اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

بين القاهرة وعمان، بالقنوات المفتوحة مع كل من واشنطن و"تل أبيب"، توقعات مثيرة حول التعقيدات الخطرة التي تحكم المشهد الاقليمي. المشكلة لم تعد في "اليوم التالي"في غزة، وانما في "اليوم التالي"في "اسرائيل".

كلام عن الفوضى الهيستيرية داخل المجلس الوزاري المصغر ("الكابينت")، حيث يبدو أن الاشتباك بالأيدي، وربما الاشتباك بالنار، أمر ممكن جداً. عجز صارخ عن اتخاذ أي قرار لا يفضي الى نتائج كارثية، سواء كان باتجاه الداخل أم باتجاه الخارج، لتفيد المعلومات عن توالي التحذيرات من البنتاغون بوجه خاص، بعدم التفكير في "العلاج النووي"، بذريعة فشل الجراحة العسكرية أو الجراحة الديبلوماسية، في القضاء على المقاومة في القطاع أو في الامساك به.

الأميركيون حذروا أيضاً من الدخول الى رفح، أو تدميرها، لآن ذلك يعني اندفاع أكثر من مليون فلسطيني نحو شبه جزيرة سيناء، ما قد يحدث تفاعلات فائقة الحساسية في مصر تتعدى تهديد مصير اتفاقية كمب ديفيد الى تداعيات كارثية على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، من البحر الأبيض المتوسط الى البحر الأحمر.

لا مجال للرهان على توقف حكومة بنيامين نتنياهو أو تراجعها عن السياسات العمياء التي لا يمكن لأحد التكهن بمدى تأثيرها في "اسرائيل"، وحتى في المنطقة. وهذا ما يشغل الادارة الأميركية التي كل ما يعنيها الآن بقاء جو بايدن في البيت الأبيض، حتى وإن كان عليه أن يجثو بين قدمي الحاخام يوسي بالتيل الذي دعا الى القاء القنبلة النووية غلى غزة لابادة أهلها. الخبراء يؤكدون أن القوة التفجيرية التي شهدها القطاع توازي، في فاعليتها التدميرية، 3 أو 4 قنابل من طراز "الصبي الصغير" التي ألقيت على هيروشيما.

وكدلالة على هشاشة الحالة العربية، وهي الحالة المستعصية، دون أن نستخدم توصيفات أكثر واقعية وأكثر اضاءة للتراجيديا الحالية، السلطات المصرية والأردنية أبلغت واشنطن بتوجسهما الكبير من انعكاسات الوضع "الاسرائيلي"، والمرشح ليكون أكثر جنوناً في المرحلة المقبلة على البلدين، وحيث النظام هنا وهناك يراهن، في صياغة سياساته (أو حتى آليات بقائه)، على اتفاقات السلام المعقودة مع الدولة العبرية، ودون أن تتلقى السلطات في البلدين أي اجابة من واشنطن يمكن أن تحد من هول الاحتمالات.

لدى كل من القاهرة وعمان تقارير استخباراتية، بما في ذلك تقارير أوروبية، حول الاحتمالات الخطرة التي تهدد الساحة "الاسرائيلية"، لتبدو الولايات المتحدة، وهي عرّابة اتفاقات السلام، والتي تتولى رعايتها، وكأنها عاجزة في الموسم الانتخابي، وربما في أي حقبة أخرى، عن اتخاذ أي قرار، أو أي خطوة، للحد من موجة الجنون التي تتحكم بالرؤوس الكبيرة في "اسرائيل".

العاصمتان اللتان تراهنان على نجاح وشيك للمساعي الأميركية نحو التطبيع بين السعودية و "اسرائيل" كسبيل لاطلاق مسارات استراتيجية جديدة في المنطقة، تبديان، الآن، الكثير من التشاؤم لأن ما يعني نتنياهو، في الوقت الحالي، عدم دفنه وهو على قيد الحياة.

الاثنتان لا تأخذان بالاعتبار الرأي الآخر الذي يرى أن التطبيع السعودي ـ "الاسرائيلي" يمكن أن يقود المنطقة الى فوضى أبوكاليبتية لا تبقي ولا تذر. كون هذا الكلام نوعاً من الهذيان السياسي، أو الهذيان الايديولوجي.

ماذا عن "اليوم التالي"في "اسرائيل". آفي شلايم يقول "دعونا نفهم ما هو هذا اليوم ليتسنى لنا السؤال عن اليوم التالي". كل الخيارات التي تدور في رأس نتنياهو تبدو كما الدوران السيزيفي داخل الأزمة، حتى الانتخابات المبكرة قد تفضي ألى ما هو أكثر تعقيداً، وأكثر فظاعة، مع توتر التسونامي اليميني في البلاد.

التقارير الأوروبية (في القاهرة وعمان) ترى أن ما من سبيل أمام نتينياهو سوى أن يوجه رصاصة الخلاص الى رأسه كما فعل أدولف هتلر حين وصل، بدوره، الى حافة المقبرة. ولكن أليست كل الطرقات مقفلة، أيضاً، في وجه "اسرائيل"، بعد السقوط الصارخ لكل من اليسار والوسط؟

حتى اللحظة ما زال المصريون والأردنيون غير مقتنعين بأن التحذيرات الأميركية يمكن أن تبعد اصابع نتياهو عن الأزرار النووية. أكثر من مرة اختار "بنو اسرائيل" هذا النوع من النهايات...