اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لاحظوا كيف يتعامل الأميركيون مع الايرانيين، وكيف يتعامل الايرانيون مع الأميركيين. قد يكون العرب الوحيدين في هذا القرن الذبن لا يعملون فقط لحساب أميركا، بل انهم يفتحون لها أبواب قصورهم، وأبواب خزائنهم، لتستنزفهم حتى العظم. لا تكتفي بالحيلولة دون أي دولة عربية والتحول الى دولة اقليمية فاعلة، كما تركيا وايران. بتصنيعها الصراعات العبثية، وادارتها، جعلت من دول عربية... الحطام!

هذا مقابل ما تقدمه لاسرائيل. ثمة بند مقدس في الموازنة السنوية للولايات المتحدة، ويختص بمساعدتها، لنرى ما يفعله البيت الأبيض، وما يفعله الكونغرس، وما يفعله البنتاغون، لدى نشوب أي حرب تكون الدولة العبرية طرفاً فيها. لا نغفل مدى التعاون الأميركي ـ الاسرائيلي في المجال التكنولوجي، وما بعد التكنولوجي. السناتور جون ماكين وصف اسرائيل بـ"الابنة الكبرى لأميركا".

... حتى قيل ان حرب غزة هزت أميركا أكثر مما هزت اسرائيل، ولكن ليتبين للادارة أن "جنون نتنياهو"، لا "جنون آيات الله"، كما دأبت واشنطن على القول، هو من يهدد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.

ربما كان الأميركيون أكثر من تفاجأوا بتلك الأصوات التي ارتفعت بين صقور الائتلاف بـ "اننا نقاتل، ونقتل، من أجل أميركا، وهي لاتقدم لنا سوى الفتات باعتبارنا حراساً لمصالحها، وأداة في يدها. ولو كان بقاؤنا يعنيها لآزرتنا في تنظيف أرض الميعاد من الألغام البشرية التي لا بد أن تنفجر بنا، وبأطفالنا، في أي لحظة...".

اسرائيل هي الدولة الحليفة الوحيدة التي تقفل ابواب الترسانة النووية في وجه الأميركيين. لنتذكر ما حلّ بجون كنيدي حين قرر ايفاد بعثة تفتيش الى اسرائيل. والمؤكد أن هناك علماء أميركيين (يهود) تطوعوا للمشاركة في تطوير التقنيات الخاصة بالرؤوس النووية الاسرائيلية.

على رؤوس الحراب قال ايتامار بن غفير "نحن أحصنة الهيكل لا أحصنة البيت الأبيض". لكن أركان الاستبلشمانت (بمن فيهم اليهود) يعتبرون أنه لو حولت اسرائيل غزة الى ركام ـ وقد حولتها فعلاً ـ المشكلة ليست في جدران المنازل أو في الأبراج، التي تهدمت، وانما في الفلسطينيين الذين اذا كان هناك من مجال لاقتلاعهم من أرض آبائهم، لا مجال لاقتلاعهم من أرض الواقع.

الأزمة الأميركية ـ الاسرائيلية "أزمة القرن". هكذا يراها أركان الاستبلشمانت، ومن الحزبين. الحرب الدائرة حالياً مثلما زعزعت الدولة الاسرائيلية، زعزعت الدور الاسرائيلي، دون أن يكون بالامكان اعادة عقارب الساعة الى الوراء. اسرائيل لم تعد، ولن تعود، اسرائيل.

التقارير الأميركية لا تتحدث عن بلبلة، وانما عن اضطرابات بنيوية داخل المؤسسة العسكرية الاسرائيلية. جنرالات، وجنود، يتهمون القيادة السياسية، بالنزعة الهيستيرية الى السلطة، ولا شيء سوى السلطة، بأنها "زجت بنا في ذاك الجحيم..".

التقارير تذهب الى حد الكلام عن "انكسار ما في الروح العسكرية للجيش الاسرائيلي. من يعرف طبيعة العلاقات العسكرية بين واشنطن وتل أبيب، يعرف أن الجيش الاسرائيلي جيش أميركي بصورة أو بأخرى، وهو يرفض أي اختلال في العلاقات بين البلدين، وان كان بنيامين نتنياهو قد نجح في تعيين وزير للدفاع (يوآف غالانت) ورئيس للأركان (هرتسي هاليفي) يدينان له، شخصياً، بالولاء. وهذه فضيحة تمنع الرقابة العسكرية من التطرق اليها من قريب أو بعيد.

لا يستطيع العرب الذين قال فيهم القرآن "وكنتم خير أمة أخرجت للناس..." الا أن يكونوا ظلاً لأميركا. ولا يستطيع الاسرائيليون الذين وصفتهم التوراة بـ"شعب الله المختار" الا أن يكونوا ظلاً ليهوه. حتى أن الانجيليين الصهيونيين يرون في أميركا امتداداً لاهوتيا لأرض الميعاد.

ليست أزمة جو بايدن، ولا أي رئيس أميركي آخر، مع بنيامين نتنياهو. انها أزمة أميركا مع اسرائيل. الفلسطينيون ليسوا الهنود الحمر، كما أن القرن الحادي والعشرين لا يمكن أن يكون قرن العبودية. ثمة تفاعلات أخلاقية لدى الرأي العام الغربي. لم تعد اسرائيل لا بالظاهرة الالهية، ولا بالمعجزة الالهية، كما وصفها حاييم وايزمان. كثيرون بدأوا ينظرون اليها كونها "الظاهرة التي سقطت، للتو، من مؤخرة الشيطان".

ما دام هناك فلسطيني يقف على قدميه، سواء كان يحمل حجرأ بيده، أو كان يحمل جثة طفله بين يديه. من هاتين القدمين تبدأ نهاية اسرائيل...