اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لا أقمن في مكان وإن طاب، ولا يمكن المكان الرحيل

كلُما رحبت بنا الروض ، قلنا حلب قصدنا وأنت السبيل

فيك مرعى جيادنا والمطايا وإليها وجيفنا والذّميل (المتنبي)

ما عاد البكاء يجدي وما عاد يشفي ولا يُضمد الجراح النازفة، وسعير النار أحرق مجاري الدمع، فالروح مسكونة بالغيظ والغضب، تصارع تنين الموت على حفاف الخطر وأبواب الانزلاق نحو جهنم.

ومن قال ان بياض حلب المكلل بخيطان سواد العظمة يتحول الى سواد الحزن اذا ما أصابته حوافر البغال بجراح الوجع؟

من قال ان الشهباء تنحني للقحط والجدب حين يغزوها جراد الأعداء في غفلة من صمت الأمكنة والأزمنة وعويل ذئاب الغابات؟

لن تكون حلب إلا مقصد العابرين الى جنائن بغداد بغايات الشرفاء والعابرين الى بيروت والقدس بغايات النهل من موارد الايمان ومراكب السفر الى جنائن الحق والخير والجمال.

اعتادت حاضرة حلب على الوجع اليس من معاني اسمها القحط والجدب.

أعجب كيف تعبر اليها خناجر الذبح وهي كانت لهم موائد الحياة الراقية اقتصادا وأدبا وفلسفة وفنا وطاولات الكرم المزيّنة بطيب النفوس الكبيرة؟

أعجب كيف يغزوها مجرما من كانت له حاضنة وأملا بحياة جديدة؟

لست أدري إذا كان القدر اختارنا ان نكون للجراح والأوجاع والألام وأن لا نُشفى من طعنات الغدر، أما أنها إرادة الوحش الذي اغتال أدونيس وأقفل أبواب الفصول في وجوهنا، وأننا كذبنا حين اخترعنا عودته الى الحياة حين يعود الربيع الى ربوع أرضنا.

لست أدري ان كنا ندفع ثمن اختراعنا للأسطورة، وتفسيراتنا لظواهر الوجود على قاعدة بعث الحق والخير والجمال فغار منا هذا الوحش الغربي وأصر على محاولاته ابادتنا إشباعا لغريته التي تفسر ظواهر الكون على قاعدة غلبة الشر على الحق.

هذه الجراح الممتدة من فلسطين وجنوب لبنان الذي تقاوم عينه مخرز الغرب ولبنان الذي شُقت فيه مجاري التفرقة الى الشام القابضة على جراحها وتقاتل بدموع عينيها وما بقي من أثر من تاريخ رجالها الى بغداد التي تكحلّت عينيها بألوان متنافرة غير متناسقة فضاع جمال حدائقها واختفت اسرار أساطيرها والحكايات، ولم يبق منها سوى أنفاس المغول والتتار وبقية من أرواح عظيمة تنشد الحياة وتحافظ عليها على أمل ان يحين دورها في الاستيقاظ.

الويل لأمة أصبحت تجيد تعداد جراحها وتتعايش معها، وتعجز عن تضميدها.

الويل لأمة كثر فيها فُرّاء البخت والمنجمون ومن يقرأ بالكف والودع والسُبحة، وأصغى اليهم أولي الأمر في البلاد. الويل لأمة كثر فيها الكهنة وقلّ فيها الدين.

نحن أقوياء بالفطرة والإرث لذلك سنبقى على قيد الحياة الى ان ننتصر.

ننافق ان قلنا انك وجعنا الوحيد يا حلب، فكل حبة تراب في بلادنا أصبحت وجعا من أوجاعنا والى ان تطيب الأوجاع نستودعك يا حلب ونستودع أخواتك من المدن السورية الأمل بنهضة تعيد النبض الى الحياة.

من يفك الاشتباك الحاصل بين البصر والبصيرة. أغرانا البصر وأنسانا البصيرة، فتهنا.


الأكثر قراءة

العلويّون ضحايا العلويين