متى تعلّق المشانق ثانية في ساحة البرج، وفي ساحة المرجة؟ سؤال الى الأشقاء في مصر، وفي السعودية، حين يرون رجب طيب اردوغان، بطربوش السلطان العثماني، دون أن ننسى طربوش حسن البنا، يحكم سوريا التي رأى فيها الفيلسوف الفرنسي جان ـ بيار فيليو "الابنة الكبرى للتاريخ".
مصر نأت بنفسها عن أزمات العرب، وعن قضايا العرب (وهل من قضية لعرب داحس والغبراء؟) حتى لتثير الذهول بكيفية تعاملها مع مأساة غزة، ومأساة ليبيا، ومأساة السودان، لكأنها مناطق في المريخ، ولا تداخل بينها وبين أرض الكنانة في الجغرافيا وفي التاريخ.
السعودية، بامكاناتها المالية الهائلة، وكنقطة استقطاب للمنطقة وللعالم، لا تستطيع أن تتخلى عن دورها، وان كان الأمير محمد بن سلمان يعطي الأولوية للانتقال ببلاده من ثقافة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الى ثقافة القرن، سواء عبر بوابة البيفرلي هيلز، أم عبر بوابة وادي السيليكون، ناهيك عن بوابة وول ستريت أو بوابة الكوت دازور.
أوقات كثيرة ضاعت حين كان التوجس السعودي من الدفع الايديولوجي للجار الايراني، بالطموحات الجيوسياسية، التي تمتد من مضيق هرمز الى ضفاف المتوسط، ومن ضفاف البحر الأحمر الى مضيق ملقة، والى حد وصف لبنان وسوريا بضحية تلك الطموحات. وكان لا بد من الاقتراب من الجار التركي، ودائماً مع الحذر من اللوثة العثمانية في رأس الرئيس التركي، وقد صدم قصر اليمامة باثارته قضية جمال خاشقجي، على ذلك النحو المسرحي، وهو الذي دفع بآلاف الضباط والقضاة والاعلاميين الى الظلام لا الى الظل.
الآن، سوريا في قبضته. أمام الملأ حدد خارطة الطريق التي يمضي بها أبو محمد الجولاني، بـ"الدماغ البونابرتي" الى دمشق (اللاذقية جائزة ترضية للقيصر). لا أحد يستطيع منعه من الوصول الى ضفاف بردى، والى وادي بردى عند الحدود مع لبنان، ليكون الحارس "الاسرائيلي" لهذه الحدود، وكذلك على حدود سوريا مع العراق، ليتسنى للشراكة بينه وبين بنيامين نتنياهو خنق المقاومة في لبنان...
هذا لا يعني أن "الاسرائيليين" الذين يشككون حتى بالأميركيين، لا ينظرون اليه بارتياب، وان كان قد طرح أكثر من مرة على "تل أبيب" فكرة تشكيل كوندومينيوم (حكم ثنائي) تركي ـ "اسرائيلي" لادارة الشرق الأوسط. الآن، وفي نظرالفريق الذي شكله دونالد ترامب، كظواهر "توراتية" أو "تلمودية"، تاج الشرق الأوسط لورثة سليمان الحكيم، لا لورثة سليمان القانوني.
اذا كان اردوغان من صاغ المسار العسكري لتلك الجحافل الآتية للتو من كهوف تورا بورا (لنقل سوريا الى الحداثة ، وكذلك الى الديموقراطية)، بقيادة ضباط من الأتراك والطاجيك، والأوزبك، وحتى الشيشان، من تراه أوعز له بغزو سوريا، واقفال الحدود السورية، كضرورة "اسرائيلية" لا كضرورة تركية.
الرجل الذي أخطأ في التوقيت ابان ما سمي "الربيع العربي"، وهو المصطلح الأميركي الذي استخدم لوصف التحركات في أوروبا الشرقية أثناء الوجود السوفياتي (ربيع براغ، وربيع وارسو...)، يبدو وكأنه يقوم الآن بتصحيح خطأه، مع علمه بحساسية المأزق الداخلي في "اسرائيل"، والذي يقترب الى حدود الانفجار، ليضطلع السلطان بدور حارس الحدود.
