اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

كأنما العالم كان ينتظر طوفان الأقصى، ليكشف عن مكنوناته التي خبّأها منذ أصبح مسرحا لقيادة هذا الكون، الذي أصبح على فوهة انفجار يعيد رسم الخرائط من جديد، خاصة خريطة العالم العربي والشرق الأوسط.

منذ أصبح لهذا الغرب أنيابا وبأسا، كانت غايته السفر الى هذا الشرق، الذي كان بالنسبة اليه مناجم ذهب وبراكين عسل ولبن، فأرسل في الحروب الصليبية المساجين وقُطّاع الطُرق والتجار، ليس لاحتلال بلادنا فقط بل لإبادة الناس فيها، وهذا ما فعلوه في أكثر من مكان، وأوقف إبراهيم باشا عن وصوله الى إسطنبول للقضاء على الدولة العثمانية، وأبرم معاهدة كوتاهية، وتدخل بشكل مباشر في تركيبة المجتمع السوري، وسعى الى احتضان الطوائف وتغذية مشاعر الانشقاق والانقسام والخوف من الآخر، وأشعل في أكثر من مكان هشيم الطائفية في جبل لبنان وشمال الشام وبعض مناطق العراق على خلفيات طائفية وأثنية.

واهم من يطلب من الغرب النجدة وأكسير الحياة.

واهم من يعتقد ان هذا الغرب الذي يحكم العالم يشعر ويحس مع الضعفاء او مع المظلومين او مع الذين يعيشون على حفاف القبور.

منذ تربع الغرب على قيادة العالم ، وهو يسعى الى تحقيق تراكم ثرواته المادية وشهواته النفسية، بالترغيب والترهيب وشن حروب الإبادة.

استطاع ان يلعب دور الحرباء، فأسس آلاف الجمعيات الإنسانية في العالم، منها ما هو أممي ومنها ما هو وطني، التي لعبت أدوارا مشبوهة في خلخلة أنظمة الدول وتفكيك البُنى الاجتماعية، فسهلت عملية الانهيار الذاتي أو السيطرة التامة للدول القوية.

أخطأنا جميعا عندما عقدنا مراهنة مع حراك الشعوب الغربية المناهض للحرب على غزة، أخطأنا عندما عقدنا الأمل على حراك طلبة الجامعات، على تغييرات في اتجاهات هذه الشعوب وهذا الغرب، ولم نكن ندري ان هذه لعبة من ألعاب هذا العالم المتمدن، المُجيد لكل فنون التكتكة والاحتيال، فيظهر بوجه إنساني بوسيلة الشعوب، ويمارس فنون حرب الابادة بواسطة الدول والجيوش.

ماذا انتج هذا الحراك الشعبي الذي شمل دول الغرب والولايات المتحدة لنصرة غزة ووقف الحرب؟ لم يستطع هذا الحراك نقل قشة واحدة من مكانها الى مكان آخر، لم يستطع ان يلجم هذا الهيجان العالمي المُرتكب ابشع المجازر بحق سكان فلسطين، وهو يرتكبها اليوم بحق سكان لبنان. وهل كان يستطيع ان يفعل وتمنّع؟ او ان الأنظمة والحكومات أقوى من الشعوب واستطاعت تقويضها وامتصاص نقمتها أو أنها لا تمثل إرادات الشعوب؟ أو انه كان فقاقيعا لا أثر لها في أروقة الأنظمة؟

بعد مُضي عام على طوفان الأقصى نستطيع تأكيد فشل المراهنة على حراك الشعوب الهادف الى تغيير الحكومات والاتجاهات السياسية للدول في هذا العالم المتوحش، لأن هذه الاتجاهات ليست تكتيكية بل هي استراتيجية.

طوفان الأقصى أرغم الغرب على كشف وجهه المتوحش، على إخراج الثعبان النائم بين ضلوعه ليرتكب أبشع جرائم الإبادة بحق لبنان وفلسطين، كشف للقاصي والداني النفسية الحقيقية لهذه القوى العالمية المتحكمة بأمور العالم منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، أثبت واحدة من إثنين: الأولى أن الحكومات لا تمثل الشعوب وهي قامعة لها، والثانية ان الشعوب تنفعل لحظة وقوع الحدث فقط وتعتاد على قبوله مع استمرار الوقت.

كان العالم يحتاج الى طوفان الأقصى لتظهر طبيعة تركيبته بعد الحرب العالمية الأولى، ولتظهر ان الولايات المتحدة لا تهتم لمواقف الشعوب والحكومات والدول الصديقة والعدوة، ولا يمنعها من تحقيق أهدافها أي مؤسسة دولية، أكانت جمعية الأمم المتحدة او مجلس الأمن أو أي منظمة إنسانية أو إقليمية ولنا فيما حصل في العراق أمثولة، ليُظهر إن الشعوب وحدها وبإمكانياتها وبإراداتها وبمساعدة أصحاب المصالح معها تهزم الولايات المتحدة الأميركية وهذا الغرب وهذا العالم الخاضع لإرادة هذه الشمطاء المتشبشبة التي تمارس مهنة الدعارة حيث تكون في أي مكان من هذا الكون الواسع.

تمر اليوم مناسبة مرور عام على طوفان الأقصى الذي تحول الى طوفان العالم، طوفان الشعوب القاصرة عن فهم خطورة ما تفعله الثكنة العسكرية في دولة العدو من جرائم بحق الإنسانية، طوفان في كل مكان لم يستطع ان يقف في وجه طوفان قنابل وصواريخ وقذائف العدو، طوفان الطائرات الحربية التي تقصف في فلسطين ولبنان والشام واليمن وإيران على كيفها ودون صاروخ مضاد يُسقط طائرة واحدة، طوفان الثور الهائج نتنياهو الذي يريد تغيير الشرق الأوسط بالنار والجمر والرماد، طوفان الدعم الأمريكي والغربي والعربي لدولة العدو دون قيود وشروط.

أظهر طوفان الأقصى ان الولايات المتحدة ليست حليفة دولة العدو بل كما نقول دائما دولة العدو ثكنة للولايات المتحدة في فلسطين المحتلة.

عام مضى لم يشهد التاريخ مثله ولن يشهد العالم ما يشبهه لأن البشرية المتوحشة مارست أعلى درجات التوحش التي لا يمكن أن تحصل مرة ثانية في أي حقبة زمنية قادمة.

لقد استعادت البشرية هذا العام طور الانسان المتوحش، طور ان لا مكان للضعيف في خريطة القوي، طور ان لا تقية تنفع أمام الثور الهائج في كل العالم، طور ان الانحناء أمام هذه العاصفة لا يفيد لأنها تريد اقتلاعنا ولا يُغرّها الانحناء.

عام دخل التاريخ ليس كبقية الأعوام التي مضت، دخله من حفر نهر الدماء في الصخر والتراب، من تراكم الجثث على الطرقات، من موت الأطفال في المدراس ومراكز الايواء، من بوابة التهجير في العراء من بوابة قصف المستشفيات، من بوابة إعدام الأجنّة في مراكز العناية في المستشفيات وعلى مرأى من هذا العالم الذي لم يعد محايدا بل شريكا لكيان العدو.

عام مضى، نلعن دقائقه وساعاته وأيامه وشهوره، ونستقبل عاما جديدا نأمل أن نرى فيه طوفان بلادنا يواجه طوفان العدو وينتصر عليه.


الأكثر قراءة

حزب الله يُحذر من الخروقات «الإسرائيليّة»: للصبر حدود الجولاني مُستقبلا جنبلاط: سنكون سنداً للبنان