اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تعتبر نسبة الإنجاب، واحدة من المؤشرات الهامة في قياس الصحة الاقتصادية والاجتماعية للبلدان، باعتبارها تعكس عادات وتوجهات الأسر والافراد في مختلف الدول. وتشير الدراسات إلى أن الأزمات النقدية قد تؤثر سلبا في كمية الخليفة، وتُحدث تراجعا فيها نتيجة لعوامل متعددة تتعلق بالظروف المعيشية والمادية للأسر.

معدل الولادات تضاءل

الى جانب ذلك، يواجه لبنان مشكلات مادية خانقة منذ عدة سنوات، حيث تسبب الشظف في اضطراب الوضع المعيشي للمواطنين، وارتفاع معدلات البطالة، وتقلبات في سعر صرف العملة المحلية، مما أدى إلى زيادة تكاليف المعيشة وتقليل قدرة الأسر على تحمل نفقات تربية الأطفال.

انقباض الذرية

وفي الإطار، يرجع خبراء في مجال الطب النسائي وعلم الاجتماع أسباب خفض النسل الى عدة عوامل، من أهمها:

- انهيار الدخل وارتفاع التكاليف: أدى هبوط الدخل الحقيقي للأسر، وارتفاع اجرة المعيشة إلى انكفاء في نسبة الولادات، حيث تعتبر مصاريف تربية الأولاد وتأمين احتياجاتهم الأساسية، عبئا ماليا ثقيلاً على اكتاف الاهل.

- انعدام الاستقرار الاقتصادي: يزيد تفاقم الأزمة النقدية من مستويات عدم اليقين الاقتصادي لدى العائلات، مما يجعلها تتردد في اتخاذ قرارات بإنجاب المزيد من العيال.

- انحطاط الخدمات الاجتماعية: ان تدهور الرعاية الاجتماعية الأساسية مثل الصحة والتعليم، له تأثير سلبي في تصميم الأسر في عدم الإنجاب.

الأرقام والإحصائيات مخيفة!

الى جانب ذلك، بيّنت تقارير منظمة الأمم المتحدة، ان نسبة التوالد في لبنان قد شهدت انخفاضا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة نتيجة للأزمة الاقتصادية. وبحسب تقديرات جهات محلية، فإن معدل الخليفة على الصعيد المحلي قد انخفض إلى أدنى مستوياته خلال العقد الماضي، حيث تراجع إلى ما دون مستوى الإنجاب البديل، الذي يعتبر ضروريا لتجنب تقليص حجم السكان.

إشارة الى ان تباطؤ نسبة التناسل يعكس سطوة الأزمة المالية الخانقة على الحياة الاجتماعية للمواطنين، ويشير إلى لزوم اتخاذ إجراءات عاجلة لتخفيف الضغوط الاقتصادية عن الأسر، وتحسين الظروف المعيشية، لتشجيع التكاثر وضمان استقرار معدل النمو السكاني في المستقبل.

أسباب ساهمت في انحسار النسل

فوق ذلك، ارتفعت نسبة البطالة بين الشباب في لبنان بشكل حاد في السنوات الأخيرة، بمقدار يتراوح بين 30 الى 40% ، نتيجة للمشكلات النقدية المستمرة، والتي اشتدت بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19. ويعتبر الشباب هم الأكثر تأثرا بارتفاع معدلات البطالة ، نظرا لأنهم يمثلون نسبة كبرى من القوى العاملة.

في موازاة ذلك، كشف تقرير لمنظمة العمل الدولية، عن ان نسبة العاطلين من العمل بين اليافعين في لبنان كانت تزيد عن 30% قبل اندلاع الأزمة الاقتصادية، لكن من المرجح أنها ارتفعت بشكل كبير منذ ذلك الحين. وتتسم البطالة الشبابية بأنها ذات طابع هيكلي، حيث يكون المعدل أعلى بين الخريجين الجدد والشباب ذوي المهارات الضعيفة.

العمر الرسمي للنكاح!

