اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لا يزال ملف النازحين السوريين شغل الحكومة الشاغل، وسائر المؤسسات المرتبطة بها، لا سيما بعد تحرّك عدد من الأحزاب اللبنانية، فضلاً عن البطريركية المارونية التي تُنادي منذ سنوات بإعادتهم الى بلادهم كون لبنان لم يعد باستطاعته تحمّل المزيد من الأعباء الإقتصادية والأمنية الخطيرة جرّاء استضافته أكثر من مليونين ومئتي ألف نازح لا يملك "الداتا" الخاصّة بكلّ منهم. كما ستتمّ مناقشة "هبة المليار" في مجلس النوّاب الأربعاء المقبل في 15 أيار الجاري، لاتخاذ الموقف المناسب منها قبل المشاركة في "مؤتمر بروكسل الثامن حول مستقبل سوريا والمنطقة" في 27 الجاري في مقرّ مجلس الإتحاد الأوروبي.

مصادر سياسية مطّلعة أكّدت لجريدة "الديار" عن السعي الجدّي لإحصاء النازحين السوريين في لبنان، كون المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لم تُسلّم الأمن العام في كانون الثاني الماضي "داتا" لمليون و482 نازح سوري غير مكتملة بحجّة أنّ هؤلاء يحتاجون الى الحماية الدولية، أي أنّهم لا يستطيعون العودة الى بلادهم. وكان طلب مدير عام الأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري منذ أكثر من شهر من المفوضية تزويده بكامل المعلومات بهدف التنسيق معاً ومعرفة عدد الذين يحتاجون فعلاً الى حماية دولية. علماً بأنّ لبنان لا يُمكنه استضافتهم ومنحهم التصاريح لأنّه ليس بلد لجوء، إنما بلد عبور. واستناداً للمذكرة رقم 2003، فإنّه خلال شهرين إمّا يُقبل طلب النازح، وخلال سنة في حدّ أقصى لا بدّ من تأمين بلد ثالث له. وفي حال لم يتمّ إيجاد بلد ثالث لهم، يسقط عنه حقّ الحماية الدولية، ويعود مواطنا عادياً.

ومنذ العام 2011 حتى العام 2023، لم يتمّ إيجاد بلد ثالث سوى لمئة ألف نازح فقط من عدد النازحين السوريين المقيمين على الأراضي اللبنانية والراغبين بالهجرة الى بلد ثالث، على ما أوضحت المصادر، وهذا يعني بأنّ مفوضية اللاجئين لا تعمل مع الدول المعنية على تسهيل باب اللجوء للنازحين، إنّما تُرسلهم الى دول الخارج "بالقطّارة". في حين يحتاج المليون والـ 482 الذين تملك المفوضية "الداتا" الكاملة عنهم الى الخروج من لبنان باتجاه بلد ثالث، ما يشير الى أنّ المجتمع الأوروبي والدولي لا يتجاوب مع لبنان. في الوقت الذي نجد فيه أنّ النازحين السوريين في كلّ من تركيا والأردن قد غادروها بأعداد كبيرة خلال الفترة الماضية، إمّا الى بلد ثالث، أو عائدين الى بلادهم. أمّا الذين بقيوا ففي مخيمات عند الحدود السورية، ما يُسهّل عليهم عملية العودة النهائية. فلماذا ما يُطبّق على الدول المجاورة من قبل المجتمع الدولي لا يُطبّق على لبنان؟!

