اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

حين نكون ورثة أبي ذر الغفاري ومحيي الدين بن عربي، وحين نكون ورثة جبران خليل جبران وجورج خضر (أطال الله في عمره)، كيف لثقافة الكراهية أن تستوطن في وعينا، أو لاوعينا ؟ الغرابة هنا أننا فقط نكره بعضنا البعض...

متى كره العرب اليهود من قرطبة الى القاهرة، ومن القاهرة الى دمشق وبغداد وبيروت، ليقول رفاييل ايتان "العربي الجيد هو العربي الميت"، وليصفنا يوآف غالانت بـ"الحيوانات البشرية". استاذ جامعي لبناني في باريس قال لي "اذا كان للشيطان قلب، يكون لهؤلاء قلب"، بعدما كان قد قرأ قول أندريه مالرو "اذا كان للشيطان قلب يكون للتاريخ قلب". لا قلب هنا، لا قلب هناك...

هل يكرهوننا كعرب قفط؟ ما داموا "شعب الله المختار" لا يكتفون بالادّعاء انهم فوق البشر، "حاخاماتهم" يحثونهم على التوجس من كل الآخرين. انهم يكرهون الأميركيين مثلما يكرهون الروس والصينيين والأوروبيين، الذي كانوا يرون فيهم على مرّ الأزمنة أبناء "يهوذا" لا أبناء داود. حين يكرهوننا نحن بالذات، هل هي العدوى الغربية أم هي اللوثة التوراتية؟

كلام بعيد عن أي عنصرية حين يكون هناك يهود مثل كارل ماركس، أو سيغمند فرويد، أو ألبرت اينشتاين، أو ناعوم تشومسكي، أو جوديث تايلور، أو نورمان فينكلشتاين، أو حتى مثل ايلان بابيه، أو آفي شلايم، ناهيك عن جدعون ليفي وناحوم بارنياع وجاك نيريا، الذين ورفضوا أن يكونوا القتلة، أو أن يقتلوا العرب بعظام أدولف هتلر.

تشومسكي سأل "كيهود، لماذا الاصرار على أن نكون وحدنا ضد ثقافة النسيان"؟ على خطى باروخ سبينوزا "مهمة التاريخ أن يهيل التراب على الضحايا". يلاحظ كيف أن اليابانيين نسوا ما فعله بهم الأميركيون. الفرنسيون نسوا ما فعله بهم الألمان منذ بيسمارك (1870) وانتزاع الألزاس واللورين الى الحرب العالية الأولى، ثم الحرب العالمية الثانية. العرب نسوا ما فعله بهم المغول، ليسأل ثانية "هل العرب من قتلوا اليهود بعد موت سليمان؟ أم أن اليهود قتلوا اليهود"؟

هم الذي يمسكون بكل مفاصل القوة في العالم. لهذا لا نستغرب أن يرى ديناصورات القرن في "الاسرائيليين" الضحايا، وأن العرب من دفعوهم الى أفران الغاز، وهم الذين تعاملوا معهم كظاهرة ما دون البشرية، وهم الذين اغتصبوا أرضهم، واقتلعوهم من منازلهم وحقولهم، قبل أن يكتشف الديناصورات اياهم أن الفلسطينيين شعب يقاتل من أجل ذلك الشيء الذي يدعى... الحياة.

القتال الأسطوري من أجل الحياة، حتى أن وزيرة المواصلات ميري ريغيف سألت رئيس الأركان هرتسي هاليفي، أثناء جلسة مجلس الوزراء المصغر ("الكابينت") "لماذا جعلت جنودك مثل البط على الجدار المقابل لغلاف غزة"؟  ريغيف التي تنتمي الى حزب "الليكود" كانت وزيرة للثقافة عام 2016، غادرت قاعة توزيع جوائز مهرجان "أوفير" للأعمال السينمائية في مدينة أشدود، احتجاجاً على تقديم المغني العربي "الاسرائيلي" تامر نفار أغنية مأخوذة من قصيدة محمود درويش "سجّل أنا عربي".

هذا قبل أن تعود بعد نصف ساعة، لتوضح أن خروجها لم يكن اعتراضاً على الهوية العربية، وانما لأن بعض أبيات القصيدة يحضّ العرب ضد اليهود. نعتقد أن الأبيات هي "أنا لا أكره الناس / ولا أسطو على أحد/ اذا ما جعت / آكل لحم مغتصبي / حذار من جوعي ومن غضبي".

العرب لم يكونوا ضد اليهود. حتى في أوج الأمبراطورية الأموية أو العباسية، وجدوا في أكثر من بلاط وأكثر من ديوان. وفي القرن العشرين، كان هناك وزير يهودي في مصر، ونواب يهود في العراق، لنذكر قول القديس اغسطينوس "ان الكراهية التي تقتل القلب انما تقتل العقل". هؤلاء الذين يحكمون "اسرائيل" مثال القلب الميت والعقل الميت، ما يحمل تشومسكي على التحذير من التيه هذه المرة، على ما دعاها... أرصفة العار!

لا نكرههم. هم يلاحظون أننا نكره بعضنا البعض أكثر. بالمناسبة، لا تتصوروا أن اليهود لا يكرهون اليهود، وكنا نأمل أن تكون لدى العرب تلك المؤسسة، وعلى شاكلة "المؤسسة اليهودية" التي توحدنا عند المفترق، لا أن نبقى بقايا قبلية على قارعة القرن.

جوديث تايلور اليهودية، قالت لليهود "تذكروا ما حدث للأميركيين في فيتنام، غزة هي فيتنام "اسرائيل"، أخرجوا الآن قبل أن يعود جنودكم بالحاويات"...