نكبة... ولكن

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

تعرف النكبة في اللغة العربية بأنها حادثة أو واقعة مأسوية، وفي السياق السياسي او العسكري تشير إلى الهزيمة الكبيرة التي يتعرض لها شعب معين أو دولة ما. ومنذ بداية القرن العشرين، عانى العالم من العديد من النكبات، سواء كانت حروبا دموية، ثورات شعبية، أو كوارث طبيعية.

تاريخيا، تعرض الشيعة للعديد من المجازر والهجمات بسبب اعتقادهم الديني وانتمائهم الطائفي او حتى عاداتهم وتقاليدهم. واحدة من أبرز هذه النكبات كانت مجزرة الطف في العراق عام 680 ميلادية، حيث تم قتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب وعدد كبير من أتباعه في معركة كربلاء على يد الجيش الأموي بقيادة يزيد بن معاوية. كما تعرض الشيعة للاضطهاد والتهجير في بلدان كثيرة خلال التاريخ على يد العباسيين والسلاجقة والمماليك والعثمانيين إن كان في العراق وإيران وباكستان، أواليمن والبحرين مؤخرا. ولا يزال الشيعة يعانون من التمييز والعنف ضدّهم في بعض البلدان اليوم، مما يجعلهم يواجهون نكبة مستمرة عبر التاريخ. وكانت هذه النكبات تتضمن الاضطهاد والتمييز والتهميش الاجتماعي والسياسي.

يعود تاريخ الشيعة إلى بدايات الإسلام، حيث كانت هناك اختلافات حادة بين المسلمين حول خلافة النبي محمد بعد وفاته. ومنذ ذلك الحين والشيعة يواجهون العديد من النكبات والمحن التي شكلت تاريخهم وثقافتهم.

 إلّا أنّ الشّيعة وعلى الرغم من كلّ نكباتهم التّاريخيّة تلك؛ استمروا في الصمود والثبات على مبادئهم وعقيدتهم. ولعل من أبرز الدروس التي يمكن استخلاصها من كفاح الشيعة عبر التاريخ هو أهمية الصمود والإيمان بالقضية والعمل على تحقيق العدالة والحرية والكرامة لجميع النّاس.

على المستوى المحلي، ساهم الشيعة في العديد من الأمور، فكانوا في طليعة الصامدين في جنوب لبنان إبّان الاجتياح الاسرائيلي، فعانوا ما عانوه من دمار وخراب وتهجير وتنكيل على مدى ٥٠ عاما حتى جاء تحرير الارض عام ٢٠٠٠ وكان الإنتصار الكبير. اذ اهتموا بإعادة إعمار قراهم ومدنهم وبزراعة اراضيهم وعملوا على تثبيت الساكنين فيها وتحفيز المغتربين منهم على استثمارها وجعلها متقدمة على المستوى التربوي والاجتماعي والاقتصادي والاكتفاء الذاتي فشيدوا المدارس والجامعات وبنوا المصانع والمؤسسات التجارية والمدن الصناعية ونافسوا في كافة المجالات، حتى أتى مؤخرا الخريف البائس وأعاد ساعات الزمن الى غابره الأسود، لتشهد الإنسانية على إحدى أبرز النكبات في العصر الحديث.

برأيي لقد واجه الشيعة في هذا الخريف، منفردين أعتى قوى العالم وأكثرهم حقدا وإجراما، وحتى الذين هم في محورهم تخاذلوا وانكفؤوا...

صمد أهلنا في وجه الدمار والنار والموت وخسروا أغلى ما يملكون... حتى تركوا اراضيهم ولكنهم عادوا اليها عند بزوغ الفجر قبل صياح الديك. وهذا هو الدليل الذي يثبت للعالم تجذرهم بأرضهم وهويتهم.

نكبة الخريف هذه تعني لي الكثير على المستوى الإنساني والوطني إذ إن كافة ابناء الوطن بتعدد اطيافه عملوا جاهدين لاستدراك الكارثة بحيث كانوا الحضن الدافئ لأهلهم الذين تركوا بيوتهم، فسعوا بما تملي عليهم اخلاقهم وضمائرهم وتعاليمهم الدينية الى استضافة كل الخارجين من قراهم. هذا التفاعل الإنساني الذي حصل إبان العدوان أثبت أن الشعب اللبناني متكاتف أمام الصعاب ومتعاضد في وجه كل شرّ. وأن الكل ادرك محبة الله اللامحدودة لأبنائه، بل واكتشف أن بذور الانسانية التي زرعها الرب فينا أثمرت  خيرا وحبا وسلاما.

في هذه المرحلة الجديدة يجب على كل اللبنانيين التكاتف والتضامن من أجل إعادة الاستقرار الى البلاد بدءا من انتخاب رئيس للجمهورية مرورا برؤية واضحة لمستقبل لبنان في المنطقة عبر تحصينه من كل ما هو خارجي ومضر للبلد وتحييده عن كل النزاعات. وهنا  - وبشكل خاصّ - على أهلنا في الطائفة الشيعية الكريمة دور كبير في التفاعل والتواصل مع كافة أطياف الوطن والعمل على بناء جسور المحبة والتعايش الذي دعا اليها الإمام موسى الصدر والسعي على حماية لبنان مع كافة مكونات هذا البلد. التصدي لهكذا أزمات وتقديم الدعم والمساعدة هو واجب انساني تدعو اليه كل شرائع الامم وتتبناه كل الأديان. ففي العمل الانساني تتجلى حقيقة تعاليم الله.

بالنظر إلى كل هذه النكبات التي تعصف بالعالم، يجب على المجتمع الدولي العمل بجدية لإعطاء القضية  الفلسطينية حقها وإنصاف هذا الشعب المنكوب في إقامة دولة تليق بتاريخه وكفاحه وأحقيته في الأرض. وعلى الدول العربية تكثيف عملها في هذا المجال، ليس من باب التضامن والتكافل بل لأن الشعوب العربية هذه، هي "أم وبي الصبي".

اللبنانيون تحملوا الكثير لإبقاء القضية الفلسطينية حية وهم مستعدون لتقديم المزيد ولكن، غير منفردين، بل مع كافة الشعوب العربية المؤمنة بهذه القضية.