الوقت الأميركي ملائم جداً أيضاً، وحيث لم يعد جو بايدن البطة العرجاء، بل السلحفاة العرجاء ألتي اذ زحفت طويلا وراء بنيامين نتنياهو، ها هي الآن تزحف وراء رجب طيب اردوغان الذي لا ينتظر دونالد ترامب لكي يربت على كتفيه. حلمه أن يكون رجله في الشرق الأوسط، لنقول للعرب (وأين العرب؟) تنبهوا لعودة النير العثماني، ومشانق جمال باشا السفاح...
ولكن، بالرغم من كل الخدمات التي يقدمها اردوغان لنتنياهو في هذه الظروف الدقيقة، تتخوف هيئة الأركان من تفلت الحدود مع سوريا، بالتالي تفلت عناصر من المعارضة لا يمكن التحقق من أفكارها ومن توجهاتها.
مثلما قيل أن نتياهو، بالبعد التوراتي والبعد النرجسي في شخصيته، حاول أن يقوم بدور يفوق امكاناته وامكانات "اسرائيل" "تغيير الشرق الأوسط"، يقال أن اردوغان بالبعد الاخواني، والبعد النرجسي في شخصيته، لم يتوقف عند حلب، وانما خطط للوصول الى دمشق، ولن يتوقف عند الموصل، وانما يريد الوصول الى بغداد (وبعد بعد بغداد). نهاية نتنياهو الانتحار أو الاحتراق. ما نهاية اردوغان؟
قد يحق للبعض القول أن ثمة خللاً في ادارة سوريا، التي كانت دوماً هدفاً للعب الأمم، أو للعبة القبائل، حتى أن محمد الماغوط وحين نقلت اليه كلام جان ـ بيار فيليو، أجابني "... لكنني خائف على موت التاريخ في سوريا"، في حين أن الآخرين، وسواء كانوا "الاسرائيليين" أم الأتراك أم الايرانيين، يحاولون عبر الايديولوجيا، اعادة احياء التاريخ، ليصف هؤلاء بكونهم خارج القرن، الذي لم يعد فيه مكان لا للايديولوجيا ولا للتاريخ.
كلام عن نهاية سوريا التي هي، بحالة أو بأخرى، نهاية العرب. لنتصور أي نظام بديل تحت حكم النيوانكشارية، انها حرب المائة عام، وقد بدأت. الدولة السورية بالتنوع، وبالتفاعل مع ديناميات الحداثة، هي في خطر. كلنا في خطر...
يتم قراءة الآن
-
الخميس الكبير: الجنرال جوزاف عون على عتبة الرئاسة اميركا ــ فرنسا ــ السعودية حشدت اكبر قدر من التوافق على قائد الجيش
-
رئيس جمهوريّة لا يُفجّر لبنان
-
ما سرّ العودة السعوديّة "الفجّة"... وأيّ مُهمّة للرئيس الجديد؟ هل يحصل "الثنائي" على أجوبة... ام تنفجر "الألغام" لاحقاً؟
-
"خميس الانتخاب"... هل من مفاجآت؟
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
19:20
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هنأ في اتصال هاتفي جوزاف عون بإنتخابه رئيسا للجمهورية وجدد له دعم فرنسا للبنان
-
18:59
معلومات الجديد: الموفد السعودي يزيد بن فرحان غادر لبنان منذ قليل
-
18:17
تفجير كبير في بلدة كفركلا
-
18:17
طيران مسير اسرائيلي منخفض جداً فوق الضاحية الجنوبية
-
18:16
رئيس الجمهورية اللبناني جوزيف عون يغادر قصر بعبدا على أن يبدأ نشاطه الرئاسي صباح الغد
-
18:16
تفجيرات ضخمة في محيط بلدة عيتا الشعب