اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يُعد فيتامين (د) أحد العناصر الغذائية الأساسية التي تؤدي دوراً حيوياً في تعزيز صحة العظام والجهاز المناعي. وعلى الرغم من أن نقص فيتامين (د) مرتبط تقليديًا بمشاكل في العظام مثل هشاشة العظام، إلا أن الدراسات الحديثة بدأت تكشف عن جوانب أخرى أكثر تعقيدًا لتأثير هذا الفيتامين على الجسم، أبرزها ارتباطه بزيادة خطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية. هذه الأمراض، التي تشمل التصلب المتعدد، التهاب المفاصل الروماتويدي، والذئبة الحمراء، تحدث عندما يهاجم الجهاز المناعي عن طريق الخطأ أنسجة الجسم السليمة.

وتُظهر الأبحاث المتزايدة أن نقص فيتامين (د) يمكن أن يؤدي إلى اختلالات في تنظيم الاستجابة المناعية، مما يجعل الجسم أكثر عرضة لتطوير هذه الأمراض. في هذا السياق، يتزايد الاهتمام العلمي باستكشاف دور فيتامين (د) كعامل وقائي محتمل للحفاظ على توازن الجهاز المناعي وتقليل خطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية.

وكشفت دراسة جديدة، أجرتها جامعة ماكغيل الكندية، عن العلاقة بين نقص فيتامين (د) في مراحل الطفولة المبكرة وزيادة خطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية. تعمل الغدة الزعترية خلال الطفولة على تدريب الخلايا المناعية للتفريق بين أنسجة الجسم والعناصر الغازية الخبيثة. وأظهرت الدراسة أن نقص فيتامين (د) يؤدي إلى تسريع شيخوخة الغدة الزعترية، ما يؤثر سلبا في كفاءتها.

وقال المعد الرئيسي للدراسة، جون وايت، أستاذ ورئيس قسم علم وظائف الأعضاء في جامعة ماكغيل: «شيخوخة الغدة الزعترية تؤدي إلى نظام مناعي ضعيف، ما يزيد من احتمالية هجوم الخلايا المناعية على الأنسجة السليمة، ويؤدي إلى ارتفاع خطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية، مثل مرض السكري من النوع الأول». وأشار إلى أن دور فيتامين (د) في تعزيز امتصاص الكالسيوم لصحة العظام معروف منذ فترة، لكن الدراسة الأخيرة توضح أيضا أهميته في تنظيم الجهاز المناعي. وأكد أن «نتائجنا توفر فهما جديدا لهذا الارتباط، ما قد يسهم في تطوير استراتيجيات وقائية ضد أمراض المناعة الذاتية».

كما تسلط النتائج الضوء على ضرورة حصول الأطفال على كميات كافية من فيتامين (د). وعلى الرغم من أن الدراسة أجريت على الفئران، إلا أن النتائج تظل ذات صلة بصحة البشر، نظرا للتشابه في وظائف الغدة الزعترية.

عندما تنخفض مستويات فيتامين (د) في الجسم، قد يؤدي ذلك إلى ضعف في تنظيم الخلايا المناعية، خاصةً الخلايا التائية (T-cells) التي تؤدي دوراً حاسماً في مكافحة العدوى وتنظيم الاستجابات المناعية. يمكن لنقص فيتامين (د) أن يزيد من نشاط هذه الخلايا بشكل غير طبيعي، مما يؤدي إلى مهاجمة الأنسجة الذاتية. كما أن فيتامين (د) يمتلك خصائص مضادة للالتهاب، حيث يعمل على تثبيط إنتاج البروتينات الالتهابية التي تُساهم في تطور الأمراض المناعية الذاتية.

أما لتقليل خطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية والحفاظ على صحة الجهاز المناعي، فمن المهم الحرص على مستويات كافية من فيتامين (د) في الجسم. يمكن الحصول عليه من خلال التعرض لأشعة الشمس لمدة 10-30 دقيقة يومياً، ولكن مع الأخذ في الاعتبار طبيعة البشرة وموقع السكن. بالإضافة إلى ذلك، يُفضل تناول الأطعمة الغنية بفيتامين (د) مثل الأسماك الدهنية (السلمون والتونة) وصفار البيض ومنتجات الألبان المدعمة.

في حالات النقص الشديد، قد تكون المكملات الغذائية ضرورية لتعويض نقص فيتامين (د)، حيث يُنصح بالتحدث مع الطبيب لتحديد الجرعة المناسبة. الوقاية من نقص فيتامين (د) ليست مجرد مسألة تتعلق بصحة العظام، بل هي استراتيجية وقائية فعالة لتعزيز صحة الجهاز المناعي وتقليل مخاطر الإصابة بالأمراض المناعية الذاتية.

الأكثر قراءة

ما قضيّة لبنان ما لبنان بعد الحرب ؟