اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لبنان ولد بأيدي المسيحيين، هل يموت بأيدي المسلمين ؟ سؤال ما بين الظل والضوء. ولكن أي مسيحيين الآن (ودائماً) وقد تفرقوا أيدي سبأ، وأي مسلمين الآن (ودائماً) وهم يختلفون حتى في رؤية الهلال، بعدما أصبح القمر، والى حد ما كوكبنا، محظية أميركية ؟

أي مسيجيين حين يأكل بعضهم بعضا، وحين يتبارون في التأجيج الطائفي. نسوا أنهم من استحدثوا هذا البلد الجميل، ومضوا به الى الحداثة، قبل أن تأخذهم ثقافة القرون الوسطى، كطريق الى الاندثار، وهم الذين ينبغي أن يتمحور دورهم على انقاذ لبنان، واللبنانيين، لا الأخذ بمنطق الغيتو كنسخة دموية عن الزنزانة.

أي مسلمين حين يتربص بعضهم ببعض، وحين يكون هناك من يحفرون الخنادق بأظافرهم في استعادة مروعة للقرون الغابرة، كما لو أننا لم نحوّل التاريخ الى مستودع للكراهيات، والى مستودع للعصبيات، لنعود الى ما قاله لنا المستشرق جاك بيرك "ان التاريخ عندكم، بكل فظاعاته لا بكل لآلئه، حل محل الله".

مضحك الكلام عن أن المسيحيين (الموارنة تحديداً) وحدهم من يحولون، بتبعثرهم، دون انتخاب رئيس للجمهورية. كلنا، بتبعيتنا للآخرين، وبامتثالنا التوتاليتارية السياسية، والتوتاليتارية الطائفية، مسؤولون عن ذاك الفراغ الذي أبعد من أن يكون فراغ القصر الجمهوري، فراغ الجمهورية.

كثيرون يرون أن أزمة الموارنة في غياب الزعامات التاريخية، وقد حلت محلها الزعامات الطارئة. أزمة الدور أم الأزمة الوجودية التي تستدعي اعادة النظر ان في الزعامات، بأدائها الببغائي، أو في السياسات ؟ لا الفديرالية هي الحل، ولا المقاربات الفوقية في النظر الى الآخر، وهي مقاربات توراتية، لا علاقة لها بالانجيل، ليتوقف الرقص بين الصومعة والمقبرة !

ولكن حين قرأنا كتاب "الشرخ / من مار مارون الى الفراغ" للأستاذ أنطوان فرنسيس، وهو ابن قنوبين، كحاضرة تاريخية، ولاهوتية، للطائفة، لاحظنا أن الموارنة، كرسوا منذ ولادتهم، وسط هذا الشرق المعقد، ثقافة الشقاق والانشقاق، وهي حال أي طائفة أخرى.

اذا أخذنا بنظرية المؤرخ، والفيلسوف، الروماني ميرسيا انياد (صاحب "تاريخ الأديان")، بكون الأديان ظاهرة ضائعة بين مقتضيات الواقع، ومقتضيات الغيب، و "تحمل في ثناياها ديناميات الانفجار"، أو "ديناميات التقهقر"، نرى أن الانفجار حدث داخل الطائفة المارونية حتى أثناء جنازة مار مارون.

عمل يستحق القراءة، وأكثر من القراءة، لثرائه ووثائقيته. وفي هذه الزاوية يستند الى كتاب الأسقف تيودوروتس "أصفياء الله"، (ما بين عامي 440 و 445 م). القديس لم يكتف بـ "شفاء الأجساد السقيمة فحسب، بل كان يوفر للنفوس العليلة العناية الملائمة. يشفي البعض من الأهواء المتطرفة (وكم نحتاج الى ذلك الآن ؟)، ويبعد البعض الآخر عن النزعات العدائية، ويهدي الى فضيلة العفة، ويعلّم العدالة، ويصلح شواذ السلوك".

مار مارون توفي "اثر مرض ألمّ به لفترة قصيرة... ويجدر القول انه حصل نزاع عظيم على جسده الطاهر بين القرى المجاورة لمنسكه، لرغبة كل مجموعة في الاحتفاظ برفاته. وفي النهاية، هجم أهل بلدة مجاورة كثيرة السكان وأعداد كثيفة، فطردوا الجماعات الأخرى، واستحوذوا على الكنز الثمين، ومن ثم ابتنوا لجثمان الناسك القديس ضريحاً كبيراً، وما زالوا يجنون من وجوده النفع العظيم، ويكرمون ذكراه بعيد حافل... ".

هنا يلاحظ فرنسيس بروز خطين متوازيين في الجنازة، وهما "يتناقضان مع السيرة التقشفية للقديس، ودعوته الى الزهد. والتسامح، والعدالة، واصلاح "شواذ السلوك". الخط الأول، العنف الذي تجسد باختلاف مجموعة المشيعين، أو "جماعة مارون"، فيما بينهم. الخط الثاني، المنفعة التي جناها الذي ظفروا بـ "الكنز الثمين" بقوة الغلبة". لا بقوة العقل، ولا بقوة الايمان.

في رأي فرنسيس، "هذان الحدثان تكررا، بشكل متواصل في تاريخ الجماعة المارونية، ليكون العنف، وليكون استخدام القوة دائماً وسيلة لحل المشاكل داخلها".

على ذلك النحو المرير، تلقي الأزمنة، بوحولها، في وجهنا. لكأن ما كتب من 1600 عام كتب اليوم. لبنانياً، الخطان المتوازيان لدى سائر الطوائف التي تحمل في ثناياها ديناميات انفجارها، وانفجار البلد الذي تقيم فيه. هنا بلوانا... 

الأكثر قراءة

بطة عرجاء لتسوية عرجاء