لا تنفع سياسة المحدلة والشطب والعزل في لبنان ، وان غلفت بثوب بناء الدولة وكل المفردات الملحقة بها . فاذا كان لبنان يفتح صفحة جديدة بعد انتخاب الرئيس جوزاف عون ، على اللبنانيين جميعًا بطوائفهم وقواهم السياسية واحزابهم وتجمعاتهم، ان يستدركوا حقيقة اساسية ان الادوات والوسائل الطائفية لا تصنع دولة مدنية على طريق المدينة الفاضلة .
الاسئلة المتداولة اليوم كثيرة حول ما الذي جاء بنواف سلام واطاح بميقاتي في اللحظة الاخيرة؟ وما الذي جعل الاستشارات النيابية الملزمة تتحول الى هذا المسار المستجد مع خطوط الفجر ؟ هل صحيح ان ما جرى هو مجرد تفاهمات سياسية داخلية، حيكت بعناية وترجمت بين ليلة وضحاها واطاحت بتفاهم الابقاء على ميقاتي ؟ ام ان الذي حصل جاء بتدبير متقن لاصحاب اللعبة والسطوة الخارجية، الذين يريدون ان يصوروا ان مرحلة فكرة المقاومة انتهت وجاء عصر سويسرا الشرق ؟ بعد ان انكشفت اوراق ما حصل يوم الاثنين وبرز نواف سلام اسما كاسحا لامعا ممهورا بتوقيع ٨٤ نائبا ، سارع البعض افرادا وجماعات الى التباري حول من اطلق فكرة المجيء به ، وتبنوا المنشأ والولادة معا .
تكثر الروايات والحكايات ، منها ما هو مصطنع وركيك ، ومنها ما هو مشبوك بعناية مسرحية.
لا احد في لبنان ينكر ان تفاهما بقيت خيوط ترتيبه مستمرة حتى اللحظة الاخيرة ، ادى الى انتخاب الرئيس عون باغلبية نيابية عارمة بلغت ٩٩ صوتا ، وبميثاقية مكتملة . وهذا التفاهم انطلق من نقطة اساسية مبنية على التوافق، الذي طالما اكد عليه الرئيس بري قبل وخلال وبعد الانتخاب . تفاهم موقع باحرف داخلية وخارجية يضمن تنفيذ وقف اطلاق النار والقرار ١٧٠١ وانسحاب العدو من كل الاراضي اللبنانية في مهلة الـ٦٠ يوما ، واعادة اعمار ما هدمته الحرب "الاسرائيلية" الهمجية ، وتشكيل حكومة منسجمة مع الاجواء التي اتت بالرئيس عون، الذي لم يتوان عن التصريح بتشكيل الحكومة في اسرع وقت ممكن وبسلاسة، لان هناك فرصا كبيرة تنتظرنا .
كان واضحا ان هذا التفاهم حول الرئيس، يفترض ان يكون عبد الطريق لمرحلة التكليف والتأليف في مناخ التوافق والاجماع ، لا سيما ان اللقاءات والاجواء التي جرت سابقا تناولت موضوع الحكومة الجامعة خارج منطق الاستفراد والاقصاء، او التحييد او الاحراج للاخراج .
قبل الحديث عما جرى ليل الاحد وفجر الاثنين ، يؤكد مصدر مطلع ان التفاهم على اعادة تسمية ميقاتي حضر على اعلى مستويات ، وان الخارج شهد عليه مباشرة ، لذلك استوحت معظم الكتل هذا المناخ وبنت مواقفها عليه، قبل ان تعدلها مع ساعات الفجر والصباح الاولى في ما يشبه الانقلاب .
منذ فترة غير قصيرة قام ميقاتي بحركة جس نبض واسعة في الخارج ومع عواصم القرار، لمعرفة اجواء وفرص عودته لترؤس الحكومة الجديدة ، وارفق ذلك بحركة داخلية ناشطة لذات الغرض . ولمس مناخا طيبا ، وسمع كلاما مشجعا ، خصوصا في ضوء المواقف الاخيرة التي اتخذها قبل وخلال وبعد اعلان وقف النار .
