اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


إن المتأمِّل في مشهد أطراف الصراع بين محور المقاومة والمحور الأميركي- "الإسرائيلي" يجد أن هناك أطرافا رئيسية وأطراف فرعية، فمن الجانب الصهيوني الطرف الرئيسي هو الكيان نفسه، الذي يرى في هذه الحرب حرباً وجودية تُقرِّر بقاءه أو فناءه، والى جانبه كطرف رئيسي أيضاً الولايات المتحدة ودول الغرب الاستعماري، فهؤلاء يرون في الحرب تقريراً لمصير هيمنتهم ونفوذهم في المنطقة والعالم.

وعلى هامش هذا الطرف، تقف الدول العربية المطبِّعة كشريك فرعي يرتبط مصير أنظمتها بنتائج هذه الحرب، وعلى هامش الهامش وفي الدائرة اللبنانية، تتعامل الأحزاب الحليفة لأميركا والدول العربية المطبِّعة أو المتجِّهة نحو التطبيع الآمن (أي بعد تأمين ظروفه) كمقدِّمة خدمات في الصراع، من خلال إيجاد حالة توتر وقلق في الجبهة الداخلية للمقاومة أي في الداخل اللبناني ككل...

وفي المقابل، يقف محور المقاومة المتمثِّل بإيران، اليمن، سورية، المقاومة العراقية، المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية، كطرف رئيسي في الصراع، وتقف الصين وروسيا والدول المناهِضة للهيمنة الأميركية كشركاء فرعيين لمحور المقاومة.

هذا في المشهد العام للصراع، أما إذا تم تسليط الضوء على مشهد الصراع في الدائرة اللبنانية، حيث تتواجه بيئتان: بيئة طرف رئيسي وهي بيئة المقاومة، وبيئة طرف فرعي وهي البيئة الحليفة لأميركا، حيث لا يوجد توازن وتكافؤ بينهما لناحية عدم صحة المقارنة بين الرئيسي والفرعي، إلا أنها هذه هي حقيقة التوازنات في لبنان، فمن خلال معرفة طبيعة تموضع الفئتين يُمكن تفسير الظواهر التفاعلية لهما.

فرغم ما تواجهه بيئة المقاومة من تحديّات، وما تقدِّمه من تضحيات بشرية ومادية ونفسيّة على مستوى تقديم الشهداء وتدمير المنازل والنزوح والحصار الاقتصادي والهجوم الإعلامي والتآمر والتطاول على رموزها والشماتة بدماء شهدائها، تُفاجِىء الجميع بمستوى تماسكها وصبرها وامتناعها عن حرف البوصلة وتغيير خطوط التماس.

وفي المقابل، يمكن رؤية مستوى التوتر والقلق والإنفعال والتحريض في بيئة الشريك الفرعي الحليف للولايات المتحدة، رغم تجنّب قيادة المقاومة أي خطاب إستفزازي في الساحة السياسية اللبنانية، بل يتعمّد قائد المقاومة إرسال رسائل تطمينية للداخل اللبناني، حين يؤكِّد دائماً أن المقاومة لم ولن تصرف إنجازاتها أو تستثمرها بالمكاسب السياسية الداخلية... تناقض واضح بين الطرفين يدفع باتجاه طرح السؤال الاتي: كيف يمكن تفسير هذا التناقض بين البيئتين؟

في الجواب يمكن إرجاع هذه المواقف الى الدوافع الاتية:

- أولاً: الدافع الثقافي: فبيئة المقاومة لم تتربَ يوماً على ثقافة الحرب الأهلية، بل نشأت هذه البيئة على ثقافة المواجهات الكبرى وصُنع الإنجازات والحضور في الميدان، ولا تريد أن تخسر إنجازاتها التي قدّمت في سبيلها التضحيات.

في المقابل، فإن ثقافة حلفاء أميركا كانت وما زالت تتغذى على الخصومة والعداوة المحلية، وعلى الإستقطاب للهواجس الطائفية والحفاظ على الإمتيازات، بل أصل نشأة أحزاب هذه البيئة كانت في بيئة الحروب الأهلية.

