اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

اليهود ليسوا عائلات متقاربة، لا بل ان اكثر «جب» من عائلة لا يزيد على 60 شخصا، على عكس العائلات التي تربت في المجتمعات اللبنانية والسورية والاردنية والعراقية. كذلك اليهود ليس لهم نفس الا فقط بذكر اسحق بن داود وغيره، وسلسلة اسماء انبياء يتحدثون عنهم، وانهم تحدروا من كل هؤلاء.

عمليا ليس لهذا الشعب اليهودي عمود اجتماعي واحد يجمعهم لا بالقربة ولا بالتاريخ المشترك، بل كانوا منتشرين في انحاء العالم وفي كل اصقاعه. ولو لم يبدأ المخطط الصهيوني قبل اكثر من مئة عام، وتحصل مؤتمرات يهودية في سويسرا، اهمها مؤتمر لوزان ومؤتمر بال، لما استطاعت الصهيونية تحقيق اي هدف على ارض فلسطين. لكن الاستعمار البريطاني قام باعلان سنة 1917 على لسان وزير خارجية الحكومة البريطانية وعد بلفور، اي ان وزير الخارجية أعلن ان بريطانيا ستمنح اليهود وطنا قوميا هو فلسطين.

وبالفعل قامت بريطانيا بانتداب فلسطين المحتلة حاليا، وسهلت مجيء اليهود الى فلسطين. وكانت تقمع التظاهرات الفلسطينية، وتسلم الاسلحة لليهود، وتقمع الشعب الفلسطيني المسلح بالعصي. وكان اليهود يطلقون النار على العرب، وتقع المجازر. كما تم تأليف عصابات يهودية، هي «الارغون» و»الهاغانا» و»شتير»، وقامت بدعم بريطاني بتنفيذ مجازر ضد الشعب الفلسطيني في بلداته ومدنه لتهجيره. وكان الجيش البريطاني يرعى كل هذه الامور وكل هذه الاعمال اللاانسانية واللااخلاقية، التي اصابت شعبا بكامله هو الشعب الفلسطيني في صميم سيادته وحياته وقيمته الانسانية، حتى اصبح عدد الشهداء اكثر من نصف مليون شهيد خلال 85 سنة.

اما تهريب اليهود بالبحر للوصول الى مرفأ حيفا ومرفأ عكا وغيرهما، فكانت البحرية البريطانية تواكب هذه المراكب التي تحمل الهجرة اليهودية، وتحميهم في النزول على شواطىء فلسطين، وتضرب بالمدافع البحرية الاماراتية البريطانية كل تجمع فلسطيني يقف في وجه الهجرة اليهودية المفروضة على الشعب الفلسطيني لقمعه في ارضه، وانتزاع بساتين الليمون والزيتون والانهر في فلسطين منه.

الآن وصلت «اسرائيل» الى المأزق التاريخي. فهي ربحت الحرب في نكبة 1948 بسرعة كبيرة، وربحت حرب الايام الستة سنة 1967 خلال ستة ايام، كما ذكرنا. وكل انتصاراتها كانت خدعة او بدعم اميركي بريطاني كبير وفرنسي ايضا، وكانت تنتصر بحروب سريعة على الشعب الفلسطيني.

اما اليوم وبعد طوفان الاقصى، وبعد ما حصل في غلاف غزة، فان جهاز «الشاباك»، الذي هو جهاز الامن الداخلي وجهاز الامن العام، تنقل عنه القناة 12 «الاسرائيلية» الاكثر اطلاعا، ان جهاز «الشاباك» ليلة 7 اكتوبر، اي ليلة تنفيد عملية طوفان الاقصى، لم يتلق اي ضابط او عنصر فيه اتصالا خليويا من كامل قطاع غزة. مع العلم ان الشبكة الخليوية كانت تعمل ليلا وحتى الصباح، وان «الشاباك» له عملاء وللاسف في صفوف الشعب الفلسطيني. لكن مع ذلك، جهاز «الشاباك» لم يتلق اي اتصال من مواطن فلسطيني يبلغه فيه ان حوالى 3 الف مقاتل من قوات حماس وسرايا القدس، وبخاصة الجناح العسكري القسام، قد تحرك باتجاه غلاف غزة ويقوم بعملية عسكرية كبرى، واستطاع السيطرة على عدة مستوطنات وخطف 165 محتجزا ورهينة، وقتل 1200 من الصهاينة في غلاف غزة.

المخابرات العسكرية «الاسرائيلة» فشلت في كشف عملية طوفان الاقصى، جهاز «الشاباك» المخابراتي فشل في الحصول على اي معلومات بشأن هذه العملية العسكرية، وجهاز «الموساد الاسطوري» كما يتحدثون عنه، لم يعرف شيئاً. واثر عملية طوفان الاقصى 7في اكتوبر، استدعى جيش العدو الاسرائيلي كامل الاحتياط حتى وصل عدده الى 650 الف ضابط ورتيب وجندي، وهاجموا قطاع غزة الذي مساحته فقط 364 كلم2 ، وفيه مليونان و400 الف نازح فلسطيني محاصرون في قلب هذا القطاع منذ 27 سنة. وقام الجيش «الاسرائيلي» بعملية ابادة جماعية وعملية قتل همجية، واستعمل كل انواع الاسلحة. وارسلت له الولايات المتحدة والمانيا وبريطانيا وفرنسا كل انواع القنابل التدميرية، وكل انواع الصواريخ. كما ان الولايات المتحدة زوّدته بمزيد من الطائرات الحربية الحديثة التدميرية، وجرى قصف القطاع بكامله.