على مقلب آخر متصل، وفي ظل الأزمة الاقتصادية وتوسع دائرة الشظف وتعاظم الظروف المعيشية القاسية، هناك اتجاه عام نحو تأخير الزواج والارتباط الرسمي بين الشباب في لبنان. يعود ذلك جزئيا إلى العوامل المتصلة بالسيولة، التي تجعل من الصعب على الأفراد تحمّل تكلفة الزواج وتأمين حياة مستقرة. وبالرغم من عدم وجود بيانات دقيقة حول معدل العمر للارتباط في لبنان بعد الأزمة الاقتصادية، الا ان الاتجاه العام يشير إلى أن هناك تأخيرا في الاقتران. ومن الملاحظ أيضا أن هناك زيادة في الطلب على الزواج المدني بدلاً من الديني في لبنان، وهو مؤشر على تغير في الاتجاهات الاجتماعية نحو التأهل والقران.

لذلك، يعكس تضخم معدلات البطالة بين البالغين وتأخير الاتصال والعرس الرسمي في لبنان، للظروف الاقتصادية والاجتماعية العسيرة والحرجة التي يواجهها الشباب، والتي تشير إلى أهمية تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، لتشجيع الاستقرار والتنمية الإيجابية في المجتمع.

الرجال يرفضون فكرة الانجاب

في سياق متصل، قالت الطبيبة النسائية المتخصصة في التوليد والجراحة حوراء كامل الاعرج لـ "الديار" ان "نسبة الحمل تدنت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ ومقلق، نتيجة للأوضاع الاقتصادية. ومن خلال عملي لاحظت ان الرجال الذين لطالما كانوا هم من يحبون الانجاب، باتوا لا يرغبون في ذلك، بحيث ان الادوار انقلبت والأمور تبدلت، والنساء بتن هنّ من يسعين الى الحبل". اضافت "طبعا لان الرجل يقيم الوضع المعيشي ويستشعر الأعباء المادية التي قد تتراكم فوق كاهليه، حتى بات متوسط الانجاب بشكل عام يتراوح بين ولد او اثنين وكحد اقصى قد يصل الى ثلاثة".

إشارة الى ان نسبة الانجاب بين النازحين السوريين في لبنان بلغت في العام 2019 حوالي 2.7% ، وذلك وفق تقرير أعدته منظمة الأمم المتحدة للطفولة. لكن النشرة الاحصائية على موقع وزارة الصحة الرسمي تشير إلى إن الوزارة بدأت تسجيل ولادات اللاجئين منذ عام 2012 . وفي سنة 2021 سجل في لبنان 100 ألف ولادة، 40% منها تعود لسوريين. وفي هذا المجال، كشفت مصادر طبية لـ "الديار" عن ان مئات الولادات التي تحصل يومياً خارج المستشفيات، لا تدخل سجلات الجدول خصوصا بعد عام 2019".

واضافت المصادر انه "اثناء الأربع سنوات المنصرمة هناك ازواج قرروا وقف الانجاب، ولو ان هذا الامر بدأ بالتحسن ابان الفترة الماضية، وهناك فئة باتت مقتنعة ان توليد طفل واحد وتربيته بطريقة سليمة وتوفير كامل احتياجاته وتأمين علمه في المستقبل، يبقى أفضل من إنجاب اثنين في مثل هذه الأوضاع المعيشية القاسية".

نسب الانفصال "تحلّق"

وقالت: "بالرغم من نسب الطلاق المرتفعة، يوجد فئة قررت الارتباط من جديد، وهذه الحالة غالبا ما تحدث في سن الـ 30. الا ان اللافت في كل ما تقدم والخطر في آن معا، هو ان معدل الإصابة بالعقم تعاظم بشكل رهيب، واحتدّت نسبة اجراء الـ "IVF" او ما يعرف بأطفال الانبوب، حيث تؤخذ البويضة مباشرة من المبيض وتلقح بواسطة الحيوانات المنوية في المختبر، ثم تزرع في رحم الزوجة. وهناك اشخاص يعانون من نقص في مخزون المبيض أي "AMH"، ويبحث هذا الاختبار في قياس مستوى الهرمون المضاد المولر "AMH"، الذي يتم انتاجه في الخلايا التناسلية، وتنتجه خلايا الخصيتين لدى الذكور وخلايا المبيض لدى الاناث".

وربطت الاعرج "هذه الأسباب بسوء التغذية وتدخين النرجيلة، الى جانب العوامل البيئية والاقتصادية والغذاء غير الجيد".

الأكثر قراءة

اكثر من حجمه