اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

إقتصاد «الكاش» والتحاويل الى الخارج كشفت العديد من المخالفين

إعتقد العديد من اللبنانيين أن «الكاش» بين أيديهم هو الأمان المنشود، خصوصًا أنه مع عجز القطاع المصرفي عن تلبية السحوبات المتزايدة، فُقدت الثقة بالكامل في هذا القطاع، وأصبحت تعاملات «الكاش» هي الكلمة السحرية من أبسط المعاملات، مثل شراء عبوة مياه من متجر إلى عمليات كبيرة مثل شراء شقّة بمئات آلاف الدولارات مرورا بدفع الأجور، والتحاويل إلى الخارج عبر وضع الأموال «الكاش» في الحسابات بهدف تحويلها إلى حسابات خارجية، وعادة ما يتمّ تبريرها بأسباب تجارية...

عمليًا على الأرض، الكلمة الأولى والأخيرة هي لـ «الكاش». من هذا المنطلق، ظّن اللبناني أنه استطاع التخلّص من الأزمة (بالطبع لم ينس الودائع)، لكن مدخوله أصبح بـ «الكاش» والدفع أيضًا بـ «الكاش». هذا الأمر أعطى انطباعًا بأن كل شيءٍ على ما يُرام! حتى ان تصريحات بعض المسؤولين تذهب في هذا الاتجاه، لكن الحقيقة هي في مكان آخر.

التعامل بـ «الكاش» بالحجم الذي وصل إليه في لبنان أصبح عبئاً عليه. حكومة تصريف الاعمال لا تملك أي قدرة على إعادة التعاملات إلى وضعها الطبيعي، من باب تمرير الدفع في القطاع المصرفي للتحقّق من مصدر الأموال، وهو ما تستطيع المصارف القيام به لكن ليس شركات تحويل المال أو غيرها.

التعامل بـ «الكاش» هو عبء كبير، فهو يُعرّض لبنان للمخاطر عبر وضعه على اللائحة الرمادية من جهة، ومن جهة أخرى يُعرّض المتعاملين به لعقوبات، خصوصا إذا كانت الأحجام التي يتعاملون بها كبيرة، تفوق حجم أعمالهم المعتاد.

على صعيد اللائحة الرمادية، تقول مصادر مطّلعة لـ «الديار» ان الضغوطات الغربية (أميركية وأوروبية بالدرجة الأولى) زادت كثيرا على لبنان، ويجب وضعِ حدٍ لهذه «المهزلة»، من باب إعادة هيكلة القطاع المصرفي ومحاربة اقتصاد «الكاش». وتقول المصادر ان هناك شبه تأكيد أن لبنان سيوضع على اللائحة الرمادية في الأيام والأسابيع المقبلة، بحكم أن حجم عمليات «الكاش» التي أصبحت كبيرة، لدرجة أنه يصعب على الدول التي تريد مساعدة لبنان (مع شعور بالندم على التضييق على القطاع المصرفي مما أعطى نتائج عكسية) الدفاع عنه في المحافل الدولية. وبالتالي يتمّ العمل على إيجاد صيغة تنصّ على إعادة هيكلة القطاع المصرفي، بغض النظر عن الوضع السياسي والأمني، وذلك من باب إيجاد حل وسطي بين رفض صندوق النقد الدولي إقراض دولة بدين عام يفوق الـ 500% . وبالتالي يُطالب بشطب الدين العام أو أقلّه قسم كبير منه، وبين قرار مجلس شورى الدولة الذي أبّطل قرار الحكومة بشطب دينها، بحكم أن هذا الدين هو من أموال المودعين، وبالتالي فهو مخالف للدستور. إلا أنه وبحسب المعلومات، لم يتوصل المعنيون حتى الساعة إلى نتائج ملموسة يمكن ترجمتها بإجراءات محدّدة.

أمّا على صعيد العقوبات، فتؤكّد المصادر أن رزمة جديدة من العقوبات آتية في المرحلة المقبلة، وستشمل العديد من الشركات العاملة في لبنان، بالإضافة إلى رجال أعمال وأشخاص يتعاطون بـ «الكاش» بأحجام كبيرة، وجمّعيات خيرية وغير خيرية تتلقّى أموالًا نقدية من مصادر يصعب تحديدها.

