اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في الاصل انتهت نتائج جولة المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان قبل ان تبدأ، حتى ان معظم من التقاهم في بيروت لم يفهموا اصلا سبب زيارته هذه المرة، وربما تكون الجملة الوحيدة المفيدة هو التعبير عن مخاوف بلاده من ان عدم اتمام الاستحقاق الرئاسي خلال حزيران أو تموز، سيؤدي الى تأجيله لأشهر أو حتى الى المجلس النيابي المقبل، لأن الاهتمام الدولي بالملف اللبناني سيتضاءل رويدا رويدا حتى يتلاشى.

المشكلة برأي اوساط سياسية بارزة، تبقى في واشنطن والرياض وليست في بيروت، وقد نصح لدوريان في عين التينة بضرورة تفعيل الاتصالات مع السعودية والولايات المتحدة الاميركية، كونهما الاكثر تأثيرا على بعض القوى السياسية في لبنان، والتي من خلالها يمكن ان تفتح ابواب المجلس امام الاستحقاق الانتخابي. وهنا لا يرتبط الامر بموقف المعترضين على الحوار قبل الجلسات الانتخابية المتتالية التي وعد بها الرئيس نبيه بري، فهذه الخطوة تصبح ثانوية في حال تحررت كتلة الرئيس السابق للحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط وكتلة "الاعتدال الوطني" وبعض الشخصيات المستقلة، من عقدة الخوف والقلق من الموقف السعودي-الاميركي المبهم من الاستحقاق. فاليوم لا يكفي الحديث عن عدم وجود "فيتو" على اسم محدد، دون منح "الضوء الاخضر" لهؤلاء بالحضور والتصويت لمن يرغبون من المرشحين الجديين، لعلمهما المسبق ان هذه الخطوة ستصب في صالح رئيس "تيار المرد"ة سليمان فرنجية، الذي "همس" الكثير من النواب في "اذنه" بعدم ممانعة انتخابه ، في حال رفعت القيود السعودية- الاميركية او على الاقل جرى منحهم هامش الاختيار.!

ولعل السؤال الابرز الذي سمعه لودريان بالامس، كان حول جدية الاطراف المختلفة في "الخماسية" بمعالجة الملف الرئاسي، بعيدا عن ربطه بالاحداث المتفجرة جنوبا؟ وكذلك بالحرب على غزة؟ وعما اذا كان يثق حقا بالدعم الاميركي اللفظي لمهمته؟ وهل حقا لا توجد رهانات على نتائج الحرب، لفرض موازين قوى جديدة داخليا؟ طبعا لم يعط لودريان اجوبة واضحة على تلك الاسئلة، واصر على طرح غير قابل للصرف يقوم على انجاز اتفاق داخلي برعايته، ووعد بان بلاده كفيلة بتسويقه خارجيا. وهذا يعني عمليا العودة العقيمة لنظرية "البيضة والدجاجة"!

اما عند محاولته قلب المعادلات بطرح اسئلة مشابهة على "الثنائي"، لجهة وجود شكوك لدى "الخماسية" بانهما يقومان "بتمييع" الاستحقاق ريثما تنقشع ظروف المنطقة، فكان الجواب بالنفي المطلق، لان المنطق يفيد بان ميزان القوى اليوم لا يزال في "صالحنا والاجدى ان نستغل الظروف الحالية لانتخاب مرشحنا". بينما القوى الاخرى هي من تحاول اللعب على الوقت، لمحاولة استغلال اي ضعف مفترض لدى "الثنائي"، لفرض معادلة رئاسية جديدة لاحقا.

وفي الخلاصة، لم يحن بعد آوان معالجة الملف اللبناني، وباريس تدرك ذلك جيدا كونها المعنية باجراء الاتصالات مع كافة القوى الخارجية. وتحرك لودريان هذه المرة، محاولة فرنسية يائسة في الوقت الضائع لمحاولة حجز مقعد على الطاولة، بعدما خسرت فرنسا معظم معاركها الديبلوماسية حول العالم، وتستمر في النزف في كافة مستعمراتها القديمة. وتحتاج باريس الى المنصة اللبنانية لاثبات حضورها في حوض البحر المتوسط، لكن "الفولات" المرتكبة منذ السابع من تشرين الاول 2023 اضعفت موقفها ، بعدما كانت تتمتع بميزة انها الدولة الاوروبية الوحيدة التي لا تزال تتواصل مع حزب الله، واليوم لم تعد ذات مصداقية بعدما انحازت على نحو اعمى للعدوان الاسرائيلي على غزة، ولم تعد جهة موثوقة يمكن التعويل عليها لمحاولة الموازنة مع الموقف الاميركي، خصوصا انها رضخت على نحو كارثي للضغوط الاميركية، وباتت متورطة في الحصار الاقتصادي على لبنان، اثر ادعاء "توتال" التي تملك الدولة الفرنسية 40 بالمئة من اسهمها، عدم وجود غاز في البلوك 9.

ولكل تلك الاسباب لا وزن للدبلوماسية الفرنسية، الامور عالقة لان الاميركيين لم يقولوا كلمتهم بعد في الملف الرئاسي، وكذلك السعوديون. اجتماع الرئيس الفرنسي وامير قطر كان عقيما، والاتصال بين ماكرون ومحمد بن سلمان لم ينتج جديدا، واللقاء المرتقب بين الرئيس الفرنسي ونطيره الاميركي مطلع الشهر المقبل لن يكون منتجا، اذا لم تتبدل الظروف الاقليمية والدولية وتنتهي الحرب على غزة، عندها فقط سيفتح "البازار" الكبير على تقاسم النفوذ في المنطقة، ومن غير المؤكد ان تكون باريس جزءا من الترتيبات المنتظرة.

اما اليوم فيبقى الهم الاول لدى واشنطن عدم اندلاع حرب شاملة انطلاقا من الجنوب، وليست مستعجلة على انتخابات رئاسية غير مؤثرة في مجريات الاحداث. لهذا لا تبدو مستعدة للتفريط بالاستحقاق مجانا، وتراهن على قبض الاثمان في ملفات اخرى عندما يحين زمن المقايضات.؟!

الأكثر قراءة

حقيقة ما حصل مع لاريجاني والوفد المرافق في مطار بيروت