اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

منذ اندلاع الحرب في لبنان، واجهت بلدة لبعا، وهي بلدة صغيرة في قضاء جزين جنوبي لبنان، وتتميز بموقعها الخلاب بين الجبال، وتبعد حوالى ٥٣ كيلومتراً عن العاصمة بيروت، تحديات هائلة. فقد أثرت الحرب بشكل كبير في حياة أهالي البلدة، وكذلك في النازحين الذين لجؤوا إليها بحثًا عن الأمان والاستقرار.

وعلى الرغم من الصعوبات، ظهرت لبعا كمثال حي على التضامن والإنسانية، حيث تجسدت في فعالياتها ومبادراتها المختلفة لدعم النازحين، سواء كان ذلك من خلال تقديم المساعدات الغذائية أو توفير التعليم والرعاية الصحية.

وفي حديثٍ لـ "الديار"، أوضح كاهن رعية بلدة لبعا، الأب جهاد فرنسيس أنه منذ بدء الأعمال العدائية في جنوب لبنان واستمرار التصعيد "استقبلنا حوالى 500 عائلة نازحة توزعت بين مراكز الإيواء ومنازل البلدة"، مشيراً إلى أن "تكميلية وثانوية لبعا أوتا في بداية الأمر حوالى 150 عائلة وازداد العدد إلى نحو 250 مع مرور الوقت، في حين أن أهالي البلدة استقبلوا حوالى 350 عائلة في منازلهم".

وأشار الأب فرنسيس إلى أن "رئيس بلدية لبعا، السيد فادي رومانوس، شكّل خلية أزمة منذ بداية الاعتداءات لتكون على استعدادٍ تام للتعامل مع تداعياتها على السكان"، مضيفاً أنه "عندما بلغت هذه الحرب ذروتها، وازدادت موجات النزوح، كانت الخلية بالفعل على مستوى عالٍ من الجهوزية من جهة تأمين الحاجات والخدمات الأساسية للنازحين".

وأقرّ في حديثه لـ "الديار" بأننا "واجهنا في البدء مشكلة نقص في بعض المواد وذلك يعود إلى اعتمادنا حينذاك على كل ما كان متوافراً في البلدة فقط"، مضيفاً أن "رئيس البلدية تكفّل، في اليومين الأولين، بتأمين كل ما احتجنا إليه، تقريباً، لاستقبال النازحين، وقام بالاتصال بجمعيات تعنى بهذا الشأن، والتي بدأت العمل على تقديم المساعدات والخدمات بدءاً من اليوم الثالث أو الرابع، بعد تجهيز مركزي الإيواء بالكهرباء والمياه والمواد والخدمات الأولية، لتصبح صالحة للسكن".

وتابع "أكملنا على هذه الوتيرة بالتعاون مع جمعيات عدة مثل DPNA (Development for People and Nature Association)، ومجلس الجنوب وغيرها، بالإضافة إلى المبادرات الفردية من خلال علاقاتنا ببعض الأشخاص ذوي "الأيادي البيضا"".

ولفت الأب فرنسيس إلى أن المبادرات في البلدة لم تقتصر فقط على تأمين الحاجات اليومية للنازحين بل عملت على الاهتمام بالجانب النفسي والفكري والاجتماعي، فقد "وضعنا برامج رياضية وترفيهية وثقافية للأطفال، بالتعاون مع متطوعين من البلدة بالإضافة إلى جمعيات مثل كاريتاس وجمعية سما، وبمشاركة مداس مثل "السان نيكولا"، بهدف محاولة إخراج الأطفال من أجواء الحرب وتداعياتها"، مشيراً إلى أن الأطفال كانوا يشاركون بشكل شبه يومي في نشاطات فكرية عن طريق ألعاب ثقافية وتدريباتٍ وجلسات لقراءة القصص "لإبقائهم في أجواء العلم".

