منذ إنهيار الإتحاد السوفياتي عام 1989 وإنتهاء الصراع بين النظامين الشيوعي والإقتصادي الحر إتجهت الأنظار نحو منافس ربما يكون أكبر وأخطر بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية إلأ وهي الأمبراطورية الصينية التي عاجلآ ما أصبحت ثاني أكبر إقتصاد في العالم رغم بقاء نظامها السياسي شيوعيآ لكن عرفت أن تحول إقتصادها إلى إقتصاد حر وليبرالي حيث أصبحت الآن معمل العالم. نسمع منذ أكثر من عشرات السنوات أن الشغل الشاغل للإدارات الأميركية المتعاقبة هي كيفية إحتواء لا بل تحجيم أمبراطورية الوسط من يظن أو يقول أن الرئيس ترمب يريد أن ينهي الحروب في الشرق الأوسط لينتقل إلى مواجهة مشكلة الصين فهو لم يفهم بعد جوهر السياسة ولا العقيدة العسكرية الأميركية .
منذ الحرب العالمية الأؤلى بنيت عقيدة الجيش الأميركي القتالية على أساس أن الجيش الأميركي يستطيع أن يخوض حربين عالميتين في نفس الوقت وتجلى ذلك عند الحرب العالمية الثانية حين خاض الجيش الأميركي حربين عالميتين الأولى ضد النازيين والثانية والأصعب ضد اليابان وفي كلا الحربين إنتصر . كذلك الأمر بالنسبة للسياسة وللسياسيين والدبلوماسيين الأميركيين فيمكنهم العمل على عدة جبهات في آن واحد لذلك أستبعد كليآ أن يكون التوجه إلى مواجهة الصين سيكون بوقف التدخلات الأميركية السياسية والدبلوماسية والعسكرية في الشرق الأوسط ومنع "إسرائيل" عن عدوانها على الدول العربية .
الصراع الأميركي - الصيني لن يأخذ وجها عسكريا مباشرا إذ إن العملاقين لديهما من القدرات العسكرية والنووية ما يمكنه تدمير نصف العالم على الأقل فحين تمتلك الولايات المتحدة الأميركية جيشا مؤلفا من حوالي مليوني جندي تمتلك الصين جيشا مؤلفا من ثلاثة ملايين مقاتل . أما والأهم فواشنطن تملك حوالي 3700 رأس نووي فيما الصين تملك أكثر من 1680 رأسا نوويا نصفها عابرة للقارات ويمكنها إستهداف أي نقطة في أميركا . لكن واشنطن بأسطولها البحري المؤلف من 11 حاملة طائرات ومئات من المدمرات والفرقاطات تسيطر كليآ على البحار وخاصة الممرات ويخولها ذلك التحكم بالتجارة عبر البحار وبنقل النفط والغاز وفرض حظر بحري على أية دولة معادية مثلما حاصرت وصول النفط إلى اليابان قبل عملية بيرل هاربور .
إذآ الصراع سيكون غير عسكري أي سيكون على المستويات التالية : إقتصادي ، مالي ، صناعي ، السيطرة على مصادر الطاقة في العالم ، التكنولوجيا ، الممرات البحرية والبرية ، الذكاء الإصطناعي ... لكن واشنطن تملك ورقة رابحة على الصين وهي الهند الجار اللدود المنافس بشدة لبكين وتملك أيضآ الهند جيشآ من مليونين ونصف مليون جندي كما وتملك أيضآ السلاح النووي . الهند مؤهلة لأن تصبح قريبآ ثالث أكبر إقتصاد في العالم مع عدد سكان فاق عدد سكان الصين وأصبح عدده أكثر من مليار ونصف مليون هندي و لا داعي للذكر أن الهند هي من أهم حلفاء واشنطن مع إستثمارات أميركية سنوية في الهند تفوق الـ 125 مليار دولار في جميع القطاعات خاصة التكنولوجيا والأسلحة والسيارات كما أن أغلبية أسطول الطيران الحربي الهندي المؤلف من أكثر من 1137 طائرة حربية من نوع ميراج 2000 الفرنسية ورافال الخارق الفرنسية من الجيل الخامس .
