثر من خطاب، والذي كان آخره خطابه الأخير في ذكرى القادة الشهداء، لذا إذا يراد توصيف المرحلة الحالية يقال عنها إنها معركة على تماس مع الحرب، إلا إذا...

الأكثر قراءة

سيجورنيه يُحذر: من دون رئيس لا مكان للبنان على طاولة المفاوضات الورقة الفرنسيّة لـ«اليوم التالي» قيد الإعداد حماس تؤكد: لا اتفاق من دون وقف نهائي لإطلاق النار!