اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

موجع جدا أن لا ترى أعمدة الثقافة القومية في مأتم من كان له نصيب الأسد من مخزون المكتبة القومية . بالأمس القريب غاب الأمين حيدر الحاج إسماعيل دون وداع من الأجهزة الثقافية القومية ، اليوم يغيب الرفيق جان دايه الذي لم يفز برتبة الأمانة ، لأنه لم يكن محسوبا على زاروبة من زواريب المرجعيات ، اليوم يغيب الرفيق جان دايه يرحل الى مقره الأخير ولم تكن في وداعه أعمدة الثقافة القومية الذين نراهم يتصدرون الندوات والمحاضرات التي يحاضر فيها على منابر القوميين منتحل صفة المحلل وهو في الواقع ليس سوى متلق يجيد فعل النقل والتلقين.

جان دايه استحق كل الرتب التي أقرها دستور سعادة وتلك التي تفتش عن مجنون يكتب تعديلا دستوريا يستكمل سلسة الرتب التي تبدأ برتبة الرفيق وتنتهي بالرتبة العليا التي هي رتبة الأمين ، استحقها جميعها لأنه لم يكن في وداعه الذين جعلوا من رتبة الأمانة الدرجة الأخيرة في درج الوصول الى الطابق الرابع حيث تكون مكاتب الجهابذة .

جان دايه العاشق لريحة الورق ،وريحة المداد والسابح عكس التيار ،وغير المهادن والساعي دائما الى نبش الحقائق من مكتبات المحفوظات في العالم تغيب عن مأتمه أعمدة الثقافة القومية ويقاطع تشييعه أصحاب الألقاب الكبيرة .

لا وقت لديهم لوداع حيدر الحاج إسماعيل وجان دايه فأشغالهم كثيرة ، ووظائفهم أكثر من كثيرة ، أنهم يداومون في غرفة عمليات ثقافية لا يغادرونها إلا للمهمات غير العادية والتي لا يعلن عنها حفاظا على سلامة الغرفة وليس سلامتهم .

لهم في ميادين التكريم عشرات الحكايات والقصص ، أنها عادة جديدة دخلت الى الحزب السوري القومي الاجتماعي ، كانت بدايتها تكريم اللواء سامي الخطيب الذي له في تعذيب القوميين بعد فشل الانقلاب عشرات الروايات البشعة التي تؤكد ارتكابه جرائم عدة بحق القوميين في السجن وخارجه ، دخلت هذه العادة اللعينة واستوطنت في الحزب وصارت تُقام حيث تخدم المناسبة المُكرِم.

لا فرق بين عادة التكريم وعادة رشّ الأوسمة .

نجن بأفضل حال، فالثقافة القومية أنتجت عادة التكريم وتقليد منح الأوسمة ، لست أدري أن كان من يرش الأوسمة على الأكتاف والصدور يدري أن غاية التكريم ورش الأوسمة شدُ عصب الفئوية .

حصل تكريم جان داية عندما غابت أعمدة الثقافة عن مأتمه ، فهذا الغياب هو شهادة له بأنه كان على علاقة مباشرة بالزعيم وليس بالواسطة أو بالتقليد .

نحن نعلم كم سعوا للوصول اليه ، وكم كانت تغبطهم السعادة عندما يلتقون به ، ولكن بعد أن نخرت عقولهم لوثة الانشقاق الأخير، حيث ظنوا أن الألقاب تمنح أصحابها الرفعة والمقام ، وتخولهم محاسبة كل من رفض الإقامة في دكاكينهم شرعوا سياسة دعم الفساد ، ولأنهم طاوويس منفوشة ، ولأن حيدر الحاج إسماعيل وجان دايه أكبر من قاماتهم قاطعوا مأتمي تشييعهما .

لا عتب عليهم فهم خلقوا لغير وظائف ولكن شاءت الأقدار ان يكونوا حيث هم الآن .

نحن لا نعتب عليهم ونعرف انه على كثرة أعدادهم يوجد بينهم مثقفون وكتّاب وأصحاب مشاريع ثقافية ، ولكنها لم تكن في خدمة القضية القومية .

يكفي جان دايه انه كان في وداعه كتبه ومنشوراته وأولئك الذين أعادهم الى الحياة بعد أن قتلتهم رفوف المكتبات ، كان في وداعه سعيد تقي الدين والسعتقة وغسان جديد وجبران خليل جبران الذي أعاد اليه صورته الحقيقية بعد محاولة تشويهها وخليل سكاكيني وفرنسيس المراش وغيرهم من النهضويين الأوائل .

يكفي جان دايه شرفا انه اجتهد وليس مهما إن أصاب أو لم يصب .

جان دايه لا يعتب عليهم فهو يعرف ان قماشته ليست من قماشتهم .

شرف لك أيها الرفيق الراحل الى مقرك الأخير أن يكون في وداعك قلة من أصحابك ورفقائك وما يماثل عددهم حالت الظروف دون مشاركتهم .

طمأن جان دايه رفقاءه أن مآتمهم لن تشهد حشدا من الحانثين بالقسم .

الأكثر قراءة

نتائج زيارة هوكشتاين لاسرائيل: تقدم وايجابية ومجازر وتدمير؟! نتانياهو يراهن على الوقت لفرض هدنة مؤقتة مرفوضة لبنانيا الجيش الاسرائيلي منهك... ولا بحث بتجريد المقاومة من سلاحها