وبالسؤال عن المعايير المعتمدة في وضع العقوبات، تقول المصادر ان السلطات الأميركية والأوروبية بالدرجة الأولى انكبّت على تجميع أدلّة عن الكيانات والأشخاص المشبوهين، وهي لن تضع أي شخص على لائحة العقوبات، إذا لم يكن هناك من أدلّة دامغة عن ضلوع هذه الكيانات وهؤلاء الأشخاص بعمليات مشبوهة، خصوصا أن بإمكانهم ملاحقة الدول أمام المحاكم في حال ثبُت العكس.

وعن نوع العقوبات التي ستتناول هؤلاء، قالت المصادر ان العقوبات ستكون عقوبات بتهمة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والفساد، وهي ستؤدّي إلى تجميد أصول الكيانات والأفراد في الخارج (معظمها موجود في أوروبا)، وسيتم منع الأشخاص من السفر إلى العديد من الدول في العالم.

هل ستتناول العقوبات كيانات حكومية، خصوصا أن بعض مؤسسات الدولة تتعامل حصريا بـ «الكاش»؟ تستبعد المصادر أن يتم القيام بهكذا خطوة، لأسباب سياسية بالدرجة الأولى تتمثّل بالمحافظة على حدّ أدنى من شرعية الدوّلة، وعدم إضعافها أكثر أمام الأحزاب والمجتمع الدولي، ولكنها لا تستبعد فرض عقوبات على بعض القيّمين على الشأن العام بحكم عملهم.

بالمحصلة سواء صحّ هذا الأمر أم لم يصحّ، هناك واجب على الحكومة وعلى الطبقة السياسية بالإسراع في إعادة هيكلة القطاع المصرفي، على أساس المحافظة على الودائع وإعادة الثقة إلى القطاع المصرفي، وتجنيب لبنان واللبنانيين كأس اللائحة الرمادية والعقوبات. وهنا يظهر إلى العلن سيناريو قد يكون من المصلحة العامّة القيام به، ألا وهو سيناريو دخول الدولة في رأسمال المصارف. هذا الأمر قامت به الحكومة البريطانية خلال الأزمة المالية العالمية في العام 2008 حيث ضربت هذه الأخيرة المصرف الملكي الإسكوتلندي (Royal Bank of Scotland) بشكل عنيف كادت تُطيحه، وأرغمت الحكومة البريطانية على الدخول في رأسمال المصرف بنسبة 84% (45.8 مليار جنيه إسترليني). وبعد سلسلة من الإصلاحات التي شملت المصرف ونشاطاته وانتشاره الجغرافي وتنظيمه الداخلي، عاد المصرف إلى توزيع الأرباح في العام 2018. وهذا الأمر إن دلّ على شيء، يدلّ على واجب الحكومة العمل من أجل المصلحة العامّة، التي تتمثّل بالحفاظ على ودائع المودعين وتجنيب لبنان العقوبات. فكيف يكون الحال إذا كانت هي من أنفق هذا المال؟

ولتمويل هذه العملية، يمكن للحكومة أخذ قرض من أصحاب المصارف الخمسة التي سوقّت لها في خطتها الإنقاذية، ومن خلال قرض من صندوق النقد الدولي، ومن خلال إشراك بعض المصارف الخليجية في رأسمال هذه المصارف، بعد أن تكون قد أعطت ضمانة بنوعية ودقّة الإصلاحات، التي تنوي القيام بها في القطاع المصرفي.

إذًا ومما تقدّم، نرى أن الطوق يضيق على أعناق اللبنانيين، والمطلوب الإسراع في إجراء إصلاحات جوهرية تتناول المصارف والدولة (90 مؤسسة غير مجدية بحسب تقرير «لجنة المال والموازنة» – 2019، وأكثر من 100 ألف وظيفة غير قانونية في القطاع العام) وتُحفّز مناخ الاستثمارات، وتعزل لبنان عن الصراعات الإقليمية.

وهنا يُطرح السؤال: هل الحكومة الحالية قادرة على القيام بكل هذا؟ الجواب: أغلب الظنّ كلا!

الأكثر قراءة

العلويّون ضحايا العلويين