اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

تغص طرقات لبنان يوميا، ومع كل مناسبة سعيدة كانت أم حزينة، رسمية أوغير رسمية بزحمة خانقة يخوض خلالها المواطن اللبناني حربه اليومية، للوصول إلى جهته التي يقصدها، فيقضي ساعات طوال في شوارع العاصمة بيروت وضواحيها المزدحمة، والتي تعج بمئات آلاف السيارات التي تعجز الطرقات عن احتمالها، فأزمة الطرقات وزحمتها ليست بجديدة، يعاني منها المواطن اللبناني بشكل يومي، فهو إن عاد من جهته المقصودة سليما جسديا "إن حالفه الحظ" بعد معركة على الطرقات، يعود وقد أصيب بأضرار نفسية من حرق أعصاب وحالة مزاجية سيئة ، ناهيك بإرهاق جسدي ومادي.

السياسات "الاستهتاريّة" وسوء التنفيذ، وعدم القيام بالاصلاحات والصيانة الدورية الضرورية، حولت طرقات "سويسرا الشرق" إلى طرقات جهنم، فعدم قدرة شبكة الطرق القديمة على استيعاب ازدياد حركة السير وسوء حالها، هي من المشاهد المألوفة، ولولا انجاز بعض المشاريع الحديثة، على امتداد الخط الساحلي أو ضمن مدينة بيروت وضواحيها، لكان المشهد مرعباً.

فإذا كانت الشبكة القديمة صالحة ذات يوم لتأمين السير وسلامته واستيعاب حركته، إلا أنها لم تعد تفي بمتطلبات الواقع الناتج من النمو السكاني المتزايد، ونشوء تجمعات سكنية كثيفة في ضواحي العاصمة، وازدياد عدد السيارات ازدياداً كبيراً، يضاف إليها حركة النزوح من دول الجوار، دون أن ننسى الحرب الهمجية "الإسرائيلية" التي أدت إلى خروج الكثير من الطرقات بسبب الاستهدافات اليومية، باتت الحاجة ماسة إلى صياغة رؤية جديدة غير تقليدية لتنظيم السير في لبنان.

لسنا بحاجة الى طرقات جديدة... بل الى تنظيم

المهندسة المعمارية المتخصصة في تنظيم المدن والسياسات المدينيّة سهى منيمنة، أكدت أن لبنان عانى من نمط في شق الطرقات والأوتوسترادات العريضة، التي أدت إلى فصل المناطق والأحياء عن بعضها بشكل تام، معتبرة أن هذا الفصل لم يكن مقصوداً، "بل مجرد عمل لأشخاص ليس لديهم الإلمام والخبرة الكافية، لإدراك أنه يجب العمل على مقاربة جديدة، وخطة عامة تعتمد على هذه الرؤية، وطرق لتحفيز الأرصفة"، مضيفة "هذا النمط بدأ مع خطة وضعت في الستينيات، لتوسعة الطرقات والاوتوستردات بشكل عام، وتوقفت الخطة بحكم الحرب الأهلية".

وأشارت إلى أنه بعد الحرب الأهلية كان التركيز على إعادة إعمار المباني، وكل مشاريع شق الطرقات السابقة المتوقفة عاد الحديث للعمل بها، علماً أن الحديث عن خطط وضعت في الستينيات غير منطقي، مع كل التغيرات العالمية في خطط للنقل العام والتنقل السلس، وهذا ما لم يتم التطرق له في الخطة الجديدة، وكان هناك نية بالعودة الى المشاريع القديمة مثل أوتوستراد فؤاد بطرس، الممتد من الحكمة في الاشرفية الى مار مخايل، أتوستراد بترو طراد، وفي فترة الستينيات استملكت العديد من العقارات على هذه الخطوط، ولم تنفذ هذه المشاريع".

وتؤكد أننا "لسنا بحاجة إلى طرقات جديدة، بل إلى تنظيم، والخروج من عقلية تحصر التنقل بواسطة السيارة الخاصة فقط، فهذا المنطق يبقي العمل على شق الطرقات، وتحول المدينة إلى شبكات طرق سيارات فقط، وتختفي الأحياء والمساحات العامة والمشاة معاً"، وتضيف "في السنوات الأخيرة، تحولت المساحات العامة إلى مواقف للسيارات، فيما شق الطرقات لديه انعكاس سلبي لناحية التنقل، إذ يزيد من زحمة السير، خاصة بغياب خطة نقل عام بديل وسلسة، هذه المقاربة الوحيدة التي تتطرق اليها الحكومات في موضوع النقل، وهي مقاربة قديمة".