وأردف الأب فرنسيس أن الاهتمام من الناحية الفكرية والنفسية لم يكن محصوراُ فقط بالأطفال، إنما شمل النساء والرجال أيضاً، "ففي بداية الأمر كانوا ضيوفاً في بلدتنا ولكن مع مرور الوقت أصبحنا شركاء. وبالتالي أضحى الاهتمام بالبيئة التي نعيش فيها عملاً تقاسمناه جميعاً".

وأضاف أن بعض المؤسسات وضعت برامج خاصة حول علاقة الأم بأبنائها وتعزيز صحتها النفسية لتتمكن من القيام بدورها في توجيه أولادها ومساعدتهم في تخطي هذه المرحلة الصعبة.

أما بالنسبة للرجال، فقال الأب فرنسيس لـ "الديار" انهم أطلقوا مبادرة "بعرق جبينك كول خبزك"، كانت تهدف إلى إشراك الرجال، الذين يكونون عادةً المعيلين الرئيسيين للعائلة، بحيث يشعرون بأنهم ما زالوا يؤدون دورهم وليسوا مجرد متلقين للمساعدات، بل يعملون للحصول على ما يحتاجون اليه، "فعرضنا، على الراغبين بالطبع، العمل في البساتين، التي يملكها رئيس البلدية وبعض الأهالي، لحصاد موسمي الزيتون والأفوكاتو، بأجرٍ يومي بقيمة 15 دولارا"، مضيفاً أن المبادرات هذه كان لديها أيضاً بعد اجتماعي إذ ساهمت في دمج "الضيوف" مع أهالي البلدة "مضيفيهم".

وذكر الأب فرنسيس أيضًا اليوم الرياضي الذي نظمته البلدة، بمناسبة عيد الاستقلال، حيث أقيمت بطولة كرة قدم للأطفال تلاها احتفال بقطع الكعكة بمشاركة الكبار. وكان الهدف من هذه الفعالية إشراك الجميع في الاحتفالات وعدم استثناء أي شخص منها، "وتغيير الأجواء. كان جو حلو".

وتابع أننا "في الحقيقة، أصبحنا عائلة واحدة، وقد أظهر الجميع عن محبتهم وقدرتهم على الاهتمام وخلق هذا التواصل العميق مع بعضهم بعضا" مؤكداً أن "بالنهاية نحنا أهل، نحنا جنوبيي وهني جنوبيي، هني أهل لبنان ونحنا أهل لبنان، وانشالله ما نكون قصّرنا معهن ومنعتذر إذا قصّرنا ".

وشدد الأب فرنسيس على أن "هذا التقصير، إذا وجد، لم يكن مقصوداً. فنحن أبناء المنطقة ونفتقد الكثير، حالنا كحال سائر اللبنانيين" مؤكداً أننا "تقاسمنا كل ما استطعنا تقاسمه".

وفي السادس والعشرين من الشهر الجاري، تم الإعلان عن وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" ولبنان، مما أنهى أكثر من عام من الصراع الشديد.

وتم التوصل إلى وقف إطلاق النار بوساطة الولايات المتحدة وفرنسا، ويتضمن اتفاقاً لوقف الأعمال العدائية لمدة 60 يوماً، مع انسحاب تدريجي للقوات "الإسرائيلية" من جنوب لبنان ونقل مقاتلي حزب الله شمال نهر الليطاني. يهدف الاتفاق إلى تحقيق السلام والاستقرار الدائمين في المنطقة.

وعن خطة "ما بعد الحرب" قال الأب فرنسيس أن "غالبية الأهالي النازحين قد عادوا أدراجهم، مع بقاء عائلتين في مركز الإيواء" مؤكّداً أننا "ما زلنا على تواصل معهم جميعاً، ونطمئن عليهم".

وختم "يعني فينا نقول وصّلناهن ع بيتن"، رافقناهم وتمنينا لهم الخير واللقاء في ظروفٍ أفضل". 

الأكثر قراءة

الجيش السوري يستعد لهجوم مضاد والطيران الروسي والسوري يقصف التكفيريين وزير الخارجية الإيراني يزور تركيا غدًا وروسيا ترفض اهتزاز الوضع في سوريا