اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لم ترحم الأزمة التي عصفت بلبنان منذ ما يُقارب الخمس سنوات، المواطن اللبناني الذي تراجعت قدرته الشرائية بنسبة أكبر من تراجع الليرة اللبنانية. والفضل بالطبع يعود إلى السياسات الإقتصادية التي إتبعتها الحكومات ولكن أيضًا للتجّار الذين لم يتركوا فرصة إلا وانتهزوها لرفع الأسعار سواء بالليرة أو بالدولار الأميركي، وعدم قدرة المواطنين إلى الوصول إلى ودائعهم.

العسكريون والأمنيون هم جزء من الشعب اللبناني ونسيجه وبالتالي لم تُوفّرهم الأزمة أيضًا. لا بل أصعب من ذلك، نظرًا إلى طبيعة عمل هؤلاء والمخاطر التي تطال حياتهم من ناحية تعرّضهم للموت في أي وقت، إزداد الضغط النفسي على هؤلاء إلى درجة كبيرة! ولعل أهم إجراء قامت به قيادة الجيش تجاه العسكريين هو الحفاظ على الطبابة العسكرية التي لولاها لكان العسكريون في حال يُرثى لها.

يبلغ راتب الجندي من الدرجة الأولى 24,535,200 ليرة لبنانية مع أســاس راتب 982,000 ليرة لبــنانية أي ما يــوازي 274 دولارا أميركيا بعد أن كان يتقاضى 786 دولارا أميركيــا قبــل الأزمة. مما يعني أن قدرته الشرائية تراجعت بنسبة 65% من دون إحتساب التراجع في القدرة الشرائية الناتجة عن التلاعب بالأسعار والتضخّم واللذين قضما نسبة كبيرة من القدرة الشرائية المُتبقّية (المئة دولار اليوم لم تعد تشتري ما كانت تشتريه قبل الأزمة شكرًا للتجّار ولغياب الرقابة!).

وإذا إحتسبنا كلفة المعيشة الشهرية لأسرة لبنانية تعيش بعيدًا عن المدن، نرى أنها تحتاج بالحدّ الأدّنى إلى ما لا يقلّ عن 650 دولارا أميركيا لإكفاء حاجاتها الأساسية. وتتخطّى هذه الكلفة الـ 900 دولار أميركي في حال كانت الأسرة تعيش في ضواحي المدن.

إذًا كيف لهذا الجندي أن يكفي عائلته؟ الجواب مُستحيل أن يكفيها من دون أن يكون هناك مدّخول أخر! وإذا كانت المساعدات الأميركية والقطرية (12 دفعة أخرها في شهر كانون الثاني 2024) بمئة دولار شهرية لكل عنصر في الجيش قدّ خففت من وطأة الأزمة إلا أنها لم تحلّ مُشكلة إنهاء الشهر بالنسبة لعائلات العسكريين. وهو ما إضطر العديد منهم إلى العمل في أماكن أخرى، بالإضافة إلى عملهم في الجيش، لزيادة المدخول وإكفاء عائلاتهم.

وماذا نقول عن رتبة عميد درجة أولى في الجيش كان راتبه الشهري قبل الأزمة 3500 دولار أميركي وأصبح بعد الأزمة 633 دولارا أميركيا أي بنسبة تراجع بلغت 82%! كيف لضابط عام له مسؤوليات وطنية جمّة أن يعيش بمبلغ 633 دولارا شهريا؟

وماذا نقول عن العسكريين المُتقاعدين الذين يعيشون بأجر شهري يبلغ 225 دولارا أميركيا للجندي و425 دولارا أميركيا للعميد؟ أهذه مكافأة خدّمة عشرات السنين؟

 مهام الجيش، بحسب قراءتنا كمدنيين،
تدور حول ثلاثة محاور: 

مؤازرة قوى الأمن الداخلي في حفظ الأمن الداخلي: هذه المُهمّة هي الأصعب لأن مساحة لبنان شاسعة وتتطلّب وجود الجيش في مُعظم المناطق لقمع المُخلّين بالأمن والقبض على المطلوبين ومُكافحة تجارة الممنوعات والسلاح المُتفلّت والجرائم وغيرها.

مُكافحة الإرهاب: العيون الساهرة هي عيون تعمل ليلًا ونهارًا لدرء المخاطر من عمليات إرهابية قد تُحضّر ضد لبنان وشعبه. وكم من عمليات تمّ إحباطها من دون أن تظهر إلى العلن.

وردّع العدو: مع ما يتربّص بلبنان نتيجة المخاطر الخارجية (العدوان الإسرائيلي، التنظيمات المُتطرّفة...) تبقى مُهمّة الجيش الدفاع عن الحدود أساسية وجوهرية من الحدود مع فلسطين المُحتلّة إلى الحدود مع سوريا!

