اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


اليهودي التائه في منطقة تائهة: ما النتيجة؟ دولة تائهة...

اليهود ليسوا وحدهم من انتقلوا من التيه عبر الأزمنة وعبر الأمكنة الى التيه. العرب باجترارهم للأزمنة وللأمكنة، حلوا في هذا التيه الأبدي. الأكثرية في الشرق الأوسط، لكنهم تركوه بين أقدام الفيلة، كل أشكال الفيلة.

السوريون، كظاهرة قومية عاصفة، حاولوا ومنذ أن كانت بلادهم تحت الانتداب، أن يرفعوا رؤوسهم قبل أن يقعوا في جاذبية الانقلابات العسكرية، ثم أن يوجد هناك من يبيعون أرواحهم لذئاب القرن، بحثاً عن ديموقراطية السواطير. أين هي سورية الآن؟ وأين هم السوريون؟ ليست الجغرافيا وحدها التي ضاعت، التاريخ بكل مهابته ضاع في سورية.

وصولاً الى اللبناني التائه. لبنان التائه. قليلة محاولات كسر ثقافة القرن التاسع عشر في وعينا، وفي لاوعينا السياسي. دولة تائهة بين التعريب والتدويل. ما من مرة كنا أمام لبننة لبنان، لنراهن الآن على ذلك الكوكتيل العجيب بين التعريب والتدويل في "اللجنة الخماسية"، وان كنا نعلم أن ثمة صوتأً واحداً في اللجنة هو الصوت الأميركي. ولكن متى كانت الولايات المتحدة معنية بوجود أو بمصير أي دولة عربية، وهي التي لا ترى في الشرق الأوسط سوى نجمة داود، التي تحجب حتى النجوم الخمسين في العلم الأميركي؟

قطعاً ليست أزمتنا أزمة رئاسة جمهورية، وليست أزمة برلمان أنتجه قانون انتخاب هو "قانون كاليغولا" بانتهاكه الصارخ لدستور الطائف، كأرضية انتقالية للعبور من الطائفية السياسية بكل أهوالها (المادة 95)، الى المواطنة كسبيل حتمي لبناء الدولة لا لبنان المغارة.

نزاعاتنا الداخلية كدمية جيوسياسية، انعكاس لحال الصراع حولنا ما دمنا قد سلمنا ظهورنا وطرابيشنا للقناصل، هنا المشكلة. العالم الآن أمام سلسلة طويلة من الزلازل. لا أفق، ولا خارطة طريق الى اليوم التالي. اصرار أميركي على وقف التاريخ، بل على وقف الزمن، بالاستقطاب الأحادي، كما لو أن فرنكلين روزفلت لم ير أن لا مجال للتفرد بادارة الكرة الأرضية. من هنا كان مؤتمر يالطا مع جوزف ستالين. حضور ونستون تشرشل الذي دعاه الزعيم السوفياتي بـ "روح القدس"، كان فقط للافادة من الحنكة الأنكليزية في تفكيك الخرائط واعادة تركيبها.

لكنها مزاجية الرؤساء في البيت الأبيض. اذ اعجب هاري ترومان بنظرية جورج كينان (الاحتواء)، ترك لوزير خارجيته دين اتشيسون ابتداع ذلك المصطلح، الذي وضع العالم ثانية في مهب الحرائق: الحرب الباردة.

الحرب الباردة، بحسب روبرت كاغان، أي بفاتنات البيفرلي هيلز، لا بالصواريخ العابرة للقارات، زالت الأمبراطورية السوفياتية. كانت هذه الفرصة الذهبية ليبادر جورج بوش الأب، الى اعادة هيكلة المؤسسات الدولية والعلاقات الدولية، لتتفاعل مع جدلية الأزمنة وجدلية الحضارات، بل وجدلية الحياة. لم يحدث شيء من هذا. نظام عالمي جديد على قرن ثور. آنذاك قال زبغنيو بريجنسكي "... بل فوضى عالمية جديدة".هكذا كان. أين العالم الآن؟ على قرن الشيطان...

الشرق الأوسط ما يعنينا. كل الدول العربية دون استثناءعلى رقعة الشطرنج. الأتراك بكل تلك الحمولة العثمانية وحتى الأتاتوركية، لا يعرفون أين يقفون ببلادهم التي هي في منتصف الطريق بين الشرق والغرب. الايرانيون بالمزج بين الايديولوجيا الثورية والبراغماتية الهادئة، اختاروا المواجهة بذلك الموقع الجيوستراتيجي الحساس بين الشرق الأقصى والشرق الأوسط. هل هو الدوران في حلقة مقفلة؟

من فضلكم توقفوا قليلاً أمام قول السناتور بيرني ساندرز، اليهودي بالرؤية الفرنكلينية (بنيامين فرنكلين)، لا بالرؤية التوراتية: "الاسرائيليون" هم من يزيلون أميركا من الشرق الأوسط"!

في لبنان أزمة في الرؤية (والرؤيا). ما يحدث في الجنوب عملية وقائية كيلا نكون "الفائض الجغرافي"، كما رآنا هنري كيسنجر، ولا "الخطأ التاريخي"، كما رآنا آريل شارون. بنيامين نتنياهو نتاج تلك الأكثرية التي ترى احراق الشرق الأوسط بقضّه وقضيضه، كشرط للبقاء في أرض الميعاد.

يوآف غالانت، الجنرال المتبقي بعد تنحي بني غانتس وغادي آيزنكوت، لا بد أن يصغي الى ما يقوله البنتاغون، لا الى ما يقوله الكونغرس، "حاصر نتياهو بالدبابات، لا أن تتوجه بها الى الشمال، لأن وجودكم ووجودنا هناك في مهب النهايات، وجود الآخرين لا يعنينا"...