طرقات لبنان أصبحت شبه منتهية الصلاحية، فتغيب عنها أدنى معايير السلامة المرورية، فالأزمة الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية انعكسا سلباً على التجهيزات والأعمال المتعلقة بالسلامة المرورية، حيث أصبح لدى الوزارة والبلديات حجة عدم القيام بواجباتها، كما وضعت الأزمة شبكة طرقات لبنان في مصاف الدول المتخلفة، فمعظم طرقاتها ليست سالكة ولا آمنة، وبعضها غير مؤهل للسير.

"الأشغال والنّقل": مشكلة صلاحيّات

بين وزارة الأشغال ومجلس الإنماء والإعمار

مصدر في وزارة الأشغال والنّقل أكد أن "شبكة الطرقات في لبنان من ضمن مسؤوليات وزارة الأشغال العامة والنقل، في ما يخص نطاق الطرقات الدولية، أما بالنسبة للمناطق فهي من مسؤوليّة البلديات كل ضمن نطاقها، فيما تقع على مجلس الإنماء والإعمار المسؤولية الأصغر باعتباره مجرد وسيط". ولفت المصدر إلى أن "مجلس الانماء ومنذ إنشائه خلال العام 1990، كان موازياً لوزارة الأشغال العامة، لا بل وحل مكانها في كثير من الأحيان، وبالتالي أضحت مشكلة صلاحيات متنازع عليها بين وزارة الأشغال ومجلس الإنماء والإعمار، ما عطل العديد من الخطط الإصلاحية والإنمائيّة لشبكة الطّرقات".

وأشار المصدر إلى"عدم وجود مخصصات ماليّة ، لصيانة وتأهيل شبكات الطرق، فيما تئن البلديات من أوضاعها المزرية وعجز صناديقها، أما المتعهدون فيعلقون التزامهم بالمشاريع حتى إشعار آخر، مع استمرار الدفع بالليرة الفاقدة قيمتها".

اين مليارات الدولارات التي صرفتها

الدولة على مشاريع البنى التحتية؟

الواقع المرير للطرق في لبنان كان مزرياً أصلاً ، فكيف بالحري اليوم في ظل غياب الأموال وتوقف الورش التي كانت تقام لإصلاح الطرقات وصيانة الجسور، فاليوم بالكاد تستطيع وزارة الأشغال سد حفرة ببعض من الأتربة والزفت المتوافر.

هكذا يمكن تلخيص حال طرقاتنا، فهشاشة البنى التحتية وغياب أي صيانة أو تدابير وقائية من قبل الدولة، تسبب بإلحاق أضرار فادحة بالسيارت وحوادث سير وموت متنقل على الطرقات في كل المحافظات، رغم أن الدولة قد صرفت مليارات الدولارات على مشاريع البنى التحتية، إلا أنها جميعها هدرت لمصلحة جيوب المتعهدين المحسوبين على أحزاب سياسية، والذين بدورهم بنوا الجسور وشقوا الطرقات غير آبهين بمعايير السلامة العامة، دون ان ننسى الملايين التي جمعت من محاضر ضبط مخالفات السير ورسوم الميكانيك، التي من المفترض أن تخصص من أجل إصلاح الطرقات وتأمين سلامة السائقين، فمعظم طرقاتنا وجسورنا متروكة ومهملة.

واليوم وبعد إعلان وقف إطلاق النار بعد الحرب "الإسرائيلية" على لبنان، والحديث عن إعادة الإعمار، هل تتعظ الحكومة من أخطاء الماضي، وتتخذ الإجراءات الضرورية واللازمة لحل أزمة الطرقات؟ وهنا تجدر الإشارة إلى أن لبنان صنف في المرتبة الأولى عالميا من حيث الخطورة في القيادة على طرقاته. 

الأكثر قراءة

دمشق بين الجيش التركي والجيش "الإسرائيلي"