في جولاته في الخارج سمع ميقاتي ثناء على مواقفه هذه ، ولم يسمع من المسؤولين السعوديين اي تحفظ او فيتو عليه ، وهذا ما شجعه اكثر واعتبره اشارة جيدة بالضوء الاخضر .
الاميركيون حيدوا انفسهم عن التسمية الصريحة ، لكنهم لم يطرحوا اسما بديلا، ولم يدخلوا في لعبة التسمية ، واوهموا من سمعهم ان التسمية ليست عندهم ، موحين ان المساعدة يمكن ان تكون عبر السعودي والفرنسي .
وفي المعلومات التي نقلها غير مصدر ، ان باريس ايدت اعادة تسمية ميقاتي، وبحثت الامر مع السعوديين الذين يملكون سر ما جرى . كما ان الاتراك شجعوا ميقاتي ، وربما تكون استشارتهم دعسة ناقصة، وغلطة الشاطر بنظر اصحاب الفك والربط .
وفي المساحة الداخلية اخذ ميقاتي وعودا من اكثرية نيابية موصوفة كتلا وافرادا ، من السنة قبل الآخرين بانهم سيكونون الى جانبه، بعد الذي سمعوه من معلومات واجواء ومواقف .
ووعد النائب السابق وليد جنبلاط الذي تربطه بميقاتي علاقة جيدة للغاية بان يؤيده ، وابلغ ذلك ايضا الى الرئيس بري. وابلغ عدد غير قليل من النواب المسيحيين ميقاتي انهم ينوون تسميته مرة اخرى ، ولن يترددوا في هذا القرار .
وكان من الطبيعي ان يؤيد ويدعم الثنائي الشيعي هذا الخيار المدعوم بالمناخ الايجابي، لاعتبارات عديدة تنطلق من التجربة معه، لا سيما في الحكومة المنصرفة خلال العدوان "الاسرائيلي" ، ومن المناخ الذي تجمع حوله الذي يتماشى مع فكرة التوافق .
نام ميقاتي على حرير هذه الاجواء ، رغم توجسه من الاجتماع الثاني للمعارضة ليل الاحد ، مستندا الى حسابات رقمية وشفوية ووعود الى حدود الالتزام . لكن ما جرى قبل منتصف ليل الاحد وفجر الاثنين قلب الامور رأسا على عقب وحصل الانقلاب .
في المعلومات المسنودة إلى وقائع ومصادر مطلعة ، بقيت المعارضة برئاسة سمير جعجع متمسكة بترشيح فؤاد مخزومي، في ضوء اجتماعها الاول الذي عقد مساء السبت الماضي ، لكنها شعرت ان هناك اجواء بدأت تتجمع الاحد بقوة لصالح نواف سلام توفر له الفوز بالتسمية ، فاضطرت الى تحديد اجتماع آخر ليل الاحد لمراجعة ودرس موقفها . وقيل ان الاجتماع ساده نقاش مستفيض ، وتمسك العديد من المجتمعين بمخزومي، ولوحوا بانهم سيصوتون له في كل الاحوال . لكن القرار النهائي اتخذ بعد منتصف الليل وحذف اسم مخزومي لصالح سلام .
ماذا حصل بين الساعة ١٢ والساعة ٢ فجرا ؟
وفق المعلومات المتوافرة ان اتصالات مكثفة لم تنقطع جرت قبل وبعد زيارة السفير وليد البخاري للمملكة . وان فكرة تسمية سلام حسمت بعدها ، بعد ان لمس الجميع ان مخزومي غير سالك، وان ميقاتي لا يحظى بتزكية السعودية . هل هي كلمة سر سعودية ام انها مجرد توارد افكار محلية ؟ ان فكرة تسمية سلام لم تأت من ابحاث ومشاورات موسعة، بقدر ما كانت حاضرة في حسابات لعبة رئاسة الحكومة، بعد ان جرى تجاوز انتخاب الرئيس عون . هذه هي الحقيقة التي تتجاوز الحكايات الدونكيشوتية الممجوجة التي نسمعها على لسان افراد وجماعات . وهي حقيقة ان الثنائي الشيعي التزم بتفاهم ولم يفكر بانه ذاهب الى معركة في التكليف ، لا بل انه كان مرتاحا لاجواء تفاهم رئاسة الجمهورية وآثاره المفترضة .
