اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


سعاده والاغتيال المستمرّ

في مثل هذا اليوم الثامن من تمّوز، ولخمسة وسبعين عاما انقضت، قضى أنطون سعاده غيلةً على أيدي منظومة الشرّ المنظّم، بالتكافل والتضامن بين ادارتها في الخارج وأدواتها في الداخل. ولقد جرت جريمة الاغتيال عبر محاكمة صورية بغيّةٍ باغية، وهي محاكمة تشهد لنفسها بأنّها وصمة عارٍ في تاريخ العدالة، ولعنةٌ ستبقى الى منتهى الدهر، تلاحق الذين مثّلوا دور القضاة، والذين حاكموا وحكموا ظلما بالموت على باعثِ نهضةٍ مُحيِيَةٍ أمّةً من قبر التاريخ.

ما تقوله من عِبَرٍ ذكرى الاستشهاد، هو بالتأكيد غير ما يقولُه في الذكرى المحتفلون، أغلبُ المحتفلين. ولا أتصورَنّ الاحتفالات قياسا على ما ألفناه واعتدناه، مَتعدّيةً تطوافا بالخطب، بالكلمات تغنّياً بالشهادة، وبما لا يخرج عن معروف مألوف في أسواق التفجّع والمراثي والمدائح والمباهاة...

وما كنا لنشير ولو باختصار الى ما كان في هذاك الزمان، الّا من أجل الافادة ممّا يجري الآن مُلَخّصا بحقيقةِ أنّ: "الدهرُ أوّلُهُ شبْهٌ باَخرِه ناسٌ كَناسٍ وأيّامٌ كَأيّام".

وها هنا، يطالعنا مُحرِجاً مُلِحا سؤال: ما هو الجديد المفيد، الذي يقولُه استشهادُ سعاده لكلّ المحتفلين بذكراه الخامسة والسبعين اليوم؟ ما تراه يقول لهم لنا جميعا في الاحتفال، وهم ونحن على ما هم وما نحن عليه من فراق ومن شقاقٍ ومن بؤسِ حال؟

أمّا الذكرى ذاتا شاهدةً واقعَ الحال، فتوحي وكأننا بمواجهة اغتيال اَخر، مسلسل اغتيال متواصل، والّا فما معنى ان نعبر بها من دون الخروج بعبرة فاعلة فينا؟ الذكرى حينها هي عبورٌ مُماجنٌ في الزمن.

وتسأل الذكرى: ماذا فعل الشقاق والنزعات الفرديّة ومساوىءُ الاخلاق بروح النهضة يا ابناء الحياة؟

خمسةٌ وسبعون تمّوزا على اعلان سعاده، خجل هاتيك الليلة من التاريخ. ولن يُمحى خجلٌ أو عار الّا بانتصار العقيدة التي جاءت لتحرق وتضيء، وتعيد للأمّة حيويّتها الضائعة. الضائعة في المفاسد والجهالات بين كيانيّات خانقة وطائفيات حارقة ونزعات فرديّات مارقة، ولا برء منها جميعا ولا شفاء الّا بوعيٍ ثوريّ جديد. وعي تتولّد منه قدوات أخلاقية بطولية تستعجل طلوع الفجر. وعيٌّ لا يرتضي ان يستمر صوتُ الفواجع صارخاً على مفارق التاريخ مدوِّياً: لهفي على أمّةٍ قتلتْ هاديها.

ليس في العداء ما هو أشدّ خطراً وأفظع ايلاماً على الانسان، من أن يكون عدوّه من اهل بيته. وما الفرقة اذا قلتَ: من اهل حزبه؟

الثامن من تموز، تقول العبرةُ في الذكرى ،ليس في مقاصد التاريخ يوما كسواه. انّه تاريخُ أمّة تلخّص في احدى دوراته وتجليّاته برجلٍ، لخّص، بدوره، الحياةَ كلّها بوقفة عزّ فقط. أمَا وقد غدر به قدرُه وفوّتَ عليه فرصةَ انقاذ أمّته فاندفع بكل رسوليّة، وكمن يدفع تعويضاً، اندفع يستودع التاريخ حياتَه امانةً ضمانةً. اندفع مواجها مصيره كما الرسلُ، كما العظماء. وتقول الذكرى اليوم وتقول مستحضرة قول رسول شهيد اَخر: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولا يقوَوْن على قتل الروح، بل احذروا واحسبوا غير حساب للذين يسعون الى هلاك والجسد والروح معاً.

الأكثر قراءة

الضفة الغربيّة... إن انفجرت