اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



الخيانة على أنواعها فعل إجرامي يرتكبه الخائن ضد الآخر أيًا كان الآخر، رجلا امرأة وطنا حزبا جمعية... الخ ويعاقب عليه القانون بالإعدام إذا كان ضد الوطن، ويعاقب عليه المجتمع بصفة السقوط الأخلاقي إذا كان ضد الأفراد ويتعلق بالصدق او العلاقة، ويعاقب عليه القانون اذا كان ماديا.

الخيانة واحدة ولكن أخطرها هي خيانة الأمة والوطن.

كتب بدر شاكر السياب: إني لأعجب كيف يخون الخائنون، أيخون الانسان بلاده؟ إن خان معنى ان يكون، فكيف يمكن أن يكون؟

وحده الخائن لا يستحق العفو، ولا يستحق المسامحة، ومكانه السجن المؤبد أو المقصلة أو الإعدام بالرصاص. ان المجتمع لا يقبل الخيانة لأنها تؤسس للقضاء عليه بعد فترة من الزمن. لأن الخيانة فعل يصدر عن عقل مريض وروح فاسدة وجب طردها من المجتمع.

لم يسبق أن حدث في التاريخ ما حدث قي لبنان من معاملة للخائنين، فقط في لبنان لم يحاسب الخائن، لم يحاكم، لم يتم توقيفه ساعة واحدة على ذمة التحقيق، لم يهن ولم تهن كرامته، ومارس حقوقه دون ان يقوم بواجباته ونافس المقاوم والمناضل في نيل المكاسب والمطالب والألقاب.

تقول القاعدة: الخيانة تقع ما أن تصبح فكرة. في لبنان لم تعد الخيانة فكرة بل أصبحت وجهة نظر وكافأتها الدولة واحترمها المجتمع.

لا تعترف الخيانة بالفوارق فهي واحدة بكل أنواعها، لا تقبل الوسطية، هي انحياز كامل ضد الوطن والأمة، هي جريمة موصوفة ضد الأمة والوطن، من يقبل وجودها لا يختلف كثيرا عن فاعلها، وأخطر الخيانات تلك التي تفرض نفسها في ثوب وطني، وتفرض مفهوم الشرْكة على قاعدة انها شريكة في الدولة وفي المجتمع، فتصبح موضوع نفاش، وأحيانا تتقدم على الوطنية والقومية، تقول القاعدة: الخيانة كالموت لا تسمح بالفوارق، أما في لبنان فقد تعددت على عدد المذاهب والطوائف والأحزاب المولودة من رحم الأجنبي، فكل طائفة ان لم تُخوّن الطائفة الأخرى فهي ترفض التفاعل معها وتفرض قانون الشرْكة.

أسو أ ما في الخيانة انها لا تأتي من عدو، بل من أبناء الأمة، تأتي من حيث لم نكن نعلم ولم نكن نتوقع، تأتي من ذوي القُربى وذوي الانتماء الواحد الى الوطن الواحد والأمة الواحدة. تأتي من شريكك في لقمة العيش ومواطنك في الوطن، فتصيبك في الروح والقلب وتكون ضربتها أقوى من كل أسلحة العدو.

ان الخيانة أصعب من الرصاصة، لأنها تقتلك بعد ان تسمع صوتها بينما الرصاصة التي تقتلك لا تسمع صوتها، تأتيك الخيانة من حيث لم تكن تتوقع، تقتلك وأنت تراها وتنظر اليها وتسمع قهقهتها بينما الرصاصة تقتلك ولا تشمت فيك، أو تُبقيك حيا ولا تندم على غلطها، بينما الخيانة إن لم تقتلك فهي ستكرر الفعل مرة أخرى بوسائل أخرى.

أخطر الخيانات تلك التي تنجح ولا يجرؤ أحد على تسميتها خيانة، فكم من الذين خانوا وقتلتهم خياناتهم وتحتفل الدولة بمناسبة ترحيلهم الى المقلب الثاني من الحياة، كم من الذين خانوا سرا وعلنا وأوصلتهم الخيانة الى أعلى الوظائف وأرفع المراتب، وكان حضورهم أبهى من حضور كل الوطنيين والقوميين.

أجمل ما قرأت عن وصف الخيانة ما قاله أحدهم: أسد مفترس أمامك خير من كلب خائن وراءك.

يقول أنطون سعاده: أني أوصيكم بالقضاء على الخيانة أينما وجدتموها، لأنه إذا لم نتخلص من الخيانات لا نبلغ الغاية. والمجتمع الذي يحتضن الخيانة ويفسح لها مجال الحياة مجتمع مصيره الى الموت المحتم.

حضن لبنان الخيانة منذ نشأ وترعرع وصار اسمه لبنان الكبير، وكانت مستترة ومعروفة على قاعدة اذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا، وتطورت الى أن أصبحت وجهة نظر، وهي اليوم بشكليها العلني والمستتر تقتلنا كل يوم.

طالبنا سعادة بالقضاء على الخيانة لأنه كان يعلم انه لا حياة لمجتمع يحتضن الخيانة، وكان يعلم ان سلاح الخيانة من أخطر أنواع الأسلحة.