اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

كما كان شعب المقاومة مدرسة بعلاقته النموذجية والإستثنائية مع قيادته في الولاء والثقة والإلتحام والوحدة معها في مختلف الظروف، في الرخاء والشدّة، في حلو الأيام ومرّها، ها هو اليوم في «أمرِّها» يُثبت مُجدداً أنه مدرسة في الصبر والصدق والأخلاق والثبات والوعي والإدراك والصمود.. تماماً كما عهده السيد حسن نصرالله، القائد الذي هزّ العالم بإصبعه، أبكاه شعبه مِراراً.. فهو لم يتحدّث يوماً عنه دون غصّة ودمعة، كانت تعني له الكثير تضحياته ووفاؤه وإخلاصه ومحبّته، الى درجة أنه كان يَعتبر كل ما قدّمته المقاومة لهذا الشعب واجباً عليها، وما قدّمه الشعب للمقاومة مشكوراً عليه، حيث أنه عبّر يوماً عن ذلك بكثير من العاطفة مُتوجِّهاً لهم بإمتنان:» إنتو وقفتو معنا، آويتونا وساعدتونا ودخّلتونا بيوتكن، طعميتونا وسقيتونا، وحملتو جرحانا وشهدائنا»... 

بكثير من العاطفة والعقل، وبهذا الإمتزاج بُنيَت العلاقة بين المقاومة وشعبها، مُتوَّجة بقائدها الذي كان لديه ثقة كبيرة بناسه ويُراهن على صدقهم وثباتهم ووعيهم، فهو عاش معهم ٣٢ عاماً كأبٍ مع أبنائه، أغرقهم بالعاطفة، علِّمهم الصواب، بنى وعيهم، حفظ كرامتهم، دافع عنهم، كان ملجأهم الوحيد بعد الله، عرفوا معه معنى العزّة، عاشوا معه انتصاراتهم، فأصبح بالنسبة لهم نقطة ضعف بالعاطفة ونقطة قوة بالعقل، تماماً كما هم بالنسبة له.. هكذا كانت العلاقة التبادلية بينهما والتي تُعتبر غير مسبوقة في عالمنا.

لم يمر عبر التاريخ تجربة التصق فيها شعب بقيادته كتجربة العلاقة بين شعب المقاومة وقائدها الإستثنائي والتاريخي الذي احتل الوجدان والقلب، كما حضوره في العقل والإدراك والوعي، والذي بناه طوال ٣٢ عاماً من قيادته للمقاومة، وهذا الإلتصاق كما كان يُشكِّل ضمانة للإستجابة والإلتزام بالتوجيهات والقرارات، كان يُشكِّل تهديداً لهذا الشعب في حال فقدانه لقائده الرمز.

ما حصل منذ الإعلان عن استشهاد السيد نصرالله حتى كتابة هذه الكلمات أمر إستثنائي، فصدمة الفقد بعد تراكم الآمال وصدق الوعود وتحقيق الإنجازات، والنمو التصاعدي بمسيرة المقاومة في لبنان، والتي تحوّلت بفضل قيادة هذا الرمز الى قوّة مُهابة ومؤثِّرة في المعادلات، يكون تأثيرها مضاعفاً، وفي الحالات العادية قد يؤدي الى حالة انهيار أو تشتت أو ضياع أو تشكيك أو ارتداد عمّا كان يُعتبر عندهم ثابتاً أو بديهياً.

إلا أن ما شاهدناه من تحت ركام الصدمة السلبية، تكشَّف للمراقبين الميدانيين صدمة إيجابية تمثّلت بمستوى صبر وصمود ووعي البيئة المُضحيّة، ابتداءً من اطمئنانهم وثقتهم بحتمية النصر، مروراً بصبر العوائل النازحة واحتساب عوائل الشهداء، وصولاً الى المواقف أمام البيوت المهدَّمة والمجازر المتنقلة، وهذا ما شكّل خيبة أمل عند المراهنين على الإنكسار النفسي وهزيمة الإرادة وكيْ الوعي في مجتمع المقاومة.

كل هذا المشهد الباعث على الإفتخار، لا يُلغي صدمة الإنكار التي أعقبت خبر استشهاد السيد نصرالله، وهذا أمر متوقع، إلا أن هذه الصدمة وبسبب عمق تأثيرها العاطفي، أغلقت نوافذ التعبير عن الحزن، وأوجدت في النفوس دوافع إضافية للمواجهة، وإظهار التماسك والشعور بالمسؤولية، لحمل أمانة السيد والإلتزام بتوجيهاته، والإرتقاء الى مستوى رهانه على شعبه وبيئته، فتحوّل المجتمع المُضحي الى كتلة متماسكة بوجه التحديات الوجودية، ورَفع أكتافه لحمل السقف الذي راهن العدو على سقوطه بغياب أهم أوتاده.

وأمام هذه المشاهد والأحداث المكثّفة، يُمكن تسجيل ظاهرة نادرة، تمثّلت بقدرة جماعة بشرية فقدت رأسها وأهم أركانها في مدة زمنية قصيرة، وواجهت هجوماً شرساً من العدو الخارجي بالتدمير والقتل، والمتآمر الداخلي بالشماتة وإهانة التضحيات ومحاولة كسر إرادة المواجهة، ورغم ذلك استطاعت لملمة أشلائها وجراحها وأوجاعها، ورمّمت نفسها بثقتها بربها وبحقّها وبأبنائها لتستوعب الصدمة، ثم نهضت لتُدير حياتها في ظروف التحدّي وميدان اختبارها الجديد، معتمدة على مخزونها المعنوي وإيمانها ، وذخيرة ثقتها التي غذّاها سيّدها على مدى سنوات طويلة، وباتت تنظر الى نفسها بمنظار مَن راهن عليها وأن همّها الآن، أن لا تسقط من عينه بل أن تكون على قدر ثقته..

هذا التحمّل والصبر والوعي من الشعب، شكّل أحد ركنيْ الصمود، مع توأمه في ميدان القتال من المجاهدين، وهذا ما كان يُراهن عليه سيد المقاومة طوال المراحل السابقة، وهو أن أهمية صمود الناس عنده تُوازي القدرات العسكرية وصمود المجاهدين في الميدان.. من هنا يمكن القول، لم تخبْ توقعات السيد نصرالله بشعبه بل أثمر زرعه مجتمعاً نموذجياً في مواجهة التحديات، وشعباً متماسكاً حول خياراته مهما كانت التضحيات...

الأكثر قراءة

حزب الله يُحذر من الخروقات «الإسرائيليّة»: للصبر حدود الجولاني مُستقبلا جنبلاط: سنكون سنداً للبنان