اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لا احد يظن أن واشنطن تتعامل مع البلدان العربية فقط كدمى على رقعة الشطرنج. هكذا تتعامل أيضاً مع البلدان الأوروبية. عندنا استنزاف مروّع للثروات وللأزمنة، وعندهم استنزاف مروّع للامكانات وللسياسات. لكن من يعتبرون أنفسهم آلهة القرن، يرون أن الاحتواء الكامل للقارة العجوز يقتضي ازاحة فلاديمير بوتين، على أن يحل محله رجل مثل فولوديمير زيلينسكي بشخصية الرسوم المتحركة، أو مثل بوريس يلتسين الذي كان يتدحرج مثل برميل الفودكا في قاعة القديسة كاترين.

من هنا استدراج القيصر الى المتاهة الأوكرانية، بعدما وضعوا الاطار الخاص بالحاق كييف بحلف الأطلسي، ونصب الصواريخ على أسوار الكرملين، دون أن يتوقع أن تعيد القوة الروسية تشكيل نفسها على الأرض، كما لاحظ جيفري غولدبرغ في مجلة "أطلانطيك". قال "حين تغتسل الدببة القطبية بالنيران"، لتنبعث القومية الروسية بكل وهجها، مع التكيف المثير مع تبعات الحصار الاقتصادي، والى حد انتعاش القطاعات الصناعية والزراعية على نحو مثير.

منذ انزال النورماندي عام 1944، أو منذ مشروع مارشال عام 1947، والبيت الأبيض ينظر الى أوروبا كمحظية أميركية (ستيف بانون نقل عن دونالد ترامب وصفه لها بـ"العشيقة الشمطاء")، حتى اذا حاولت بريطانيا أنتوني ايدن، وفرنسا غي موليه عام 1956، استعادة بعض البريق الأمبراطوري بتحطيم جمال عبد الناصر على ضفاف السويس، كانت الضربة الأميركية القاضية. محمد حسنين هيكل رأى تاج الملكة يتدحرج عند قدمي دوايت ايزنهاور.

منذ ذلك الحين، والأوروبيون لا يستطيعون حتى ارسال راقصة الى الشرق الأوسط الا بضوء أخضر أميركي. هكذا انتهى شارل ديغول وفرنسوا ميتران، حين رفعا الصوت في وجه البيت الأبيض، ليبدو ايمانويل ماكرون أميركياً أكثر من الأميركيين، ان في الملف الايراني أو في الملف الروسي، دون أن ننسى دوره في سوريا، ما حمل مارين لوبن على القول "لم يعد ينقص رئيس فرنسا سوى أن يأمر برفع العلم الأميركي على الاليزيه".

سألت أيضاً "أما من مكان لأوروبا بين أميركا والصين حين تكون حلبة الصراع جاهزة لاستضافة الثيران"؟

ببراعة، عرف الأميركيون كيف يبعثرون اليمين واليسار في فرنسا، بعدما تحولت الايديولوجيات الى ظواهر كاريكاتورية لا تدري اذا كانت تثير الشفقة أم تثير السخرية. جان ـ لوك ميلانشون، زعيم حزب "فرنسا الأبية"، اذ تحدث عن "ثقافة العار" سأل اذا كان ماكرون قد نقل رفات بونابرت الى حديقة البيت الأبيض.

اليمين (أي يمين ؟) في أوروبا يزحف نحو السلطة. لعلنا نرى مارين لوبن في الاليزيه، أو أي رجل يشبه أدولف هتلر في قصر شارمبورغ، أو أي رجل يشبه فرنشيسكو فرنكو في قصر مونكلوا، بعدما استقرت جورجيا ميلوني في قصر بلازوكيجي.

الرئيس الفرنسي الأشد غيظاً من نتائج الانتخابات، يراهن الآن على لم شمل كل المعارضين لليمين المتطرف، والا لن يتردد في الاستقالة حتى لا يبقى جثة هامدة في الاليزيه، وهو الذي حذر من صدامات دموية قد تتحول الى حرب أهلية. الفيلسوف الفرنسي ادغار موران رأى أنه "ينتقل من حفرة الى حفرة، ليسقط أخيراً في الحفرة الكبرى"، كونه "أجاز للكاوبوي أن يمتطي ظهورنا".

ولكن ماذا اذا وصلت مارين لوبن الى الاليزيه؟ شرق أوسطياً قدم في دمشق وقدم في الاليزيه، حتى اذا فتحت ملف المهاجرين انفجرت القنبلة في الخاصرة الفرنسية، مع التذكير بأنها تعشق المهاجرين اللبنانيين، تعتبر أنهم بديناميكيتهم وكفاءانهم أضافوا الكثير الى الروح الفرنسية (ليتهم يضيفون شيئاً الى الروح اللبنانية).

أوليفييه روا، الكاتب السياسي البارز، دعا الى اعادة النظر في سياساتنا مع العالم، بعدما "بدأنا نشعر بالاختناق ونحن ندور في الدوامة الأميركية، والتي قد تقودنا الى أجواء الجمهورية الرابعة"، حيث بلغت فرنسا حالة من الاهتراء ومن التردي السياسي، الذي ينذر بالصدامات الدموية. فجأة ظهر شارل ديغول "لكأنه مبعوث من الله".

لا ندري لماذا يلوذ المفكر ريجيس دوبريه بالصمت، مع أنه وصف ماكرون، ومنذ الأيام الأولى، بـ"رئيس أميركي على فرنسا". قال "ان الرجل يقرع أجراس النهاية". ماكرون وأمامه لعبة الروليت الروسية... 

الأكثر قراءة

مُراقصة المستحيل في جنوب لبنان