اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


مثل شاع في كيانات بلادنا، نردده عندما يحدث ان غبيا قاد ذكيا أو ضعيفا ورط قويا أو ولدا قاصرا أقنع رجلا عاقلا بفعل ما لا تُحمد عقباه.

قصة المثل ان جديا صعد الى تلة وتسلّق شجرة عالية ليأكل ما طاب له من الورق ونادى على التيس قائد القطيع ان يلحق به ليكسب ما يسد جوعه، فسمع التيس كلام الجدي وتسلّق الشجرة بكثير من العناء والتعب وبعد ان قضيا حاجاتهما قفز الجدي عن الشجرة الى الأرض بسهولة ودون أضرار، فأراد التيس تقليده وقفز فكسر رجله وبرك في الأرض، وعندما سأله رعيان القطعان عن سبب كسر رجله أخبرهم ان الجدي أقنعه بالقفز عن الشجرة، ونشر الرعيان الخبرية التي أصبحت مثلا "جدي لعب بعقل تيس".

فهل يلعب الجدي "الإسرائيلي" بعقل تيس الولايات المتحدة الأميركية؟

عندما أصيب الجدي "الإسرائيلي" بنكسة طوفان الأقصى ضاع توازنه وفقد تركيزه وغاب عن الوعي وصار بحاجة لمعالج جسدي ومعالج نفسي فقد أصاب الطوفان النفوس بأعطال كبيرة تفوق الأعطال التي أصابت الأجساد. استنفر التيس الأميركي قطيعه وسافر على متن الهلع الى ثكنات العدو وأنقذه من الضياع وأعاد له الثقة ودعمه في معركة رد الاعتبار التي تحولت الى معركة إبادة الشعب الفلسطيني، وراح الجدي يرتكب المجازر مجزرة تلي المجزرة والتيس يصفق له سرا وعلنا ويستنكر خجلا اذا كانت المجزرة تشكل انفجارا للعين والقلب والعقل.

لقد تعددت حلول التيس التي رفضها الجدي الإسرائيلي، وسقطت قبل ان تُكتب على الورق وكان التيس مع سقوط كل مقترح يبادر الى اقتراح جديد حتى وصلنا الى مبادرة التيس الأكبر بايدن التي أيضا لم تر النور.

منذ بدأت حرب الإسناد لغزة والتي هي في الحقيقة حرب دفاع عن لبنان لأن دوره آت في المفكرة المشتركة بين التيس والجدي، كان التيس الأميركي يحمل الى لبنان تهديدات الجدي الإسرائيلي ويخبرنا بأنه غير قادر على لجمه وقد يفعل ما لا تحمد عقباه ويورط المنطقة بما لا يريده التيس وحكام الدول وحكوماتها وملوكها والرؤساء. وفي كل مرة كان يمر قطوع التهديد دون فعل ودون عمل عسكري وكانت المقاومة ترمي التهديدات في سلة المهملات، لذلك كنا نقول دائما من الذي يهدد؟ الجدي أم التيس أم الاثنان معا.

اليوم هوكشتاين في زيارة الى دولة العدو، وصرّح ان الجدي "الإسرائيلي" لن يردعه أحد عن حرب غايتها إعادة المستوطنين الى المنطقة الشمالية، وأنه حاول إفهامه انه لا يمكن افتعال حرب محدودة مع لبنان لأن هذه الحرب ستؤدي الى حرب إقليمية لا تريدها دول المنطقة ولا الدول المهتمة بأمور المنطقة، ولكنه فشل في إقناع نتنياهو الذي شرع في عقد الاجتماعات المتتالية لدراسة أوضاع الشمال وأعلن ان إعادة المستوطنين الى المستوطنات غير قابلة للنقاش وحتى لو أخذت المنطقة الى حرب إقليمية.

كان الجدي يلعب بعقل التيس حينما كان التيس لا يرى موجودات المقلب الثاني من الجبل أما اليوم وقد أصبح التيس على معرفة بالشاردة والواردة في كل مقالب الدنيا ما عاد يستطيع الجدي ان يلعب بعقله إلا إذا أرادها تمثيلية لفعل ما أو لإخراج موقف ما.

نحن نعلم ان دولة العدو كانت ترغب بوقف حرب تموز 2006 بعد مرور عدة أيام لكن كونداليزا رايس أجبرتها على الاستمرار ثلاثة وثلاثين يوما، فهل ما يحصل من تطورات في المنطقة وله علاقة مباشرة بالدور الأميركي يريد ان يفهمنا هوكشتاين ان دولة العدو ستستمر بالحرب لثلاثة وثلاثين شهرا دون موافقة الولايات المتحدة الأميركية ،ودون أن تذهب المنطقة الى حرب إقليمية أو غير إقليمية.

تعرف الولايات المتحدة ان التهديد والإرهاب لا يُرهبان المقاومة ولا يخيفها، وما صرح به هوكشتاين عن فشله بإقناع العدو عدم ارتكاب حماقة توسيع الحرب لا يُصرف في مصرف المقاومة، ولن يُغير في حركة الميدان ولو سنتمتر واحدا الى الوراء، وقد أرسلت المقاومة رسالتها في عملية الرد على اغتيال السيد فؤاد شكر وقالت فيها انها وإن خاطرت دولة العدو بتوسيع الحرب فإنها ستهاجم حيث هي موجودة الآن واذا اضطرت الى التوسيع فقد تقصف دولة العدو من حدود لبنان الشمالية ليس كما تقصف المقاومة في العراق وكما تقصف دولة اليمن بل كما تقصف هي.

نحن نعلم ان الجدي الإسرائيلي لا يلعب بعقل التيس الأميركي وغير قادر على التمرد عليه، وما يحصل هو توزيع أدوار وتمثليات خبرناها جيدا في المواجهات مع العدو منذ تدخل الاسطول السادس عام 1982 وقصف بيروت الى يومنا الحاضر.

ما يحصل في المنطقة على علاقة مباشرة بما يحصل في فلسطين وخاصة على الحدود اللبنانية فإذا كانت الولايات المتحدة مزعوجة من تركيا لأنها تقدمت بطلب كسب عضوية في دول البركس ومن سعيها اللجوج والمستمر لمصالحة الشام ومزعوجة أيضا من فتح السفارة السعودية في دمشق وتريد ان ترسل لهذه الدول رسائل مشفرة من فلسطين فهذا لا يؤثر على ميدان المعركة.

لا شك انه يوجد حراك في المنطقة لا يُرضي الولايات المتحدة الأميركية لكن، إزعاجها لا يدفعها الى ارتكاب حماقة غير محسوبة النتائج، لذلك فإننا نقرأ تصريحات هوكشتاين ونتنياهو في ميزان التهديد والوعيد فقط، أما إذا جنّ حنونهما ولم يكتفيا بحرب الإبادة في فلسطين التي يجب ان تقف حتى ولو تطلب الموضوع اندلاع حرب إقليمية بحساباتنا وليس بحسابات الولاية المتحدة والعدو، إذا جنّ جنونهما وأرادا توسيع الحرب فإن عقلنا يفيدنا، ويكونا وقعا في كمين الخسارة الأكيدة في المنطقة.