لم تكن تدري نرجس انها ستكون الشاهد الأول على استشهاد ولدها، ولم تكن تدري انها عاجزة عن تضميد جراحه وهي التي داوت له أوجاعه كما تداوي كل ام أوجاع ولدها، ولم تكن تعلم ان القدر سيضعها بأصعب موقف تتعرض له والدة.
من يدري ماذا قالت له حين تأكدت أنها عاجزة؟ من يستطيع ان يقرأ ما قالته دموعها التي غسّلت وجنتي علي وصدره؟ من يستطيع ان يقرأ ماذا كانت تقول عينيها؟ ماذا كان يقول قلبها وبما حدّثها عقلها؟ أليست هي التي احتضرت عندما تأكدت من استشهاد ولدها علي من يدريَ!.
ليست نرجس الام الأولى التي تستقبل ولدها جريحا وتودعه شهيدا، فقد سبقتها مئات الحالات في قطاع غزة. فكم من الأطباء الذين استقبلوا أولادهم في المستشفيات وكانوا على قيد الأموات او على قيد الاحتضارَ! كم من الأمهات اللواتي تركن أطفالهن لدقائق وعادوا ليجدهن أشلاء يسبحون في بحر من الدماء!.
نحن شعب لا يمكن ان يتكيف مع هذه الجرائم التي تحفر في القلوب، لكنه يقبلها حين تحصل، ونرجس التي استقبلت مئات الحالات الحرجة، استقبلت ولدها وكان لها معه قصة وغصّة.
نتقبل عنف الجريمة لكننا لا نقبلها، ونرجس تقبّلت استشهاد علي ليس لأنه يشبه آلاف الشهداء الأطفال فقط بل لأنها مؤمنة بأن الاستشهاد قدر لا تمنعه، وأنها من أجل حياة من يأتي الى طوارئ المستشفى ومن أجل من بقي من عائلتها وكل الذين تعرفهم قررت ان تكون فوق الجراح فوق الم الموت، وتستمر وفي قلبها جرح لا يندمل.
مأتم علي عند نرجس لا ثالث له ولا أسبوع ولا ذكرى أربعين او ذكرى سنوية، مأتم علي مستمر طالما نرجس على قيد الحياة. شيّد علي في قلب نرجس عمارة أقوى من كل أسلحة الهدم والدمار، عمارة تكدست فيها الذكريات حتى أصبحت عاصية حتى على الهلوسات.
لم تكن نرجس الام الوحيدة التي فقدت ولدها علي، فكم من الأمهات اللواتي فقدنا أطفالهن جميعا وكانت أعدادهم أكثر من خمسة، لكنها من القلائل اللواتي شهدنا لحظة خروج الحياة من علي.
وظيفة النرجس تجميل الدور والاحواض والحدائق والحقول، وأبيضه يبشر بالسلام ووظيفة أصفره نشر الفرح وبعث التوهج والاشراق ،والأصفر من أكثر الألوان إضاءة ونورانية لأنه لون الشمس ومصدر الضوء، ولك أيها الام الصابرة من اسمك ما يعينك على تحمّل أوجاع الفقدان والفراق.
نرجس سيف الدين لك من اسمك نصيب، فالسيوف لا تقبل الانحناء ولا تقبل الخسارة ونصالها مسنونة دائما للمساهمة في تسجيل الانتصارات.
الجمرة تحرق مكانها، فمهما تعددت الجمرات ومهما تعددت الأماكن يبقى لكل جمرة أثرها الخاص على أوجاع الأماكن وآلامها.
ودّعت نرجس ولدها على أمل ان لا تودع وطنا وأن تبقى تضمد جراح المواطنين.
سلام على صبرك وصبر أمثالك وصبر جميع الأمهات في بلادي اللواتي ينتظرن نصرا عظيما وقيامة وطن جميل.
يتم قراءة الآن
-
مُراقصة المستحيل في جنوب لبنان
-
الشيخ نعيم قاسم أميناً عاماً لحزب الله... تفاؤل حذر في مفاوضات الدوحة الانتخابات الرئاسية مُرَحّلة الى العام المقبل
-
مَن جرّب حزب الله... عقله مخرّب
-
إجماع نيابي على عبارة حرب «إسرائيليّة» ومُهجّرين وليس نازحين مراكز إيواء خالية من السلاح... واقتراح مُساعدة ماليّة شهريّة
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:45
إذاعة الجيش الإسرائيلي: انفجرت طائرة بدون طيار انطلقت من العراق في شمال مرتفعات الجولان، وسقوط مسيرة تسللت من جهة الشرق باتجاه منطقة شمالي الجولان دون وقوع إصابات
-
23:44
القناة 14 الاسرائيلية: بن غفير يهدد نتنياهو بإسقاط الحكومة إذا مضى بالاتفاق مع حزب الله
-
23:43
وزارة الصحة: 19 شهيداً في حصيلة غارات الجيش الإسرائيلي على مزرعة صليبي وبدنايل في بعلبك
-
23:31
المقاومة في جنوب لبنان: قصفنا تجمعات لجنود الاحتلال "الإسرائيلي" في مستعمرة جشر هزيف بصلية صاروخية
-
23:17
تجدد الغارات على سحمر في البقاع الغربي
-
غارة عنيفة على حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت