اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


كم أثار أعصاب الانكليز، وهم الذين يرون في أنفسهم سادة الديبلوماسية عبر الأزمنة، حين كان المفاوض الرئيسي في قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكسيت). عضو في الوفد البريطاني سأل "هل يفاوض هذا الرجل لخروجنا من الاتحاد الأوروبي أم لخروجنا من القارة الأوروبية ؟". لو كان له أن يجيب لقال، وهو المتعصب لأوروبا "... بل أفاوض لخروجكم من العالم" !

ميشال بارنييه الذي شغل حقائب وزارية، ومنها وزارة الخارجية، للمرة الأولى في الماتينيون (مقر رئاسة الحكومة)، ولكن بسيناريو شكسبيري أعده ايمانويل ماكرون، بعد نحو شهرين من التخبط السياسي، لانقاذ فرنسا أم لانقاذ نفسه ؟ هذا ما حمل جان ـ لوك مبلانشون على القول له "اذا كنت تريد أن تبقى في الاليزيه، حاول أن تجري استفتاء حول شخصك. لن اقول لك افعل ما فعله شارل ديغول لأن من حمل صليب اللورين، ودخل التاريخ، غير من يمزق فرنسا، والفرنسيين ، ليدخلنا، أخيراً، الى الجحيم... ".

بارنييه، للوهلة الأولى، في أرض غير أرضه، وفي موقع غير موقعه، وبعد انتخابات احتل فيها الائتلاف اليساري المرتبة الأولى، واحتل فيه التيار الرئاسي المرتبة الرابعة. في هذه الحال، كيف له أن يقود القطار من العربة الأخيرة من القطار ؟ فرنسا متعبة، ومنهكة، بعدما ذاب الرئيس الفرنسي في "الحالة الأميركية". جان ـ جاك سيرفان ـ شرايبر دعا، في كتابه "التحدي الأميركي" (1967 ) الى التبعية للولايات المتحدة "لتكون المثال في تفاعلنا مع الايقاع الهيستيري للقرن، بعدما كان لمشروع مارشال اخراجنا من الركام"، مشيراً الى وجود 340 شركة أميركية كبرى في فرنسا من أصل 500 شركة.

ولكن أي أميركا التي يتبعها ماكرون الآن، وقد تجاوز البريطانيين في ذلك ؟ أميركا التي تدعم شركاتها، وصادراتها، لمنافسة المنتجات الاوروبية في سائر أسواق العالم، والتي تستخدم البلدان الأوروبية في حربها ضد روسيا، والى حد استنزاف عظام هذه البلدان.

ألمانيا، وهي القاطرة الأوروبية (وشاهدنا دورها في معالجة أي أزمة مالية في القارة) لم تعد كذلك بتعامل أولاف شولتز مع الأميركيين، كما لو أنه خارج، للتو، مهزوماً من الحرب العالمية الثانية. كونراد اديناور كان مختلفأ تماماً حين قال للألمان "من هذه الدموع نصنع ألمانيا التي نعشقها". لودفيغ ايرهارد أيضاً، وقد استخرج المعجزة الاقتصادية من الحطام.

لا هذه فرنسا في عهد ايمانويل ماكرون، ولا هذه ألمانيا في عهدة أولاف شولتس. دولتان، بكل ذلك التراث المدوي، في خدمة البلاط الأميركي. الآن في حال الضياع الاقتصادي، وحتى الضياع السياسي، لتورطهما في الصراع ضد فلاديمير بوتين، وان كانوا يعلمون أن القياصرة لم يفكروا، يوماً، باحتلال باريس أو برلين. نابليون ذهب اليهم بـ 680000 جندي، وادولف هتلر ذهب اليهم بملايين الجنود، ومشاركة فرق من ايطاليا وفنلندا ورومانيا والمجر وسلوفاكيا. الاثنان عادا من هناك على عكاز خشبي، وقيل... بساق واحدة.

الفرنسيون توقعوا الكثير بانتخابهم وزير الاقتصاد السابق وخريج مدرسة آل روتشيلد في "الصناعة الجنونية للثروات"، رئيساً للجمهورية ، ليصل ببلاده الى ذروة التوتر الاقتصادي، ودون أن يكون لديه أي تصور للخروج من عنق الزجاجة.

فرنسا أمام أزمة اقتصادية تزداد تفاقماً. هي ليست بحاجة الى ديبلوماسي فذ، وانما الى اقتصادي فذ، لنرى ماريان، أيقونة الجمهورية الفرنسية، والتي تم تجسيدها بوجه كاترين دونوف، ولايتسيا كاستا، وبريجيت باردو، وقد بدت على مواقع التواصل عجوزاً شمطاء.

ردات فعل متناقضة على تكليف بارنييه. ميلانشون قال "هذا ما يفعله قطاع الطرق". مارين لوبن قالت "لينقذنا من فوضوية اليسار". زعيم الاشتراكيين أوليفيه فور قال "اننا ندخل في أزمة نظام". أما هو فقال من ساحة الماتينيون، وبعدما أظهرت نتائج الانتخابات انقساماً هائلا في البلاد، "الفرنسيون يحتاجون اليوم الى الاحترام والوحدة والتراضي".

هذه فرصة ميشال بارنييه التاريخية لاعادة فرنسا الى ألقها. عقل متشدد لكنه رؤيوي. اما أن يساق الى المقصلة أو أن يكون خليفة ايمانويل ماكرون في الاليزيه. لننتظر كيف يشكل حكومته في ظل التشكيل الفسيفسائي للجمعية الوطنية. حالة لبنانية في فرنسا. يا لمصيبتهم.... !!

الأكثر قراءة

الملف الرئاسي يأخذ منحى جديدا: لودريان سيلتقي بري والعلولا مع المعارضة فشل مفاوضات الصفقة في غزة كليا ... ولا تسوية بين حماس و«اسرائيل»