كما أن الصين والهند تتنافسان على طريقين قد يشكلان مستقبل التجارة العالمية فالصين بدأت منذ عشرات السنوات بناء طريق أسموه "الحزام والطريق " وهو عبارة عن طريق الحرير القديم بنسخة جديدة، يمر هذا الطريق بـ 123 دولة من آسيا الشرقية والجنوبية وصولآ إلى أوروبا مرورآ ببلدان عدة في آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا وحتى مرفأ بيروت . يتوقع عند إنتهائه بعد حوالي 15 سنة أن يؤمن طريق الحرير الجديد أكثر من 35 % من التجارة العالمية سنويآ .عند الإنتهاء من هذا المشروع ستصبح الصين محور التجارة العالمية والإقتصاد الأول في العالم .
لكن للولايات المتحدة الأميركية مشروعا آخر ينافس طريق الحرير الصيني وهو طريق الهند التي تدعمه واشنطن بكل قواها لمحاولة قطع الطريق على الصين . طريق الهند يمر حتى الآن بحوالي 63 دولة منطلقآ من الهند وصولآ إلى باريس و لندن مرورآ أيضآ بعدة دول في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وحيفا في "إسرائيل" . عند إنتهائه بعد حوالي 20 سنة يقدر طريق الهند أن يشكل حوالي 12% من التجارة العالمية سنويآ .
طريق الحرير الصينية وطريق الهند المدعومة من واشنطن تشكلان إحدى أهم الصراعات بين الولايات المتحدة الأميركية والصين للعقود القادمة ومنطقة الشرق الأوسط ستتأثر بشكل مباشر بهذا الصراع .هنالك صراع آخر بين الجبارين وهو الصراع على من يسيطر على مصادر الطاقة كالنفط مثلآ ومعادن مهمة جدآ للصناعات التكنولوجية مثل الليتيوم والكوبالت والنيكل التي هي مكون أساسي في صناعات البطاريات لسيارات الكهربائية المستقبلية والهواتف الخليوية .
فالصين تستثمر أكثر من 98 مليار دولار سنويآ في القارة السمراء كإتفاقيات مع دول أفريقية لإستخراج هذه المعادن وغيرها من أجل صناعات الصينية في البطاريات والهواتف الذكية والأدوات التكنولوجية فيما تستثمر واشنطن أكثر من 66 مليار دولار سنويآ في أفريقيا لنفس الغاية وواضح أن من يسيطر على أكبر عدد من هذه المعادن يسيطر ليس فقط على التكنولوجيا بل أيضآ على أفضل أسعار المنتوجات النهائية لذلك نلاحظ أن رغم رفع التعرفة الغمركية في أؤروبا وأميركا من 10 إلى 25% على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين فإن السيارات الكهربائية الصينية تغزو أؤروبا و أميركا بأسعار تنافسية جدآ ما أدى إلى إقفال عدة معامل سيارات في ألمانيا وبلجيكا وفرنسا و حتى أميركا .
لكن الصين تهدد الآن برفع أيضآ نسبة الجمارك على عدة منتوجات أؤروبية وأمركية وهذا الإشكال عادة ما يحل في منظمة التجارة العالمية لكن يأخذ وقتا طويلا جدآ .أما فيما يختص بالنفط فتشكل المملكة العربية السعودية ثاني أكبر مصدر للنفط ألخام إلى الصين مع حوالي 17 % من حاجات بكين للذهب الأسود وتشكل دولة قطر ثاني أكبر مصدر للغاز إلى الصين مع نسبة تصل إلى حوالي 32% من حاجات بكين للغاز وهنا يمكن لواشنطن خاصة في عهد ترمب أن تضغط على حلفائها المملكة العربية لخفض تزويد الصين بالخام الأسود والغاز لفرض شروط على الصين تكمن لصالح واشنطن مع العلم أن المصدر الأول للنفط الخام إلى الصين هي روسيا والمصدر الثالث هو العراق والرابع هي إيران .
أما الولايات المتحدة الأميركية فتستورد النفط من فنزويلا وكندا والبرازيل وقسم كبير من دول الخليج لكن في ما يختص بالغاز فالولايات المتحدة تنتج حاجاتها وتصدر أيضآ .إذا نظرنا إلى الوضع الإقتصادي لكلا البلدين فالناتج الإجمالي المحلي للولايات المتحدة الأميركية هو 27 تريليون دولار عام 2023 مع نسبة نمو وصلت إلى 2,5 % بينما الناتج الإجمالي المحلي الصيني لعام 2023 كان 17 ترليون دولار أميركي مع نسبة نمو وصلت إلى 5,3% أي كما نلاحظ فالنمو الصيني عام 2023 كان أكثر من ضعفي النمو الأميركي .
