اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لا يقف الفاتيكان بعيداً عمّا يجري في لبنان والمنطقة، رغم وجود البابا فرنسيس حالياً في زيارة راعوية في بلجيكا. فقد دعا قداسته من بروكسل امس الأحد جميع الأطراف الى وقف إطلاق النار، معرباً عن «المه وقلقه» إزاء اتساع نطاق النزاع واحتدامه في لبنان وفي الشرق الأوسط. وأشار إلى أن “لبنان رسالة لكنها الآن رسالة معذبة، وهذه الحرب لها آثار مدمّرة على السكان». فهل يسمع المجتمع الدولي نداء الكرسي الرسولي، ويتحرّك لوقف الحرب الوحشية على لبنان والمنطقة والتي تستهدف المدنيين الأبرياء؟!

يقول مصدر كنسي انّ الكلام الأخير لقداسة البابا على لبنان يأتي ليؤكّد مجدداً على اهتمام الفاتيكان بهذا البلد، الذي قال عنه البابا يوحنا بولس الثاني إنّه “بلد الرسالة”. غير أنّ البابا فرنسيس يرى أنّ هذه الرسالة هي اليوم “معذّبة”، نظراً لما يتعرّض له هذا البلد من أزمات وحروب. فقد تحدّث عن موت الكثير من الناس يوماً بعد يوم في الشرق الأوسط، وعمّا ينفّذه جيش الإحتلال “الإسرائيلي” من ضربات مكثّفة وواسعة النطاق، التي استهدفت كبار مسؤولي حزب الله ومستودعات أسلحة تابعة له في جنوب لبنان وبيروت. ولهذا دعا الى ضرورة وقف إطلاق النار، إذ لا يجوز الاستمرار في القتل والتدمير وتهجير السكّان الذين تخطّى عددهم المليون.

وكان البابا فرنسيس خلال أحاديثه الأخيرة حذّر من “حرب عالمية ثالثة مجزّأة”، على ما أضاف المصدر، من دون أن يذكر الصراع الحاصل اليوم في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، ولا الحرب المتواصلة بين روسيا وأوكرانيا منذ أكثر من عامين ونصف العام. غير أنّ كلامه هذا، موجّه لجميع قادة العالم الذين يُغذّون الحروب عبر تمويلها عسكرياً، ويعملون من أجل إشعالها أكثر فأكثر، بدلاً من إخمادها فوراً لتلافي المزيد من الجرائم ضدّ الإنسانية، والمجازر ضدّ المدنيين العزل.

ويقول المصدر انّ قداسته قد كرّر التحذير ممّا سمّاه “مسارات الحرب المأسوية”، أثناء زيارته الأخيرة الى اللوكسمبورغ الخميس الفائت، بعد اطلاعه على ما يحصل في لبنان والمنطقة من حروب واغتيالات. وأكّد بالتالي على أهمية الذهاب الى التفاوض والحوار لتلافي وقوع الحرب العالمية الثالثة التي لن تؤدّي الى سوى  نتائج سلبية ومدمّرة على دول وشعوب العالم ككلّ، وخصوصاً أنّ السياق الدولي متوّتر جدا في المرحلة الراهنة.

وأشار المصدر نفسه الى أنّ الكنيسة تدعو دائماً الى السلام والمحبة والحوار، فالحلول السلمية من شأنها حماية لبنان ممّا يتعرّض له من مجازر قتل وتدمير. والأعمال العدائية المفتوحة، على ما يقول البابا فرنسيس، تؤدّي الى المزيد من التدمير والموت. وكفى العالم استكمال كلّ هذه الأعمال في كلّ البلدان، ولا سيما في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط. فرسالة قداسة البابا اليوم تدعو جميع الدول الى وقف الانقسامات والعداوات، والتي عادت الى الظهور أيضاً في القارة الأوروبية، كونها ستدفع الى المزيد من الحروب والموت.

من هنا، ضرورة حلّ النزاعات القائمة اليوم، ولا سيما الصراع في لبنان وغزّة، على ما شدّد المصدر الكنسي، من خلال الذهاب الى المفاوضات لإيجاد الحلول الفعلية. وكان وصف بابا روما ما جرى خلال الأسبوع الماضي في لبنان من اعتداء إرهابي على أجهزة الاتصال واغتيال قادة حزب الله، بأنّه “تصعيد مروع وغير مقبول”، داعياً المجتمع الدولي الى بذل الجهود لوضع حدّ له قبل تطوّره نحو الأسوأ. وعلى المجتمع الدولي الاستماع الى ما يُعلنه قداسته، ويعمل به. لكن يبدو أنّ الجهود الدولية لم توصل حتى الآن الى اتخاذ قرار وقف إطلاق النار في لبنان والمنطقة. غير أنّه يؤمل أن تتمكّن بعض الدول “غير المشجّعة على القتل والحروب”، من القيام بتحرّك ما يؤدي الى اتخاذ مثل هذا القرار في أسرع وقت ممكن.

أمّا لبنان الذي دخل اليوم في مرحلة مفصلية، على ما أشار المصدر الكنسي، فعليه معرفة الخروج منها سريعاً، من خلال الذهاب لى انتخاب رئيس للجمهورية لكي لا يبقى الوطن من دون رأس، وتعيين حكومة فاعلة، وإعادة بناء المؤسسات قبل حصول المزيد من الإنهيار الذي يُهدّد الجميع. وقال انّ الوحدة الوطنية هي المطلوبة حالياً، ووقف الإنقسامات في ظلّ نزوح أكثر من مليون لبناني من منازلهم هرباً من القصف والغارات من المناطق الجنوبية والبقاعية ومن الضاحية الجنوبية لبيروت.

وأكّد المصدر الكنسي أنّ الكنيسة تعمل على مساعدة الشعب النازح قدر المستطاع، من خلال الجمعيات الخيرية التابعة لها ولا سيما “كاريتاس”، كما دعت الى إقامة القداديس على نيّة السلام في لبنان والشرق. فأمام تصاعد العنف والقتل والتدمير، لا يسع الكنيسة سوى الصلاة من أجل الوحدة والسلام وتهدئة النفوس. ولبنان لا يُخشى عليه كونه بلد القدّيسين، لكن على قادته وشعبه التضامن والتحاور من أجل إخراجه سريعاً من الأزمة الراهنة وتلافي المزيد من المعاناة. من هذا المنطلق، على القوى السياسية التضامن والكفّ عن المواقف الخلافية والمتشنّجة، والعمل على شدّ أواصر العائلة اللبنانية التي تُواجه اليوم تحديات ومخاطر كبيرة، تؤدّي الى معاناة الشعب اللبناني مرّة جديدة من النزوح والموت وتدمير منازله وممتلكاته وأرزاقه.


الأكثر قراءة

أيّ صفقة أيّ فضيحة تنتظرنا؟