- ثانياً: الدافع التاريخي: تمثِّل المظلومية في الدفاع عن الحق إرثاً تاريخياً لبيئة المقاومة، وبالتالي فإن المنتسِب الى ثقافة كربلاء يتلقّن الصبر على الأذى، كما يتغذى على قيمة التضحية، وفي طريق الجهاد لا يرى إلا جميلا.

وفي المقابل، فإن أي توهّم للخسارة في ثقافة الطرف الآخر يؤدي الى التوتر والقلق، لأن معيار الإنتصار تاريخياً عنده هو حجم المكتسبات والإمتيازات، وهو ما يخشى خسارته في الصراع الحالي.

- ثالثاً: الدافع النفسي: تقف بيئة المقاومة في موقع الدفاع عن وجودها، والطبيعة النفسية للمدافِع تقتضي الصمود والصبر والعمل على إفشال أهداف العدو، حيث لا خيارات أخرى أمام المدافِع. وما يُعزِّز توازنه النفسي هو أنه ليس معتدياً، فالمعتدي يصاب عادة بشعور التوتر والقلق، وهذا ما نشاهده في الطرف الآخر الذي لم يعلِن أحد عليه حرباً ولا تهديداً لوجوده، ولا يدفع الثمن من بيئته، إلا أنه تجنّد باختياره لخدمة أهداف مَن رهَن قراره بإرادته، وبالتالي هو لا يملك حرية القرار ولا يستطيع إدارة الصراع، ويمارس الاعتداء على أبناء وطنه دون مبرِّر أو حجة، وهذا ما يجعله قلقاً، ويمارس الفجور للتغطية على واقعه النفسي.

- رابعاً: الدافع السياسي: تتعامل بيئة المقاومة مع الحرب الحالية بخلفية الاستبشار وتحقيق النصر وكسر إرادة العدو، وهذا ما يجعلها مطمئنة للنتائج السياسية وضمان الحضور السياسي المؤثر في المعادلات الإقليمية والمحلية، بينما يخشى الطرف المقابل من فشل العدو في تحقيق أهدافه بكسر المقاومة أو إضعافها، وما يترتّب على ذلك من ضعف في قدرة الحليف الأميركي على فرض شروطه في الملفات السياسية المحلية، بل يتجاوز خوفهم إلى حدود تخلّي الراعي الأميركي عنهم، لإيجاد تسويات كبرى على حسابهم والتجارب التاريخية تؤكد هذه المخاوف.

إذاً... إن قراءة هذا المشهد تؤيّده اتجاهات الصراع الذي بلغ ذروته، وبدأ بالانخفاض التدريجي في السعي الأميركي لتطويق الخسائر والتقليل من حدّتها، وقد تلجأ في النهاية الى زيادة جرعة البروباغندا الإعلامية الهجومية، للتقليل من أهمية انتصار المقاومة والتشويش عليه، والتخفيف من آثاره السلبية في المعادلات للتقليل من حجم هزيمته. وعادة مَن يقوم بهذه المهمة الفروع التي توظّفها واشنطن خدمة لمشروعها، والتي على الأغلب تُضحِّي بها عند انتهاء مهمّتها، بحيث لا يكون لها مكان ضمن التسويات الكبرى، وهذا سبب إضافي لإزدياد قلق الفروع وأحياناً جنونهم، على عكس ثقة مَن حجزوا لأنفسهم موقعاً رئيسياً في الصراع برسم المعادلات، التي تجعل مكانهم على رأس التسويات... والأيام المقبلة كفيلة بتثبيت هذا الواقع الأكثر حقيقة عبر التجارب.

الأكثر قراءة

غزة ولبنان في القمّة العربيّة ــ الإسلاميّة اليوم في الرياض الضخ الأميركي عن تسوية تسبق عودة ترامب غير واقعي نتنياهو يتبنّى عملية «البايجرز»...وبري: عائدون!