كما وأن الإحتياطي بالذهب لدى الصين فيبلغ 1200 طن والإحتياطي بالعملة الدولار في المصرف المركزي الصيني يبلغ 3.5 تريليون دولار ما يشكلان ضمانة قوية جدآ للإقتصاد الصيني ولعملتها اليوان . أما إذا إندلعة حرب مالية بين الدولتين فستشكل الصين بإحتياطها بالدولار خطرا كبيرا على قيمة العملة الخضراء . أما الإحتياطي الأميركي بالذهب فهو 2300 طن والإحتياطي في الدولار في الفدرل ريزرف فيبلغ 1.25 تريليون دولار .
أما التهديد الأكبر على واشنطن في المدى المتوسط والبعيد فهو بلا أدنى شك منظمة البريكس التي تضم حاليآ الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل أي ما يقارب ال 18% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وستضم قريبآ مصر والأمارات المتحدة العربية وإيران وإثيوبيا . تمثل الدول الخمس الأساسية في البريكس حوالي 27 % من القوى الشرائية في العالم وهي تمثل أكثر من 29% من التبادلات التجارية في العالم وهذا سيشكل خطراكبيرا على سيطرة الدولار إذا قررت مجموعة البريكس إستعمال عماة خاصة. وهذا يقلق واشنطن على أعلى المستويات.
أما فيما يختص بتايوان فستحل دبلوماسيآ عبر إعادتها إلى الصين ضمن شروط مقابل رفع بكين كل الغطاء عن كوريا الشمالية وإعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية تحت نظام دمقراطي وبالتالي إزالة الخطر النووي من كوريا الشمالية على سيول وطوكيو.
يتم قراءة الآن
-
القصر الجمهوري يستعد... هل يكون 9 كانون الثاني موعداً للحسم الرئاسي؟ «الاسرائيليون» لاهالي الجولان: لن ننسحب وستخضعون للقانون «الاسرائيلي» بالتجنيد اعتراض اميركي اوروبي على العفو العام عن الإسلاميين وطلبات إخلاء السبيل رُدّت
-
العلويّون ضحايا العلويين
-
"Soft landing" فرنجية : فتّش عن المحيطين "كفانا خسارة"! جنبلاط نسق مع بري وقطع الطريق على جعجع القوات تنتظر بري وناقشت كلّ الخيارات منها المقاطعة
-
لبنان: لا تطبيع ولكن ...
الأكثر قراءة
-
"Soft landing" فرنجية : فتّش عن المحيطين "كفانا خسارة"! جنبلاط نسق مع بري وقطع الطريق على جعجع القوات تنتظر بري وناقشت كلّ الخيارات منها المقاطعة
-
الانتخابات الرئاسية: الكواليس الداخلية تشتعل في سباق الحسم بري يعوّل على انتخاب الرئيس في 9 كانون 2... ودعوات للسفراء بعد الميلاد المعارضة لم تتفق على تسمية المرشح وجعجع يضغط لتأخير الحسم
-
وفد درزي سياسي – ديني في دمشق اليوم يلتقي الشرع جنبلاط سيقدّم مُذكرة حول العلاقة اللبنانيّة – السوريّة تطالب بإصلاحها
عاجل 24/7
-
12:47
جنبلاط وصل الى قصر الشعب حاملاً معه هدية الى قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع عبارة عن كتاب عن جده الأمير شكيب ارسلان (الجديد)
-
11:31
الجيش السوداني يقترب من كسر الحصار على مقر القيادة العامة بالخرطوم
-
10:27
بوتين: هناك الكثير من المخاطر في المرحلة الراهنة وروسيا سترد على أي تحد
-
10:17
يديعوت أحرونوت: تقديرات المسؤول الإسرائيلي تشير إلى احتمالات كبيرة ألا تبرم صفقة التبادل قبل نهاية عهد بايدن
-
10:10
التحكم المروري: 3 جرحى في 3 حوادث سير خلال خلال الـ24 ساعة الماضية
-
09:42
المركز الألماني لأبحاث علوم الأرض: زلزال ضرب جنوب أفريقيا بلغت شدته 5.48 درجة اليوم