من هنا، يُبادر لبنان حالياً، وفق المصادر نفسها، الى إمساك زمام ملف النازحين بيده، من دون حاجته الى موافقة المجتمع الدولي على تأمين عودة النازحين السوريين، سيما وأنّ هؤلاء لم يسألوا أحداً عندما غادروا بلادهم ولجأوا الى لبنان. وهذا يعني أنّه سيبدأ بجمع "الداتا" عن طريق البلديات التي يبدو بعضها متحمّساً جدّاً للأمر، رغم عدم تأمين التمويل اللازم بعد لمثل هذه الحملة.. أمّا قوافل العودة التي ستبدأ يوم الثلاثاء المقبل، على أن تضمّ كلّ منها نحو ألفي نازح، فيؤمل منها خيراً هذه المرّة، من خلال اتخاذ كلّ الإجراءات اللازمة لمنع عودة هؤلاء الى لبنان، عن طريق المعابر الشرعية أو غير الشرعية، على طريقة "نخرجهم من الباب فيعودوا من الشبّاك".

وتجدر الإشارة الى أنّ الأمن العام قد أعطى المفوضية مهلة أسبوعين، تنتهي يوم الثلاثاء المقبل لتسليم "الداتا" كاملة، على نحو يتمكّن من الإستفادة منها، على ما أضافت، فضلاً عن التنسيق في ما بينه وبينها من أجل معرفة حقيقة أعداد النازحين السوريين الذين يحتاجون الى حماية دولية، والذين يُمكن ترحيلهم الى بلادهم، على غرار ما تفعل دول الجوار المضيفة للنازحين. من هنا، ثمّة إجراءات لا بدّ من أن تتضافر جهود البلديات والأحزاب والمؤسسات والشعب، لتزويد الأمن العامل بكامل المعلومات عن النازحين المقيمين في كلّ بلدة ومنطقة، بهدف العمل على ترحيل جميع النازحين الذين دخلوا الى البلاد بطرق غير شرعية، وتأمين عدم عودتهم اليه خلسة في المرحلة المقبلة، من خلال إقفال المعابر غير الشرعية. كذلك لا بدّ من إيجاد حلّ لـ 500 ألف ولادة سورية حصلت في لبنان خلال السنوات الماضية، إذ لا يُمكن للبنان منح هولاء الجنسية اللبنانية حتى لو بقيوا فيه لسنوات.

أمّا اليد العاملة السورية التي يحتاجها لبنان، والتي يتراوح عددها بين 400 و600 ألف، فيُمكن تأمين إقامتهم وعملهم، على غرار ما كان يحصل قبل النزوح. وهؤلاء لا يُشكّلون أي خطر أمني أو إقتصادي كونهم يعملون في الزراعة والبناء والنظافة، على ما ينصّ عليه القانون اللبناني ولا ينافسون اللبنانيين على مهنهم الحرّة. ولهذا، فإنّ تنظيم النزوح، ومعرفة عدد النازحين، ومتى دخل كلّ منهم الى لبنان، ومن أي منطقة سورية ولأي أسباب، وأين يسكن وما الى ذلك من معلومات خاصّة يُساهم كثيراً في فرز هؤلاء، وإعادة من يجب ترحيله، وإيجاد حلول للذين يحتاجون الى حماية دولية في أسرع وقت ممكن من خلال تأمين توطينهم في بلد ثالث، وحلّ جميع مشاكل النازحين الباقين بالطرق القانونية.

هذا وأشارت المصادر السياسية الى أنّ لبنان سيُشارك في "مؤتمر بروكسل الثامن" المرتقب، وسيشرح موقف لبنان الرسمي. كما تتحرّك الأحزاب اللبنانية لإقامة تظاهرات شعبية أمام مبنى البرلمان الأوروبي تزامناً مع اعمال المؤتمر على مستوى الوزراء للتعبير عن احتجاج الشعب اللبناني على إبقاء النازحين السوريين فيه من خلال تقديم المساعدات المالية الشهرية لهم، وعدم تسهيل هجرتهم الى بلد ثالث، في حين يُطالب لبنان بتقديم هذه المساعدات لهم بعد عودتهم الى سوريا. فضلاً عن طرح استضافة النازحين الذين لا يريدون المغادرة الى بلد ثالث، في مخيمات عند الحدود مع سوريا، تسهيلاً لعودتهم لاحقاً الى بلادهم.