هذه المهام الثلاث تحتاج إلى عمل 24 ساعة في النهار خلال سبعة أيام. ولا يُمكن القول للعسكري أن دوامه يبدأ الثامنة صباحًا وينتهي الساعة الثالثة بعد الظهر، فهو ليس بموظّف مكتب! عندما طُلب من قائد الجيش تحضير دراسة عن إمكانية خفض كلفة القطاع العسكري في لبنان، كان جوابه: «قولوا لي ما هي المهام المطلوبة من الجيش وسأقوم بالدراسة». هذا الجواب يُعطي فكرة عن صعوبة التخلّي عن عنصر واحد من الجيش.

والأصعب في الأمر هو في حال قرّر العدو الإسرائيلي فتح حرب شاملة مع لبنان، فالجيش اللبناني لن يقف مكتوف الأيدي، وستقوم القيادة بالطبع بإعلان التعبئة العامّة. وهنا يُطرح السؤال: هل سيُلبّي الأفراد نداء القيادة؟ هل هم مُستعدّون للتخلّي عن عوائلهم والذهاب إلى أرض المعركة لمقاتلة العدو وهم يعلمون ضمنًا أن عائلاتهم لن تستطيع إكفاء متطلباتها المعيشية.

أكثر من ذلك: ماذا لو تفلّت الأمر أمنيًا؟ ماذا لو بدأت الأجهزة الأمنية من مخابرات الجيش والمعلومات ومعلومات الأمن العام ومعلومات أمن الدولة بالتراخي نتيجة إنشغال أفرادها بتأمين لقمة عيش عائلاتهم؟

بإعتقادنا، المخاطر كبيرة ويتوجّب على الحكومة القيام بإجراءات سريعة جدًا لدرء هذه المخاطر. لكن قد يطرح القارئ السؤال عن قدرة الحكومة على رفع أجور القوى العسكرية والأمنية في ظل الأزمة الحالية وقلّة المداخيل خصوصًا أن أجور القطاع العام (1.5 مليار دولار أميركي) أصبحت توازي نصف الموازنة بعد أن كانت توازي ثلث الموازنة في العام 2019 (6 مليار دولار أميركي)؟

الجواب على هذا السؤال يبدأ من المنهجية المُتبعة لحل المُشكلة. فرفع الأجور سيزيد حكمًا من المشاكل المالية للدولة وسيؤدّي إلى رفع الأسعار وهذا أمر محسوم. لذا يتوجّب على الحكومة إعتماد خطوات تهدف إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطن وذلك عبر:

أولًا: خفض قيمة الدولار الأميركي مُقابل الليرة اللبنانية بشكل تدريجي كما حصل على أيام الرئيس رفيق الحريري وهو ما سيؤدّي حكمًا إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطن. الجدير ذكره أو قيمة الدولار الأميركي مُقابل الليرة اللبنانية والبالغة 89500 ليرة لبنانية لكل دولار واحد لا تعكس النشاط الاقتصادي الشرعي القائم.

ثانيًا: قمع المخالفات الناتجة عن جشع بعض التجّار والسيطرة على الأسعار بشكل جدّي يمنع التضخم غير المبرّر حاليًا. فالتضخّم بالدولار الأميركي في لبنان أعلى من التضخّم بالدولار في الولايات المُتحدة الأميركية! وهذا أمر غير طبيعي وغير مقبول.

ثالثًا: قمع الأنشطة غير الرسمية التي لا تدر على الدولة مداخيل وقمع إقتصاد الكاش والذي سيكون السبب الأول في وضع لبنان على اللائحة الرمادية، والسبب الأساسي في تركيز الثروات في المجتمع اللبناني. كما وقمع التهرب الضريبي والتهريب على المرافق العامّة.

رابعًا: مُحاربة الوظائف الوهمية في القطاع العام حيث هناك ما لا يقلّ عن 100 ألف وظيفة بين غير قانونية ووهمية متواجدة حاليًا بحسب تقديراتنا.

خامسًا: العدالة في إعادة القدرة الشرائية بين موظّفي القطاع العام.

هذه الإجراءات كفيلة بعودة القدرة الشرائية للمواطن عامّة وللعسكريين والأمنيين خاصة وكفيلة بدرء المخاطر التي تتربّص بلبنان أمنيًا وعسكريًا.

الأكثر قراءة

تخبط اسرائيلي بشأن الحرب على لبنان الملف الرئاسي في غيبوبة... حزب الله لبكركي: ما قيل جرحنا في الصميم