لكن حتى هذه اللحظة، وقد مضت 8 اشهر ودخلنا في الشهر التاسع، لم يتمكن الجيش الصهيوني و «اسرائيل» من تحقيق اي انتصار، بل هما اليوم يفرحان بتحرير 4 محتجزين جاؤوا اليهم بثياب لاجئين في قطاع غزة، ونفذوا عملية شاركت فيها الولايات المتحدة وبريطانيا بمعلومات استخباراتية هامة.

احتفلت «اسرائيل» بشكل غير مسبوق بهذا «الانتصار» على ما سماه نتنياهو، بينما هو الفشل الكبير.

- اول ملاحظة ان المحتجزين لدى حماس خرجوا، وتم اجراء فحوصات طبية لهم. والتقارير الطبية ذكرت انهم في حالة صحية وجسدية ونفسية ممتازة ، بينما آلاف الاسرى في السجون «الاسرائيلية» لا يتم اجراء فحوصات طبية لهم، ومنهم من يعاني امراضا وصعوبات كثيرة، ورؤساء السجون «الاسرائيلية» ليس عندهم ضمير ولا انسانية ولا اخلاق، بينما المقاومون في كتائب القسام كلهم اخلاق وانسانية، ويحترمون حياة الانسان.

- ثانيا: ان تحرير 4 رهائن وبقاء 120 رهينة قيد الاحتجاز لدى كتائب القسام، يعني ان «اسرائيل» لن تستطيع بعد الآن تحرير محتجز واحد لدى حركة حماس، لانه لم يعد محتجز واحد موجودا في شقة كما كانوا هؤلاء فوق الارض، بل اصبحوا كلهم في الانفاق. والتدابير طبعا ستكون استثنائية، واقل شيء ان كل محتجز اصبح يحمل حزاما ناسفا، بحيث يمكن لاي عنصر في كتائب القسام ان يفجر هذه الحقيبة الملغومة عن بُعد، حيث سيكون المحتجز موجودا في الانفاق في نقطة تشبه زنزانة مغلقة.

- ثالثا: ان اهالي بقية الرهائن والمحتجزين لدى كتائب القسام نزلوا الى «تل ابيب» وحيفا وعكا القدس، وقاموا بتظاهرات ضخمة، واحتجوا على نتنياهو، وقالوا لا نريد افلاما بطولية، بل نريد تخليص ال 120 رهينة الباقية، وهذا الامر لن يحصل الا بصفقة مفاوضات للافراج عن الرهائن، مقابل الافراج عن الاسرى الفلسطينيين من سجون «اسرائيل»، ووقف الحرب بشكل دائم.

والخلاف الآن يدور حول ان الولايات المتحدة قدمت في مقترح الرئيس الاميركي بايدن انه سيسود قطاع غزة هدوء مستدام، لكن حركة حماس رفضت كلمة هدوء مستدام، واصرت على وقف اطلاق نار دائم، ثم قامت الولايات المتحدة بابلاغ حركة حماس عبر مصر وقطر بان كلمة هدوء تضمنها الولايات المتحدة، لكن اقبلوا حاليا هذه الكلمة بدل وقف اطلاق النار، وحتى الآن حماس لن تقبل ذلك.

ان «اسرائيل» في اكبر مأزق تاريخي تعيشه، وهي غير قادرة على شن حرب على لبنان، لان الصواريخ الدقيقة التي تملكها مقاومة حزب الله، والقدرة البشرية التي لديها، والانفاق الموجودة في لبنان، ومساحة لبنان ليست 364 كلم بل 10452 كلم، والانفاق تحت الارض كثيرة جدا واكثر من انفاق قطاع غزة، كما ان الصواريخ قادرة على تدمير قواعد جوية وحقول الغاز على شاطىء فلسطين المحتلة، وستخسر «اسرائيل» في اي حرب تشنها على لبنان.

«اسرائيل» وقعت في المأزق التاريخي. لن يكون لديها حكومة تحكم، لن يكون لديها جيش موحد، بل فاقد الثقة بنفسه. لن يكون لديها اجهزة مخابرات، سواء مخابرات عسكرية او مخابرات جهاز «الشاباك» او جهاز «الموساد»، قادرة ان تقدم توضيحا عن سبب عدم كشف عملية طوفان الاقصى، ولماذا لم يتم كشف حجم الانفاق التي تم حفرها تحت الارض في قطاع غزة.

العد العكسي «لاسرائيل» قد بدأ، وهي في بداية المأزق التاريخي، وهي اوهن من بيت العنكبوت.

شارل أيوب

الأكثر قراءة

تصعيد اسرائيلي كبير والمقاومة تتصدى ! غارات ومجازر: لبنان في مواجهة نيران الاحتلال