اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


غدا عندما تنتهي الحرب ويفشل العدو بتحقيق أهدافه، يعود الجميع الى العيش المشترك ويتساوى دم الشهيد مع خيانة الخائن. لبنان الأعجوبة الثامنة في العالم.

أعجوبة ولدت من خارج الرحم ونمت من خارج المائدة الوطنية، وتعيش من خارج منطق الحياة.

شهد على ولادته القيصرية حفنة من الاختصاصين الذين ضخوا في شرايين جسده أنواعا متعددة من فئات الدم، ترافقه طالما كُتبت له الحياة وتجعله يعيش قاصرا ويفاخر كاذبا ويقول مبالغا، ويعاشر من خارج معاني علم الاجتماع والمجتمع الواحد.

لبنان اعجوبة المتناقضات التي لا تنتهي، تارة يعيش زمن المهادنة فيرتفع مستوى الكذب ويسود النفاق وتكثر الابتسامات الساخرة فتشعر وانت تشاهد المشهد انك في حفلة تنكرية لا شبيه لها في العالم، تارة تعيش لحظة الانفجار فتشعر انك امام حمم بركانية تهدم وتحرق ولا تستثني الماء وموارد الطبيعة التي تهب الحياة، تخال أن الفراق آت على صفيح من نار وان حدوده جدار يربط الأرض بالسماء، وفي غفلة من انشغالك تسمع ان هدير البقاء استوعب هدير الجحيم، وأن من أشعل النار بعود ثقابه أرسل إطفائية الحريق بعدما شعر بالضيق.

أعجوبة لبنان ان ورثة الشهداء يصافحون الخونة وورثتهم، تلتقي عيونهم بعيونهم دون ان يشغروا بالغضب ودون ان يشعر الخونة وورثتهم بالخجل.

أود ان اعرف ماذا تقول عيونهم، ماذا تقول مشاعرهم، أما ان تركيبة الكيان ومقولة العيش المشترك، غلبت مفهوم المجتمع الواحد والوطن الواحد والأمة الواحدة واقتنعوا جميعا أن طلب العيش أعظم من طلب الحياة وأن ضرورات وجود الكيان غلبت ضرورة إدراك من نحن، أو انهم نقلوا تقاليد وعادات العائلات والعشائر الى الدولة، فأصبحت المصالحة التي تقوم على المصافحة أهم من العدالة التي تقوم على سيادة الحق.

لا يجتمعون على قوانين الصفح والمسامحة بعد الإقرار والاعتراف، ولا على تفاهم جديد لواقع الكيان وأوصافه، بل على قواعد الحفاظ على الصيغة والميثاق والمبادئ التي قام عليها الكيان، وكأن ما حدث من معركة مع العدو وخيانة وغدر في الظهر لم يكن، وكأن الكيان خارج منطق التطور والنمو، بينما الافراد يلتحقون بأرفع ما توصل اليه التطور بما يتعلق بالسلوك الفردي والثقافي والنفسي والاجتماعي.

غريب هذا الكيان! كيف يجمع تحت سقف واحد زُرقة السماء والغمام الأسود، قداسة الدم النقي وبشاعة الدم الأسود، أنه يحمل إرادة العيش ويسير نحو الموت ولا ينقذ نفسه، وينقذه من رسم خريطته، غريب هذا الكيان! تجد فيه في نفس الساحة نصبا لخائن ونصبا لشهيد يتعايشان بشعور الأخوة وكرم الضيافة.

فقط في لبنان تنقلب المفاهيم والقوانين الناظمة للحياة، ويصبح المستحيل واقعا ونزعم ان لبنان يقوم كطائر الفنيق من محنته ونقتنع بهذا الوهم مع العلم أننا نعلم انه قام بفعل استمرار وظيفته وليس بفعل قوته.

يوجد كذبة اسمها مجد لبنان علينا تصديقها وكأنها أيقونة دون ان يُخبرنا أحد من اين جاء هذا المجد ومن جلبه لهذا الكيان اللقيط الذي رُسمت خريطته باللصق والفصل، لُصق بخريطتة الاقضية الأربعة وفصلوا عنها الساحل الشامي، فأصبح كدمى واجهات الألبسة والأحذية في واجهات الشركات التجارية.

ما أبشع هذه الشراكة في هذا الكيان العائم على صفيح من ماء عكر.

كم تعب ذاك الذي أبدع مصطلح الشراكة، وكم كان حرّيفا في نحته وتأمين كل متطلبات الحضور والدوام له، ابتكره ليكون على قياس لبنان شكلا وحجما ووظيفة.


الأكثر قراءة

خاص "الديار": أول عملية استشهادية في الخيام ومعارك عنيفة مستمرة