اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



ربما كنا أمام أكثر اللحظات العسكرية سريالية في التاريخ. في مفهومنا أن أي عملية ثأرية ضد "اسرائيل" تقتضي الحد الأقصى من السرية، وعلى طريقة حزب الله. خلاف ذلك، الايرانيون يطلقون المواقف النارية حول العملية "التي سيخلدها التاريخ"، وبعدما بدا واضحاً وصادماً مدى اختراق "الموساد" للجمهورية الاسلامية.

المعلقون الغربيون يرون أن بعض القوى أعطت الأولوية لحماية النظام، حتى من النساء اللواتي يرفضن ارتداء الحجاب، دون اعتبار حساسية وخطورة الأمن الاستراتيجي الذي يستلزم جهوداً هائلة، ما دام الأعداء يحدقون بايران من كل حدب وصوب.

الايرانيون يتحدثون عن "سيناريو نوعي ومفاجئ". أين المفاجأة في هذه الحال؟ بل واين المنطق العسكري؟ مع قناعتنا بأن الايرانيين لا يريدون السقوط في فخ نتنياهو، أي تفجير الشرق الأوسط، ليصبح التدخل الأميركي حتمياً بتدمير المرافئ والمنشآت النووية الايرانية.

كثيرون يتحدثون عن نسخة أخرى من ليلة الصواريخ والمسيّرات التي لم تهدم حائطاً في "اسرائيل"، بعد تلك السلسلة من التهديدات والتسريبات، التي أتاحت لكل القوى المعادية تفجير الصواريخ والمسيّرات في الجو. آنذاك قال الايرانيون انهم توخّوا القيام بتظاهرة قوة، لكي تدرك ثلة الذئاب في "اسرائيل" مدى الامكانيات التي تمتلكها ايران. النتيجة، مسارعة البيت الأبيض الى اعلان موافقته على تزويد نتنياهو بطائرات "اف ـ 15 " الشبحية بمواصفاتها الهائلة.

ماذا فعل أيمن الصفدي ـ وكان البديل عن أنتوني بلينكن ـ في طهران. انذار مباشر من واشنطن بالتدخل العسكري وبكل الوسائل لحماية "اسرائيل"، مع التمني على الايرانيين اعطاء مهلة اضافية للضغط على نتياهو ووقف النار في غزة، ما يمكن أن يحد من الحالة الهيستيرية التي تعيشها منطقة عارية استراتيجياً حتى العظم.

الايرانيون يتقنون اللعب عسكرياً وديبلوماسياً على حافة الهاوية. ولكن من يعلم (ومن لا يعلم) ما هي حال "اسرائيل"، وما هي حال أميركا؟ الآن، يعلم أيضاً انه الوقت الذي ينبغي فيه تغيير كل قواعد اللعبة.

الروس الذين من مصلحتهم أن يغرق الأميركيون في مستنقعات الشرق الأوسط، يتوجسون من الاحتمالات، وينصحون بالحذر الشديد لأن النيران يمكن أن تحرق الجميع دون استثناء. هم يلاحظون أن الدولة العبرية تعاني من تخلخل دراماتيكي في البنية السياسية، كما في البنية العسكرية، ناهيك عن البنية السوسيولوجية للدولة. ومن الأفضل تركها تتآكل بالصورة التي تفضي الى التحلل الذاتي، كنتيجة للأخذ بفلسفة القوة العمياء، ولطالما أودت هذه الفلسفة بالأمبراطوريات الكبرى الى الاندثار.

صحيح أن "الاسرائيليين" استنزفوا على نحو كارثي في حربهم على غزة. هم لا يستطيعون في أي حال خوض أي حرب كبرى، لكن نتنياهو ما زال يراهن على تلك اللحظة التي يتدخل فيها الأميركيون، تالياً تحقيق الشعار الذي أطلقه غداة عملية طوفان الأقصى بـ"تغيير الشرق الأوسط"، وهو الشعار الذي حمل المقاومة في لبنان على اتخاذ تلك الخطوات الاستباقية.

أميركا في الخندق الأمامي ضد ايران. من هنا اغتيال فؤاد شكر في بيروت واسماعيل هنية في طهران، ليس لقطع الطريق على اتفاق وقف النار، وانما لما هو أبعد من ذلك بكثير، وذلك في ظل انتخابات رئاسية تجعل البلاد في ذروة الضياع على المستوى الداخلي والخارجي (فورين آفيرز). جو بايدن أقل بكثير من أن يكون البطة العرجاء. وبالرغم من تنحيه عن السباق الى البيت الأبيض، شعر بالهلع من تلك اللافتة في بنسلفانيا، وعليها رسم كاريكاتوري له كتب تحته "دوسوا هذه الجثة بأقدامكم ".

الخارجية الأميركية رأت ان التصعيد ليس لمصلحة ايران. أنتوني بلينكن تحدث عن "اللحظة الحرجة في الشرق الأوسط".

حسناً فعل الايرانيون الذين يعلمون أن "اللوبي اليهودي" الآن في أوج قوته بالضغط على الادارة الأميركية، وحتى بادارة هذه الادارة، بدعوتهم وزراء خارجية منظمة التعاون الاسلامي الى اجتماع طارئ. مع أن هذه المنظمة لا تعدو كونها هيكلاً خشبياً لا معنى له، ولا تأثير له. ولكن ليتركوا فسحة اضافية للمساعي الديبلوماسية التي قد تفضي الى حل ما، وتفادياً لحرب لا تبقي ولا تذر.

صراع بين لحظة الانفجار ولحظة الانفراج. قنبلة واحدة وتقلب المشهد رأساً على عقب...

الأكثر قراءة

سيغورنيه الى بيروت حاملا رسالة «خطيرة» عن عملية اسرائيلية استباقية واشنطن تعتمد مرفأ جونية للاخلاء والمساعدات... والحكومة وضعت خطة ثلاثية