اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لم ننم من الفرح، تمر الصواريخ فوق منازلنا فنخرج لنكُحّل عيوننا برؤيتها، نسمع أصواتها فندعو لها بالتوفيق والصيد الثمين، لأول مرة نفرح من الخوف، لأول مرة والدي يستبدل خوفه المستتر بخوفه العلني، أبي يخاف ألا تصب المسيّرات أهدافها، لذلك قرأنا على وجهه علامات غريبة لم نستطع تفسيرها الا بعد وصول الخبر الشافي. "فبق البحص" وقال: هذه المرة خفت على الصاروخ ولم أخف منه.

رحّب سكان فلسطين بالصواريخ وخرجوا من غرفهم الى الشرفات والطرقات يتفرجون عليها، بعضهم رأى فيها نيازك غضب خرجت من قرص الشمس لتضرب معدن الشر في مستوطنات المغتصبين، وبعضهم رأى فيها نجوم ما قبل الفجر ظهرت فوق فلسطين لتعلن قُرب وصول الضوء، وأفردوا لها وقتا طويلا من جلساتهم للحديث عن أفعال الصواريخ المباركة، هذا بعض ما وصلنا من أهالي الناصرة.

أما الهدية الثمينة فهي الصاروخ الذي لم ينفجر في الناصرة، لقد خصّتهم المقاومة بهذا الصاروخ ليكون شاهد عيان على وصول المسيّرات والصواريخ الى تلك الديار من فلسطين ويمنحهم فرصة تسجيل الحدث عبر عناق طويل للصاروخ. لقد حدّثه شباب الناصرة عن فرحهم، عن فخرهم، عن اعتزازهم بالمقاومة التي تدك حصون العدو دون خوف ولا وجل، وعبر الصورة أرسلوا رسالتهم الى المقاومة التي جاء فيها: بأمثالكم تتحرر فلسطين، بأمثالكم نبني جسر العودة، بأمثالكم يرحل المحتل عن أرضنا.

مئة عام مضت ونحن نحاول استنهاض الناس، مئة عام مضت ونحن نجاهد من أجل انهاء مفاعيل وعد بلفور وسايكس بيكو ولم نحصد سوى الهواء، وبعض أفعال تهز مشاعر الناس وتدعوهم الى التغيير.

لقد عجزت الكلمة عن توحيد مشاعر أبناء الأمة لأسباب عديدة منها على سبيل المثال وزن المحمول وضعف الحامل، ومنها أيضا عزلة الحامل التي أنتجت تعثر المحمول.

اليوم عبّر الصاروخ عما فشلت بالتعبير عنه الكلمة.

الرصاصة أنطقت الأطفال بما لم ينطقه الكبار، وهل يوجد أصدق من طفلة فلسطينية تقول دمنا ودمكم واحد، نحن وأنتم شعب واحد، العزاء واحد والفرح واحد.

كلام الأطفال حقائق، مشاعر الأطفال صادقة، تخرج من القلب والعقل والاحساس الحقيقي، لذلك تحفر كلماتهم في القلب منازل ثابتة لا تهزها عواصف الجبناء والضعفاء والخونة وأصحاب الديانة الابراهيمية.

لسان حال سكان فلسطين يقول السلام على الصواريخ، على المُسيّرات وعلى العقول التي صنعتها، وعلى القامات التي حملتها، وعلى الهامات التي أطلقتها. فأصواتها تبعث فينا الأمن والسلام وهدوء الخواطر وترفع عنا انشغال البال على مصير الرجال والنساء والأطفال.

الفرحة لم تغمر فقط سكان الناصرة بل غمرت سكان فلسطين وسكان الامة الذين يعتبرون ان المقاومة تمثل إرادة الامة في الدفاع عن حياتها والحفاظ على حقوقها واسترجاع الأراضي المغتصبة وليست اسنادا لغزة وفلسطين.

بالأمس أعلن نتنياهو انه يخوض حرب انشاء الشرق الأوسط الجديد، ولإنشاء هذا الكيان الوهمي الجديد لا بد من تغيير الأوضاع في لبنان والأردن والشام والعراق، لذلك فإن لبنان في دائرة الاستهداف وعلى طريقة حرب الإبادة الدائرة في فلسطين، وبالأمس روني مزراحي رجل الاعمال المقرب من نتنياهو يعلن: ما نفعله في لبنان قادرون على فعله في الأردن، الأردن آتية بعد لبنان.

لن تعكر فرحة الفلسطينيين بصواريخ المقاومة غارات الطائرات، ولا الهجوم على المسجد الأقصى الذي سيتبعه هجوم على كنيسة القيامة، لن يعكر فرحتهم سجن الأساتذة ومحاولات اقتحام المدن والقرى الفلسطينية، فتلك أخبار اعتادوا سماعها كل طالع شمس، أما منظر الصواريخ والمُسيرات فهو حدث فوق المتوقع، ولن تستطيع وحشية العدو إخماد مشاعر فرحهم.

زغاريدهم طلائع الزمن التالي مهما أسقطت علينا ترسانة طائرات الولايات المتحدة من قنابل وصواريخ ومناشير تهددنا بالموت او الرحيل.

الأكثر قراءة

خاص "الديار": أول عملية استشهادية في الخيام ومعارك عنيفة مستمرة