وفي المعلومات المثبتة ، ان فكرة رمي اسم سلام جاءت اولا صباح السبت على لسان مروان حمادة، في حديث اذاعي بعنوان موقف شخصي . وقد فوجىء نواب "اللقاء الديموقراطي" بالتسمية ، وابلغوا من اتصل بهم ان الزميل حمادة يتمايز في مثل هذه المواقف، لكنه يلتزم بقرار اللقاء الذي سيعقد اجتماعه ويقرر الموقف النهائي .
واستطرادا فان ما تسرب عن اللقاء ، يفيد بان وليد جنبلاط كان ذكر بوعد ميقاتي وتأييده ، لكن نجله تيمور بعد توسيع فكرة سلام خالفه الرأي، واقترح تأييده انسجاما مع اجواء العهد الجديد وتطلعات الشباب ، واقر هذا الرأي الذي ابلغه جنبلاط الاب لميقاتي معتذرا .
في هذا الوقت بدأت تسري فكرة تعميم اسم نواف سلام في وسائل التواصل كالنار في الهشيم ، رافقها وشوشات لا سيما للنواب السنة وكتلهم، الذي سرعان ما انخرطوا في تأييد سلام وانفضوا عن ميقاتي . وابلغ بعضهم ميقاتي باستيحاء انهم يعتذرون منه، وان المصلحة تقضي بذلك .
وكان الثنائي الشيعي قد خبر صباحا ما دار بين الليل والفجر ، وصار يتحضر للنهار .
وبعيدا عن نظرية المؤامرة، فان الغرف الالكترونية والتدوينات المبرمجة نشطت بقوة، مترافقة مع سيناريو استحضار اسم نواف سلام اللامع من الخارج، دون اغفال تبني فريق عريض للفكرة .
الأكثر قراءة
-
عون: انكسار اي طرف انكسار للبنان وسلام: لا اقصاء الثنائي الشيعي يوازن بين المواقف: مشاركة مرهونة بالتوافق الوطني بيطار يُحيي ملف المرفأ وتحذيرات من «دعسة ناقصة» في توقيت حساس
-
كرة النار أمام القصر وأمام السراي
-
مَن جاء بنواف سلام وأطاح بميقاتي... وما هي حكاية سيناريو الليل والفجر ؟ كيف انقلب الملتزمون على وعودهم؟ وما هي اجواء الإشارات الخارجيّة ؟
عاجل 24/7
-
08:47
مستشار الأمن القومي لترامب: نحن بحاجة إلى مناقشة مستقبل وفعالية قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان
-
08:47
"رويترز": تيك توك تستعد لإغلاق التطبيق في أميركا الأحد المقبل
-
08:46
"هآرتس": "إسرائيل" تعد نفسها للانسحاب تدريجيا من مناطق في غزة مثل ممر نتساريم ومعبر فيلادلفيا ضمن المرحلة الأولى من الصفقة
-
08:46
"رويترز" عن مسؤول "إسرائيلي": مفاوضات صفقة التبادل وصلت إلى مرحلة حرجة رغم أن بعض التفاصيل تحتاج إلى حل
-
08:40
هاشم لـ"صوت كل لبنان": الكتلة لم تكن يومًا سلبية في تعاطيها السياسي لكن ما سبق الاستشارات من تفاهمات لم يُلتزم بها أو تم الخروج عليها دفع الكتلة إلى اتخاذ هذا الموقف وما زال هناك متسع من الوقت لإعادة صياغة التشكيل الحكومي وعندما نلمس تعاطيًا إيجابيًا وجديًا سيكون موقفنا إيجابيًا
-
08:39
عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم لـ"صوت كل لبنان": الكتلة تتجه حاليًا إلى عدم المشاركة في الاستشارات النيابية غير الملزمة لتشكيل الحكومة المقبلة وأن هذا التوجه يُسجَّل كموقف مبدئي يعكس حرص الكتلة على المساهمة في تحقيق نتائج إيجابية خصوصًا في القضايا الوطنية الكبرى