اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

سمحت لنفسي اليوم أن أشارك تجربتي الخاصة كمعلمة للصف الخامس أساسي، وكصحافية تنقل الأخبار أولًا بأول. صعب عليّ بشكل كبير أن أقف في الصف وأن أتلقى خبر تهديدات العدو وسط جو متوتر، وأن أكمل شرح الدرس وكأن كل ما يحصل عادي.

صعب عليّ، مع حصول استهدافات عاريا، أن أطمئن تلاميذي أننا بخير، وأن المسافة بيننا وبين الغارة "بعيدة"، وهي في الحقيقة بعيدة خمس دقائق فقط.

لا أستطيع أن أنسى مشاهد الرعب والخوف التي رأيتها على وجوه تلاميذي، لا أنسى كيف بعضهم اعتاد على كل ما يحصل، وبعضهم خاف وبدأ بالبكاء، وبالأخص أن دخان الغارات يظهر من منافذ الصف. كل هذه الفوضى، واضطررت إلى الابتسام والقول بأننا "بخير"، كل هذا الانكسار، واضطررت أن أكمل شرح الدرس، كي لا يشعروا أننا بخطر، وأنا في الحقيقة واعية أننا بخطر شديد.

"هل هذا جدار صوت، أو قصف؟"، نفس السؤال يطرحه تلاميذي مع كل صوت نسمعه، "أنت تعلمين ما يحصل، نحن بخير صح؟"، نعم، نحن بخير... بخير، أي أننا لن نموت بغارة اليوم، أننا ننجو ألف مرة في النهار."

جيل صارع وباء كورونا، وموجة زلازل، يقف اليوم أمام معركة نفسية في بلد خيّب ظنه مرارًا وتكرارًا.

فأمام مستقبل مجهول، وواقع مرير ومؤلم، أطفال لبنان يتحدّون الظروف والحروب المحلّية والنفسية ويصرّون على التعلّم رغم كل المصاعب.

وفي الإطار نفسه، أساتذة لبنان يحاربون في الصف الأوّل عامًا دراسيًا قاسيًا يصعب وصفه. فهذه المرّة، المشكلة ليست بمحاربة وباء، ولا عوامل طبيعية، والتحديات ليست فقط تقنية، بل هم يداوون الجروح، يحضنون بحب، والبسمة لا تفارق وجوههم حتى في لحظات القصف ووقوع الغارات.

ينقل موقع الدّيار المشهد من مدرسة الإنجيلية اللويزة بعبدا، والتي شهدت على استهدافات عديدة في منطقة عرّيا التي تبعد نحو خمس دقائق عن المدرسة.

وفي حديث خاص لموقع الديار، قالت منسقة قسمي الحضانة والابتدائي، غريس وايت، "بدأنا السنة الدراسية بتوتر شديد، ومستقبل عام مجهول، ولأنّ هدفنا الأساسي هو حماية الطلاب والأساتذة، كان هناك تردد بشأن الانطلاقة، فنحن بكامل الإدراك أن بعض الطرقات في لبنان غير آمنة. وفي الوقت الذي عارض العديد من الأهالي فكرة فتح أبواب المدرسة، كان هناك عدد كبير يريد إرسال أولاده للتعلّم الحضوري".

وتابعت وايت، "اعتبرنا أننا نواجه ما كنا قد مررنا به في فترة انتشار وباء كورونا، فتركنا الخيار لمن يريد التعلّم عن بعد، وفتحنا أبوابنا لكل من يرغب بالحضور إلى المدرسة، وهذا القرار جاء بعد أن لمسنا معاناة الأطفال في المنازل، فهم يمضون وقتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، يتابعون أخبار الحرب بدقة، وهذا أمر خطير لصحتهم النفسية. ومن هنا، اتفقت معظم الآراء في لجنة المدرسة على أن العودة هي الحل الأنسب."

وأشارت وايت إلى أننا "نراعي ظروف الأطفال الذين يتابعوننا من منازلهم، بالأخص أن عددًا كبيرًا من طلابنا يسكنون في مناطق تتعرض للقصف للأسف، فبالإضافة إلى تسجيل وتصوير ساعات الصف، نظّمنا Google Meetings بهدف خلق تفاعل بين أساتذة الصف والطلاب في المنزل وفتح الفرص لطرح الأسئلة. لدينا أيضًا طلاب تهجّروا من منازلهم ويأتون إلى المدرسة نحو أربعة أيام في الأسبوع، وهذا شجّعنا على الاستمرار بعملنا."

ولفتت إلى أننا "نراعي وبشكل كبير صحة أطفالنا النفسية، لذلك نظّمنا جلسات في الصفوف مع أخصائيين في مجال علم النفس، لمساعدة التلاميذ في مواجهة الخوف والتعبير عن مشاعرهم. وأساتذتنا بكامل الجهوزية لحضن الأطفال وسندهم في هذه الأوقات الصعبة."

وأكّدت وايت "أننا اتخذنا إجراءات فعلية في ظل كل ما يحصل، فبدأنا بتقليل كمية إعطاء الفروض إلى المنازل، وخلقنا جوًا مريحًا في الصفوف. وجهّزنا طلابنا للذهاب إلى أماكن معينة آمنة داخل المدرسة في حال حصل أي وضع طارئ قربنا. وعند تلقّي أخبار التهديدات، نتعامل بتوصيل الخبر إلى الطلاب وتجهيزهم، بطرق تختلف بحسب الفئة العمرية. نحن حريصون جدًا على شعورهم، لذلك هناك أخصائيين يتابعون بدقة الوضع في المدرسة".

وشددت على أن "الأساتذة أيضًا يتعرضون للخطر، فهم العنصر الأساسي في المدرسة ونحن نرى جهودهم، غير أنهم يعلمون في الصف هم أيضًا يقومون بتسجيل الفيديوهات للتلامذة في المنازل، فهناك ضغط كبير عليهم ونحن نقدّر تعبهم، وأتمنى على الأهالي أخذ هذه النقطة بالاعتبار، فالوضع صعب علينا جميعًا".

وختمت وايت بالقول: "نحاول بقدر المستطاع أن نصمد ونكون أقوياء من أجل طلابنا ومصلحتهم، ولا نريد أن يضيع العام الدراسي، من أجل مستقبلهم".

الأكثر قراءة

العلويّون ضحايا العلويين